تحرص، السلطات العمومية، على التكفل بالمساجين وعدم تركهم وشأنهم يغرقون في اليأس والملل ينتابهم روح الثأر والمغامرة والمقامرة بعيدا عن إزالة من النفس أخطار الجريمة والانحراف .وحذر منها الطيب بلعيز وزير العدل حافظ الأختام في خرجاته الميدانية لتفقد ظروف الحبس ومدى تطبيق التعليمات الخاصة بأنسنة السجون. وقال أكثر من مرة أن أخطر عمل يواجه مهمة إعادة الإدماج والتأهيل، الاعتداء على كرامة المحبوس وإهانته والإساءة إليه أمام الملأ وإعطاء مسؤول أو عون لنفسه الحق بالتفوه بأشياء تضر بالنزلاء. ويتضح مجال التكفل بالمساجين ورعايتهم في التدابير المتخذة من أجل أنسنة المؤسسات العقابية وجعلها فضاء للتكوين والتعليم تخرج نزلاء محصنين بشهادة علمية معرفية تساعدهم في إعادة الاندماج الاجتماعي كل الرهان، وهي مسألة تمثل احد المحاور الكبرى لإصلاح العدالة التي تهتم، بالإضافة إلى تعديل النصوص التشريعية وتكييفها مع المتغيرات والمستجدات، وعصرنة القطاع وتأهيل الموارد البشرية وتكوينها الدائم، بالعناية بالمؤسسات العقابية وأنسنتها. وتعني الأنسنة في المقام الأول، إلى جانب الرعاية الصحية بالمساجين وتكوينهم وتعليمهم، تحاشي سوء معاملتهم والمساس بكرامتهم والتمادي في ملاحقتهم بنظرات حارقة تجعل منهم مجرمين إلى يوم الدين رغم أنهم دفعوا جزاء الجريمة المرتكبة في حق المجتمع وحرموا من حريتهم جراء الخطأ والطيش والتهور. وتعني الأنسنة منع الاعتداء على المحبوسين تحت أي عذر وسبب يولد مزيدا من التطرف لديهم ويغذي روح الانتقام أكبر الأخطار المحدقة بسياسة إعادة الإدماج المنفذة بهدوء في الميدان وفق قاعدة تقاسم وظيفي ومسؤولية بين مختلف الأطراف والجهات المتفاعلة الناشطة ضمن اللجنة الوطنية المعنية بالأمر. ولم تكن مسألة العناية بالمساجين للتباهي والتعالي، ولم توجه لتهدئة الرأي العام والاستهلاك المحلي، وطمأنة المنظمات الحقوقية، لكن تجسيدا لسياسة وطنية وضعت الإصلاح العدلي في أول الاستعجال، وزود بآليات روهن عليها في رفع أدائه وخدماته وتقربه أكبر من المواطن التائه الذي أنهكت قواه طوابير الانتظار وطرق الأبواب جريا وراء قضية بسيطة أحيانا لا تتطلب أي تعقيد، ويمكن تسويتها في أطرها الدنيوية بالوساطة دون المرور الحتمي إلى الجلسات القضائية المطولة، للحد من أية هفوة وشرخ وتقاعس في تطبيق السياسة العقابية أنشئت المفتشية لدى وزارة العدل منذ ستة أشهر، وهي مستمرة في عملها الميداني من خلال الزيارات المباغتة للسجون وتقديم تقارير مفصلة عن وضعيتها اعتمادا على ما تراه العين وتقع عليه الأيدي دون الاكتفاء بالمعلومات الآتية إليها المروجة ل ''كل شيء على ما يرام''. وأفضت التحريات إلى توقيف من هو متورط في الاعتداء على المساجين والمساس بكرامتهم، ويوجد، حتى الآن، 14 عونا رهن الحبس للإخلال بالمهمة والأنسنة آخرهم عون سجن البليدة الذي اعتدى على أحد النزلاء في سابقة ليست الأولى من نوعها، وتحذر منها التدابير المتخذة من اجل إحاطة المؤسسات العقابية بسياج من الحماية والرعاية تبعد عنهم الصور الملصقة بهم قبل الإصلاحات، وهي إصلاحات لا تتوقف عند زمان ومكان، لكنها مستمرة من اجل رفع أداء الخدمة النوعية للهيئات القضائية في ابعد مداها وأوسع افقها وتقريبها، قدر الممكن، من المواطن الذي يتطلع بشغف إلى عدالة تعلى ولا يعلى عليها.