كشف إحصائيات الحماية المدنية ل»الشعب»، أن 1832 حافلة تسببت في حوادث المرور سنة 2015 تضاف إليها عشرات الحوادث في 2016.....وفي ظل كثرة حوادث مرور حافلات النقل البري بين الولايات وخاصة ذلك الذي وقع في إقليم ولاية الأغواط أودى بحياة أكثر من 33 شخصا، وأمام الانتقادات الموجهة للسائقين دون أرباب النقل البري، قررت «الشعب» فتح المجال للسائقين والقابضين الذين يعملون على متن تلك الحافلات، حيث تنقلنا يوم الثلاثاء المصادف لليوم الثاني من رمضان إلى المحطة البرية بالخروبة من أجل معرفة واقع النقل البري بالحافلات بين الولايات، والتأكد من صحة الاتهامات الموجهة للسائقين بأنهم المتسببون رقم واحد في حوادث المرور، كما سعينا لمعرفة ظروف عملهم وكيفية التكفل بهم ومدى احترام شروط الصيانة وغيرها من المعايير التي يجب أن تتوفر لضمان سلامة المسافرين والسائقين وحتى المركبات على حد سواء. كانت دهشتنا كبيرة لواقع هذا القطاع الذي تتحكم فيه أطراف وصفها بعض المنتسبين، ب «البارونات» فجلهم لا يهمهم سوى الربح ومضاعفة العائدات على حساب سلامة المسافرين وصحة العاملين في هذا القطاع. لنتأكد من أن الفساد لم يرحم أي قطاع كما أن العديد من العقليات البالية مازالت هي المسيطرة على دواليب مختلف القطاعات. يحدث هذا في ظل تضاعف عدد حافلات النقل ما بين الولايات بصفة كبيرة، وهو ما تؤكده عدد الرحلات مثلا باتجاه تيزي وزو وهي الولاية الأكثر حركة، حيث يفوق عدد رحلاتها 249 رحلة يوميا. أما عدد الرحلات بالنسبة لولايات الشرق فتقدر بحوالي 200 رحلة والساحل الشرقي ب100 رحلة يوميا والغرب ب 149 رحلة يوميا وأخيرا الجنوب والجنوب الشرقي ب 120 رحلة يوميا. سائقون بدون تأمين ولا عقود عمل رفض سائقو حافلات النقل البري الذين التقينا بهم في المحطة البرية بالخروبة كل الاتهامات الموجهة لهم بأنهم المتسببين في حوادث المرور، مؤكدين بأنهم يتساءلون عن سبب عدم توجيه الاتهامات لمالكي الحافلات الخواص، أو على الأقل فتح المجال للسائقين من أجل الدفاع عن أنفسهم والحديث عن واقع النقل البري الذي بات في أيدي «بارونات» لا يهمها لا القانون ولا الإنسانية، وهم يتسببون في مجازر يومية في حقنا دون أن يتدخل أحد فيهم حسب تعبير السواق، وحتى الشكاوى التي نتقدم بها تصبح وبالا علينا في ظل غياب هيئات الرقابة فنتعرض لشتى أنواع التعسف والاستغلال وحتى العبودية في بعض الأحيان. وكشف السائق «رشيد/د» الذي يعمل على خط «الجزائر-عنابة»، وله 34 سنة خبرة في مجال النقل البري بالحافلات منذ إنشاء الشركة الوطنية للنقل البري للمسافرين – سان تي في- بعد سنوات من الاستقلال بأنه وجد نفسه مجبرا على العمل مرة أخرى بعد معاش التقاعد الذي خرج به، والذي لم يتعد 12 ألف دج ومن نعمة العمل في مؤسسة عمومية وجد السائق نفسه يعمل في جهنم لا تأمين ولا أجرة محترمة، ولا عقد يحفظ له حقوقه ولا حتى مركبة في كامل جاهزيتها. وبألم كبير تحدث عمي رشيد أمام جمع من زملائه الذين جمعتهم «الشعب» في حافلته عن المعاناة التي وجد نفسه فيها وهو في سن 64 بعيدا عن أولاده وعائلته فالحافلة والطريق أصبحتا تأخذا جل وقته، موضحا «......مقابل 30 ألف دج أقطع 3000 كلم في 48 ساعة مقابل يوم راحة وبلا تأمين ولا عقد عمل...إنها معاناة ومأساة حقيقية، والكل يتحدث فقط عندما يقع حادث مرور بينما نحن ضحايا في كل ثانية في كل دقيقة ولا أحد تحدث عنا....إننا نتألم كثيرا من حوادث المرور وحتى السائقين زملاء لنا وهم ضحايا بدورهم ونرفض تحميلنا المسؤولية في ظل صمت رهيب عن المالكين الحقيقيين للحافلات». وأضاف بحسرة وهو يتذكر أيام المؤسسة العمومية التي كانت توفر لهم كل أسباب الراحة والاسترجاع حفاظا على صحتهم وسلامتهم وسلامة المسافرين، مع توفير سائق إضافي في كل حافلة تتجاوز فيها مسافة الرحلة 500 كلم». وقال نفس المصدر يوجد حاليا سواق ينشطون على خطوط قسنطينة- سكيكدة يبدأون العمل على الساعة الثالثة صباحا وينهون عملهم على الثامنة مساء ولكم أن تتخيلوا المتاعب الصحية التي تلحق بهؤلاء وهذا بدون حسيب ولا رقيب، وأضاف قائلا» ....هناك من يعمل على خط قسنطينة -غرداية بمفرده فيقود الحافلة ذهابا وإيابا ومع الظروف المناخية الصعبة تصبح حالة السائق متدهورة وقد يتسبب في أية لحظة في حادث مرور». ومن الغرائب التي رواها السواق العمل بدون الخلود للنوم والراحة، حيث كان أحد السائقين يضمن النقل بين «عزابة- الجزائر» فبعد وصوله للعاصمة وبعد ساعتين يعود لعزابة» وهناك الكثير من الأمثلة فالسائق إذا رفض العمل بمكالمة هاتفية يأتي مالك الحافلة ليخيره بين العمل أو المغادرة، ولكن بلغة وعبارات مهينة. نعاني من الضغط الدموي، السكري وأمراض الظهر كشف السائق حسان حمادي الذي يضمن النقل على مستوى ولايات شرق البلاد، وسبق له أن عمل على الخطوط الجنوبية لولايات جنوب البلاد عن معاناة معظم السواق من أمراض الضغط الدموي والسكري وأمراض الظهر والرجل بسبب متاعب السياقة وكثرة الجلوس على كرسي قيادة الحافلة. وقال نفس المصدر وهو في ال 66 من العمر، بأنه خرج بمعاش يقدر ب 11 ألف دج من المؤسسة الوطنية لنقل المسافرين، وهو ما أجبره على مواصلة العمل عند الخوص، منذ أكثر من 10 سنوات مقابل 30 ألف دج وفي ظروف قاهرة حتى وصل الأمر بأحد الخواص ماليكي الحافلات بالقول «يروح سائق يجي خوه في مشهد دراماتيكي حول نظرة أرباب العمل للعمال». وبفضل الكثير من السواق العمل دون سائق إضافي لتحسين أوضاعهم الاجتماعية من خلال مضاعفة الراتب إلى 60 ألف دج، ورغم وعيهم بالآثار السلبية على الصحة إلا أن غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة تجبرهم على القبول. ومن الأسباب المؤدية إلى مضاعفة الإرهاق، كثرة الأمراض المزمنة عند سائقي الحافلات بالإضافة لضغط الطريق وكثرة الازدحام وعدم الاستفادة من وسائل الاسترجاع والراحة، وقال السائق حسان حمادي « كنت قبل أيام أتناول العشاء مع أولادي، وإذا بصاحب الحافلة يكلمني في الهاتف ويتوسل لي بأن أقود الحافلة من عنابة نحو العاصمة متخليا عن حقي في الراحة، وأرسل لي سيارة أجرها ب 800 دج ليوصلني إلى مقر المؤسسة لأخذ الحافلة ولكم أن تتصورا هذا المشهد فمن أجل مصالحهم يقومون بكل شيء، بينما يبقى تحسين أمورنا آخر شيء يفكرون فيه». واشتكى نفس المصدر من المتاعب الجمة خلال شهر رمضان حيث يتضاعف التعب وينقص التركيز، وتزداد المخاوف من ارتكاب حوادث المرور. وتبقى العشرية السوداء والتخوف من العمليات الإرهابية والحواجز المزيفة من أكثر الأسباب التي أثرت في السواق سلبا، واليوم يؤكد محدثنا « ..الكل يتنكر لمجهوداتنا في ضمان نقل الأشخاص....ولم نستفد من أي شيء يكون عزاء لنا». طرحت «الشعب» على سائقي الحافلات للمسافات الطويلة سؤالا حول عدم تنظيم أنفسهم وتشكيل نقابة تدافع عن حقوقهم وتفضح كل هذه الممارسات المشبوهة لمالكي الحافلات وكان ردهم بسيطا ....» لقد نجح ملاك الحافلات في إنشاء نقابة تزيد من أرباحهم ونفوذهم بينما نحن السائقون عجزنا عن تنظيم أنفسنا فجل السائقين لا يملكون لا عقود عمل، ولا بطاقة مهنية ولا أي شيء يثبت بأنهم يعملون في مؤسسة فمن أين ننظم أنفسنا في ظل ظروف مزرية وعدم اعتراف بما نقوم به» وأضاف سائق أخر «لقد كانت لنا تجربة مع نقابة سابقا لكن مسؤولها أخذ أموال الاشتراكات وهرب، وعليه فواقع القطاع لا يسمح لنا بالتفكير في تنظيم نقابي». حذار من الحديث عن صيانة الحافلات نقل السائقون واقعا مزريا عن صيانة حافلات النقل الجماعي بين الولايات، فمالكو الحافلات لا يعترفون إلا بالمداخيل، وحذاري كل الحذر من الحديث عن الأعطاب فيطلب من السائق تدبير الأمر. ويجرنا هذا الواقع للتساؤل عن مدى احترام مؤسسات النقل البري للمراقبة التقنية والالتزام بمنع الحافلات التي تفتقد لمعايير السلامة المرورية من استلام محضر المراقبة التقنية. وحتى حوادث المرور والتحقيقات التي تباشر بعدها لم تكشف يوما عن وضعية تلك الحافلات، وتشير دراسات الحماية المدنية والبحث عن أسباب الحوادث إلى تورط العنصر البشري في 90٪ من حوادث المرور، إلا أن حالة الحافلات يجب أن تأخذه حقها من التحقيقات طالما أن السائقين كشفوا عن تقصير كبير في الصيانة. كما أن المراقبة التقنية وتحرك مسؤولي المحطة البرية بالخروبة من خلال فرض تطبيق القانون ومراقبة ورقة طريق كل حافلة تخرج من المحطة من خلال التأكد من وجود سائق ثاني وتدوين كل المعلومات الخاصة بالرحلة لتسهيل التحقيقات وتحميل المسؤوليات فيما بعد لمالك الحافلة. لاجئون في بلادنا وقفت «الشعب» على ظروف الاسترجاع والراحة لسائقي حافلات النقل بين الولايات وهي التي تتم في مكان حفظ الأمتعة حيث ينام السائقين والقابضين على حد سواء في ظروف جد مزرية فالمكان لا يوفر الراحة لا في فصل الصيف ولا في فصل الشتاء وهو ما يجعل فرصة النوم قلية جدا ومنه ينقص التركيز وضعف الرؤية في الكثير من الأحيان. وتبقى ظروف اللاجئين في مختلف الدول أحسن من ظروف السائقين بالنظر لبرامج التكفل التي تضمن ظروف إقامة ومتابعة صحية وبعض الحقوق، وهو ما تفتقده فئة السائقين في الجزائر ولسوء الحظ كما يقول «خ/يسعد» صاحب 31 السنة والذي عمل على محور «تبسة - ايليزي» ويعمل حاليا على خط «تبسة-الجزائر» يوميا حيث ينطلق من الثامنة مساءً من العاصمة ليلتحق بتبسة على الساعة الخامسة صباحا ومرات تدوم الرحلة لأكثر من 11 ساعة بسبب ظروف الطريق وكل هذا ليشكل أصحاب الحافلات ثروة كبيرة على حسابنا في الوقت الذي نفتقد نحن فيه لأدنى الحقوق متسائلا « ...لماذا كل هذا التنكر، أين هي الهيئات الرقابية، أين هو القانون، أين الدستور، لماذا يتم توجيه الاتهامات لنا في حوادث المرور» وسرد لنا نفس الشخص قصة عمله مع شركة ايطالية بالصحراء الجزائرية والتي كانت توفر لي طل سبل الراحة وراتبا محترما وأيام للراحة والاسترجاع، ولكن انتهاء العقد عجل برحيلي واليوم أعاني كثيرا من ظروف العمل مع إخوتنا الجزائريين. وقال في هذا السياق نتعرض حتى للإهانة ووصل الأمر بأحد ملاك الحافلات إلى القول لأحد السائقين الذي احتج على سوء وضعيته قائلا له «.....هناك الكثير من السواق تعمل». وأشار في سياق متصل إلى ما يقوم به بعض السائقين من خلال تمكين مسافرين من السفر واقفين وعلى بعض المقاعد لتحصيل أموال إضافية ناهيك عن الكثير من السلوكات التي لم نود نشرها بالنظر لعدم وجود أدلة دامغة. وتحدث السائق خالد يسعد عن المضايقات التي يتعرضون لها من قبل المسافرين الذين لا يعتبرون ملائكة بل هم بشر مثلنا حيث يزيدون من الضغط خاصة في الاحتجاج عند التوقف عند مطعم معين أو عدم إنزالهم في أماكن غير مرخصة حيث يصل الأمر إلى التشابك في بعض الأحيان ناهيك عن تهديدات، وحتى الاعتداء مثلما حدث لأحد السائقين مؤخرا والذي يعمل على خط الجزائر- ميلة حيث تم ضربه بالسكين ولأسباب مجهولة.