المواطنة ظاهرة إجتماعية وقانونية وسياسية تساهم في تطوير المجتمع الإنساني بشكل كبير بجانب الرقي بالدولة إلى المساواة والعدل والإنصاف، وإلى الديمقراطية والشفافية، ولا يمكن للدولة أن تنتج وتقوم ببناء مقوماتها وأسس نهضتها إلا على أساس مبدأ المواطنة والوطنية المجسدة للفاعلية الإنسانية التاريخية. وبناء على العلاقة التي تربط بين الدولة والمواطن الذي يعتبر الأصل تتبلور مبادئ أساسية تتعلق بمفهوم مبدأ المواطنة أهمها أن حقوق الإنسان لها طبيعة دينية وتعددية ينبغي الإشارة إليها عند وضع دستور جديد، وأهم شيء هو المساواة لكل فئات المجتمع بغض النظر عن الجنس أو الفئة واحترام الرأي والرأي الآخر، ومراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تمكن المواطن من التعبير عن رأيه ومصالحه بحرية. تتوقف وتتأثر المواطنة في دولة ما بدرجة النضج السياسي والرقي الحضاري، كما تتأثر بالتطور السياسي والاجتماعي وبعقائد المجتمعات وبقيم الحضارات والمتغيرات العالمية، لذلك تعدّ المواطنة محورا رئيسيا في النظرية والممارسة الديمقراطية إذا ما احترمت الشروط الأساسية كالحقوق المدنية والدستورية، وضمانات المشاركة السياسية الفاعلة، والحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمكّن المواطن من التعبير عن رأيه ومصالحه بحرية، وحد أدنى من المسؤولية تجاه تنمية فرص العمل والرعاية الاجتماعية وغيرها من الحقوق الأخرى التي سنتطرق إليها في هذه المداخلة. أما إحترام قيم المواطنة بوجود الحكم الراشد فهو كمصطلح يتضمن اليوم وأكثر من أي وقت مضى الكثير من المعاني حتى أصبح يستعار من استراتيجياته الابتكارية المرنة الكثير من الاستخدامات في مجالات الاقتصاد، السياسة، التنمية المستديمة، التقدم مع تقليص حدة المشاكل...الخ، فهو يرتبط بالعديد من أنواع السياسات العمومية و/ أو الخاصة ويتميز بدلالة واقعية على مختلف المستويات الإقليمية، وعلى ذلك لا يمكن إقامة الحكم الراشد بدون دولة القانون، بدون ديمقراطية حقيقية، بدون تعددية سياسية، كما لا يمكن أن يقوم حكم راشد إطلاقا بدون رقابة شعبية يستخلص من هذا الطرح الاستراتيجي ما للحكم المحلي الراشد من دور فعال في التنمية المحلية وفي بناء الدولة القوية التي تبتعد عن سياسة الواجهة والمظهر السياسي العقيم. ولتوضيح العلاقة الموجودة بين قيم المواطنة والقانونية والاقتصادية والمؤسساتية لتحقيق الحكم المحلي الراشد في الجزائر، نتطرق إلى الأبعاد القانونية والسياسية ومكانتها المركزية في مراعاة مبدأ المواطنة ليست بسبب أفضليتها على الحقوق الأخرى وإنما كونها ضمانة أساسية لتنمية إمكانيات النضال السياسي السلمي للحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يمكن تحقيقها من خلال تنمية فعالة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وبذلك تنتقل المواطنة من كونها مجرد توافق أو ترتيب سياسي تعكسه نصوص قانونية لتصبح المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات قيمة اجتماعية وأخلاقية وممارسة سلوكية يعبر أداؤها من قبل المواطنين عن نضج ثقافي ورقي حضاري وإدراك سياسي ايجابي بناء، وكذا تحديد المقومات الأساسية للتنمية الجهوية وكيفية تعزيز الشراكة الشعبية في التنمية، بالإضافة إلى توضيح الأسس الإجتماعية والإقتصادية والمؤساستية للتنمية المستدامة، بإعتبار أن هذه الأخيرة بأبعادها الإقتصادية والإجتماعية والبيئية لها وجهان متلازمان هما التنمية المادية والبشرية، والتوازن البيئي، وجانبان متفاعلان هما الجانب الإجتماعي والجانب الإقتصادي، لذلك فالفرد وكافة أعضاء المجتمع سواء من داخل السلطة أو من خارجها هم هدف هذه التنمية، وفي الوقت ذاته أداة تحقيقها عن طريق مبدأ التشاركية في التفكير والتخطيط والتنفيذ. المبحث الأول : الأسس القانونية لتحقيق الحكم المحلي الراشد في الجزائر لا يمكن إقامة الحكم الراشد بدون دولة القانون، بدون ديمقراطية حقيقية، بدون تعددية سياسية، كما لا يمكن أن يقوم حكم راشد إطلاقا بدون رقابة شعبية، فهو مجموعة القواعد الطموحة الموجهة لإعانة ومساعدة المسيرين للالتزام بالتسيير الشفاف في إطار هدف المساءلة على أساس قاعدة واضحة المعالم وغير قابلة للانتقاد أحيانا كون كل الأطراف الفاعلة عبر النشاطات المتعددة تساهم في ذلك أي في مجال التسيير، وقد أصبح الحكم المحلي هو الكلمة المحورية للتنمية الدولية وهو مطبق في كل القطاعات وقد ظهر هذا المصطلح بشكل جلي في حقبة الثمانينيات أي في الوقت الذي بدء فيه بالتطبيق الميداني لبرامج التعديل الهيكلي والتي تهدف إلى خلق النمو الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يتحقق في كثير من البلاد النامية. فهو يقوم على مجموعة من المعايير القانونية المعبرة في واقع الأمر عن إشكالية واضحة في البناء الأساسي أو الأولي لهيكلته أي على أساس مدى توفر هذه المحددات أو المعايير في الواقع القانوني لسلطة الدولة، ولذلك يمكن القول إن هذه المحددات هي الأساس أو المقياس القانوني لمدى أهلية الحكم الصالح أو الراشد من خلال توفرها مجتمعة بصورة عملية ليس نصا جامدا في صلب الدستور تنتظر التفعيل والعمل، بل يجب إن تكون فاعلة في الواقعين القانوني والسياسي حتى يمكن أن نحكم على عمل السلطة السياسية بأنه يمتلك مقومات الحكم المحلي الراشد، وذلك من خلال بيان علاقة السلطة السياسية بالقانون، الفعالية القانونية للمؤسسات التشريعية والتنفيذية، النظام القضائي. المطلب الأول: مقومات أو معايير الحكم المحلي الراشد الفرع الأول: علاقة السلطة السياسية بالقانون علاقة السلطة بالقانون تكون على أساس مبدأ سيادة القانون الواجب التطبيق وليس سيادة السلطة على حساب القانون، ويمكن أن نعرف مبدأ سيادة القانون بأنه «مجموعة من القواعد القانونية الآمرة والناهية، والنظم الأساسية التي تُنظم العلاقات في المجتمع ضمن الدولة، ومدى ترابط هذه العلاقة بين تمتع وحماية الأفراد بالحقوق الفردية والعامة». وعلى ذلك فإن مبدأ سيادة القانون هو ما تطمح إليه السلطة والشعب في التعامل القانوني القائم على حكم القانون ووجوب تطبيقه، إن كل سلطة في الدولة إذن تعمل وفقاً للقانون وهي التي تحدّد علاقتها به على أساس دستوري ثابت. ويأتي معنى الحكم المحلي الراشد في تحقيق الغاية المثالية التي تهدف إليها سلطة الدولة من خلال الكثير من الإصلاحات الدستورية وفق أسس اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو قانونية نلمسها من واقع عمل السلطة التي تعمل على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ويتبع توفر صلاحية الحكم من عدمه بارتباطات جوهرية تمثل الهيكلية الوظيفية لعمل السلطة داخل الدولة وفق معايير ثابتة أهمها تحقيق المصلحة العامة وتوفير الأجواء المناسبة لإبداء الرأي وخلق مساحة واسعة لحرية الإعلام. الفرع الثاني : فاعلية المؤسسات التشريعية والتنفيذية من خلال الواقع القانوني، يمكن تقسم سلطات الدولة إلى ثلاث سلطات رئيسة هي (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وتقوم العلاقة بين السلطات الثلاث على أساس التعاون ومبدأ الفصل بينهما وعدم التداخل والتقاطع في أعمال هذه السلطات مع بعضها البعض مما يترك مساحة واسعة من التطورات القانونية لتأخذ نصيبها من خلال العمل المستقل بدون تأثير سياسي أو اقتصادي، فالسلطة التشريعية تتمتع بدور فاعل وأساسي في عملية صنع القرار السياسي وعملية البناء القانوني للتشريع ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية وصولا إلى إجراءات المساءلة والاستجواب، أما السلطة التنفيذية فهي سلطة تنفذ ما تشرعه الأولى وتعمل على تطبيق القانون من تلقاء نفسها وتخضع للمحاسبة والرقابة، وفي نفس الوقت فهي تضم رئيس الحكومة ووزراءه الذين لهم الصلاحيات القانونية للعمل وفق القانون من أجل التطبيق السليم للقانون، إذن هذه العلاقة بين السلطتين تجعل كل منهما مكملتين للأخرى في سبيل الوصول إلى غاية واحدة هي إدراك الهدف النهائي من مقومات حكم محلي راشد صحيح وفق معايير قانونية في واقع الأمر. توافر مقومات الحكم المحلي الراشد لن يأتي إلا من خلال إتباع الإجراءات القانونية السليمة من خلال العمل بموجب الدستور شكلا ومضمونا دون الأخذ بنظر الاعتبار التشكيلة الحكومية التي تؤثر في عملية صنع القرار الداخلي، ولذلك فإن تفعيل دور السلطات التشريعية والتنفيذية وصولا إلى تعزيز مفهوم الحكم الراشد يكون من خلال: - تحصين النص التشريعي من الغايات السياسية بإخراجه من التوجهات السياسية أو المصلحة الخاصة كي يكون أقرب ما يكون إلى الغاية الأسمى وهي تطبيق القانون وفق اطر موضوعية عامة ومجردة. - بناء السلطة التنفيذية على أساس التطبيق السليم للقانون مع إعطائها السلطات الكاملة وفقا للدستور لتطبيقها في حق الاعتراض على القانون وحق اقتراح القانون. إن العلاقة بين السلطات يحكمها الدستور النافذ في الدولة سواء كانت دولة تطبق القانون أم لا، لذلك فإن المرجع الأساسي في تطبيق هذه العلاقة وبيان أساس الترابط والتقارب بينها وبين السلطات الأخرى هو الدستور، وهذا ما يعني أن العلاقة مابين السلطات هي أمر نسبي يختلف من دولة إلى أخرى ومن نظام إلى آخر في الدولة الواحدة حسب التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايدولوجية داخل الدولة ولكنها تبقي الدستور أساسا لأي علاقة تحكم السلطات وتنظمها من أجل تطبيق القانون بصورة أفضل حتى يمكن أن يكون للحكم المحلي الراشد النصيب الأكبر في تحقيق ثوابته ومحدداته استنادا إلى تلك العلاقة. المطلب الثاني: الآليات القانونية لتحقيق الحكم المحلي الراشد يشير مفهوم الحكم الراشد إلى ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على جميع المستويات، ويشمل الحكم الراشد، الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، كما يعنى بآثار التنمية طويلة الأمد على أجيال متعددة، وتتمثل أبعاد الحكم الراشد في سيادة القانون والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفعالية والكفاءة والمساءلة والرؤية الإستراتيجية، فما هي الآليات القانونية التي يتعين تفعيلها للوصول إلى بناء ما يعرف بالحكم الراشد و القضاء على الفساد. الفرع الأول: المشاركة في بناء القرار المشاركة مفهوم مرتبط بالمجتمع الديمقراطي، وهي تعني أن يكون للمجتمع المدني دور، في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم سواء بشكل مباشر أو من خلال مؤسسات شرعية تمثل مصالحهم، و يقوم هذا النوع من المشاركة الواسعة على حرية التنظيم وحرية التعبير، وأن تتم مباشرة أو بواسطة ممثلين شرعيين،، فالمجتمع القائم على المشاركة، شرط مسبق للتنمية المستدامة والفعالة، فهي تمكنه من الاستخدام الأمثل لطاقات وقدرات أفراده وجماعاته المنظمة، وتحرر قدرات المرأة وتفسح المجال أمام تنمية تراعي النوع الاجتماعي، وتمكّن المواطنين في بناء السلطة وفي التأثير على السياسات الاجتماعية، فهي عنصر أساسي لبناء دولة القانون، ويتجلى دور المشاركة في بناء القرار من خلال العناصر التالية. - المجتمع المدني : تضم منظمات المجتمع المدني جمعيات الصناعيين وجمعيات أرباب العمل، وجمعيات المهن الحرة وجمعيات التجار، والنقابات العمالية، والمؤسسات الإعلامية، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات حقوق الإنسان المعترف بها رسميا، والأحزاب السياسية وفي الدول التي يسمح نظامها بتعدد الأحزاب، يتم ذكر الإطار القانوني للحزب السياسي، حيث يتم برامجها وتمثيلها البرلماني بتفصيل أكثر. - الانتخابات: تلعب الانتخابات دورا محوريا في تعزيز المشاركة والمساءلة والشفافية، وهي صفات إدارة الحكم المحلي الراشد، والانتخابات التي تجري بانتظام قد تكون الوسيلة الرئيسة لإشراك قطاع كبير من المجتمع وتفاعله مع الحكومة. يتبع