ظل يذرع الطريق المشكل لحيّز جدير بأن يذكر، وهو الواقع بين مقهى اللوتس ومدخل جامعة الجزائر، وبعبارة أدق كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ولا يغادره إلاّ بعد أن يدخل المقهى المذكور لأخذ الوقت اللازم للحديث أو القراءة أو الرسم ؟!كان هذا الفضاء يختلف على بقية الفضاءات، لأنّ به مقهى الجامعة وبه أمكنة مخصصة لجلوس الطلبة والعديد من المثقفين، والأساتذة النجوم الذين يتجمهر حولهم الطلاب كلما وقف الكثير منهم عند مدخل باب الجامعة الجزء الهام من ذلك الحيز الحالم. هكذا كان هذا درب مبدع من المبدعين الجزائريين، الذين شكّلوا في الإبداع الجزائري خصوصية لم يعرف بها غيرهم. في هذه الرقعة، جاء الكثير من إبداع الشاعر والرسام والمترجم الفنان ''أبو الياس'' رحمه اللّه وفيها ولد إلهام ''أبو الياس'' فكتب ورسم، حيث استوحى موضوعاته من جوّها ومن شخصها ومن مثقفيها، فكم كان يقضي من الوقت وهو يوزع قصائده الجميلة ورسوماته الموحية، وخاصة عن الطلبة والطالبات الذين كان لهم في وقت ما مستوى يؤهّلهم إلى قراءة الإبداع ونقده، ولا سيما إذا كان يتم ذلك بتوجيه أولئك الأساتذة الذين لم يعد لمثلهم وجود إلا القليل! محيط مثقف مشجع وأرضية معدة لذلك، تلك ظاهرة خدمت الكثير من المبدعين في تلك الفترة، ومنهم ''أبو الياس''. أبدع ''أبو الياس'' الفنان الحساس رحمه اللّه في الشعر وبالخصوص الغزل، فظلت قصائده »فازوا« وغيرها، من أجمل الشعر الجزائري على الإطلاق لما تحمله من رقة وتدفق في الأحاسيس، والعاطفة الميّالة إلى كل جميل، وظل جمهوره الأول طلبة الجامعة، براعم المستقبل. هكذا كان الإحتكاك المباشر، تصل القصائد والرسومات دون أي وسيط ولا انتظار لكي يتلقاها المتلقي عبر القنوات المعروفة. وعرف ''أبو الياس'' في هذا الجو بالشاعر الجوّال، وأتذكر أنها كتبت جريدة »الشعب« أثناء تلك الفترة عنه، وزيّن المقال برسم كاريكاتوري جميل. مثل السمكة في بحرها المزود لها بالحياة، عاش ''أبو الياس''، فلا يراه أي كان إلاّ وجده في ذلك الحيز محاطا بالمعجبين ممّن يعطون الكلمة حقها، لأنّهم يفهمونها الفهم العميق. وزاد على ذلك ولادة حركة ثقافية جاد، منحت البلد مواهب ومتذوقين عملوا على خلق جو يليق بالمثقف المبدع في تلك المرحلة. حياة ''أبو الياس'' ظلت شمعة منيرة، كما أنها استمدت هذا النور من جو موحي ومبدع وعلى فضاء نظيف لا يليق إلاّ بأمثال ''أبي الياس''.