شخصيات وطنية غيّرت مجرى التاريخ ومرجعية لحركات التحرر في العالم كذب من قال إن الشعب الجزائري كان أميا قبل قدوم الاحتلال الفرنسي، أو بالأحرى المستدمر الذي أنشأ منذ سنة 1830 نظاما للقضاء على التعليم وتجهيل سكان الجزائر، وعمل على تثبيت اللغة الفرنسية وتكوين مثقفين بلغة العدو وتخدم مصالحه.بفضل عبقرية قادة جبهة التحرير الوطني تم تجميع المثقفين الجزائريين باللغتين للمشاركة في الثورة واسترجاع السيادة الوطنية، وبالتالي إقرار مجانية التعليم بعد الاستقلال لكل الجزائريين والقضاء على الأمية، هذا ما أكده المجاهد والوزير الأسبق مراد بن أشنهو لدى تنشيطه ندوة نقاش، نظمها منتدى جريدة “الشعب”، بالتعاون مع جامعة الجزائر3 بعنوان: “دور النخبة المثقفة في الثورة التحريرية”. استعرض بن أشنهو بالتفصيل، السياسة الاستعمارية الممنهجة للقضاء على التعليم وتجهيل الجزائريين، منذ دخول الاحتلال في 5 جويلية سنة 1830 بقيادة الجنرال دوبورمون وتبعه آخرون، عبر إغلاق المساجد وكل المدارس القرآنية والمعاهد الثقافية التي كانت تسمى “مدرسة” التي مولت من طرف الهيئات الخيرية “الحبوس” والجمعيات، حيث أحصيت 36 ألف مدرسة قرآنية بالجزائر، و22 مدرسة قرآنية بتلمسان والممولة من طرف التجار والموجهة للأطفال الفقراء وحتى الأغنياء. مشيرا إلى أنه في هذه الفترة، ظهرت شخصيات مهمة، مثل بوضربة الذي كان يتقن حوالي 16 لغة، وحمدان بن عثمان خوجة صاحب الكتاب المشهور “المرآة” الذي يحلل فيه تاريخ الجزائر والظروف الاجتماعية لمجتمعها، والعبقري الدكتور بن شنب وكذا شخصية الأمير عبد القادر العالم الكبير والشاعر والمتصوف ذي المكانة في الفكر الإنساني. وأكد المحاضر في هذا الصدد، أن الجزائر لم تكن بها الأمية في 1830، وأن أغلبية سكانها كانوا يتقنون القراءة والكتابة باللغة العربية، بفضل الجمعيات التي عملت على تعليم السكان، لهذا عملت الإدارة الاستعمارية على إلغاء هذا النظام التعليمي باللغة العربية بإغلاق المدارس التي بقي منها مدرستان من مجموع 36 مدرسة، لكن أنشئت بعض الجمعيات مدارس سرية لتعليم اللغة العربية. بالمقابل، قدمت لمن أسمتهم بالأهالي شهادة نهاية الدراسة، كما أنها منعت على الجزائريين الدراسة في التخصصات العلمية العليا واقتصرت فقط على الأوروبيين. وتحدث بن أشنهو أيضا، عن فتح مجال صغير للجزائريين لوجود مترجمين أو قضاة وتكوين نخبة فرنسية من الجزائريين، واستمرت فرنسا في سياسة التجهيل والقضاء على اللغة العربية بالتدريج منذ 1830 إلى 1900، وارتفعت نسبة المثقفين الذين يتحدثون اللغة الفرنسية بنسبة 90 من المائة، في حين كانت هناك فئة قليلة من المثقفين باللغة العربية المتخرجين من جامع الأزهر بالقاهرة والزيتونة بتونس، لكن رغم ذلك قاوم الجزائريون هذه السياسة لتكوين مدارس في قسنطينة، الجزائروتلمسان لتكون واسطة بين الإدارة الاستعمارية والجزائريين. وأشار ضيف منتدى “الشعب”، إلى أنه، في بداية القرن 20 ظهرت المقاومة السياسية بعد المقاومة المسلحة وبروز وسائل الإعلام والجمعيات، مثل جمعية الشبان الجزائريين في 1912 وهي مجموعة من النخبة المثقفة بالفرنسية، الذين كانوا يطالبون بالاندماج بين المثقفين الفرنسيين والجزائريين، وبدأوا التفكير في ضرورة دخول الجزائر المعترك السياسي، ونشطت الحركة السياسية من خلال تأسيس جمعيات رياضية، فكرية ومسرحية وكشافة، ويعد عمر بن قدور أول مؤسس لجريدة “ذو الفقار” في عام 1924. وفي 1925 ظهر نجم شمال إفريقيا لمؤسسه بن علي عبد القادر، الذي كان يضم طلبة تونسيين ومغربيين. وكان مصالي الحاج، الجزائري الوحيد الذي كان يمثل شعلة من الذكاء وهو حزب الزوالية، كما كانوا يسمونه. وفي سنة 1927 شارك في مؤتمر ببروكسل وكانت له الشجاعة للحديث عن المشاكل الاستعمارية وهو أول من طالب بالاستقلال. موازاة مع ذلك، تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، التي استمدت أفكارها من الشيخين محمد عبده والأفغاني، كما فتح العلامة عبد الحميد بن باديس دار الحديث في تلمسان، وبغرض إعاقة عمل الجمعية اشترطت الإدارة الاستعمارية على الجمعية أن لا يتجاوز عدد التلاميذ في القسم 20 تلميذا. وأشار المحاضر إلى أن فرنسا أصدرت سنة 1900 قانونا لإنشاء الجمعيات وأعطتهم الحرية، في حين منعت على الجزائريين هذا الحق بتجميد الحصول على رخصة إنشاء جمعية. وبحسب المجاهد، فإن الحرب العالمية الثانية كان لها دور في الثورة. كما أن هناك نخبة من الشباب مستواهم الدراسي محدود، لكنهم يملكون قدرات فكرية ونضالية واستطاعوا تكوين مجموعة 22 وتفجير الثورة، وتجميع كل المثقفين الجزائريين باللغتين العربية والفرنسية، مثل جمعية العلماء وفرحات عباس، قائلا إنه ابتداءً من 1954 استيقظت الطبقة المثقفة الجزائرية على الوطنية وكونت قوة لمواجهة الاستعمار الفرنسي. وأضاف بن أشنهو، أن قادة جبهة التحرير الوطني كانوا شبابا عصاميين، لكن لديهم عبقرية في تجنيد كل طبقات المجتمع الجزائري، منهم عبان رمضان وكريم بلقاسم وعلى رأسهم عبد الحفيظ بوصوف وهو شخصية سرية ومنظمة تحكمت في المعلومة واستخدمتها لصالح الثورة من خلال إنشاء “المالغ” وسلاح الإشارة، مؤكدا أن ثورة الفاتح نوفمبر هي حقيقة عاشها جيله من الشباب المناضل، وشارك فيها كل الشعب الجزائري، وأنه بفضل الاستقلال ورجال نوفمبر تم القضاء على الأمية بالجزائر، ورفع مستوى التعليم إلى 90 من المائة بعدما كان يمثل 13 من المائة من السكان الذين يحسنون القراءة والكتابة غداة الاستقلال.