قاد حزب جبهة التحرير في فترات عصيبة جدا تحلّ غدا الذكرى الخامسة لرحيل المجاهد عبد الحميد مهري، المحنك سياسيا رجل لا يخضع إلا لقناعاته السياسية، تقلد مسؤوليات بين السياسة والثقافة والتربية، وتجربة دبلوماسية كبيرة، كما قاد حزب جبهة التحرير الوطني لمدة ثماني سنوات في ظلّ أحلك الأزمات التي مرت بها الجزائر. ولد عبد الحميد مهري في 3 أفريل 1926 بالحروش ولاية سكيكدة من أسرة فقيرة جدا، انضم مبكرا إلى حزب الشعب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واهتم إلى جانب النضال السياسي بمزاولة تعليمه حيث سافر إلى تونس عام 1948 للدراسة في جامع الزيتونة، وهناك أشرف على تنظيم نشاطات حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كما نظم الجالية الجزائرية هناك بتونس التي وثق بها علاقاته مع حزب الدستور الجديد. في عام 1951 دخل الجزائر، وأصبح عضوا في اللجنة الإسلامية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية وأدار الصحافة المعربة لهذا الحزب، وبعد مؤتمر أفريل 1953 أصبح عضوا في اللجنة المركزية قبل أن يتصل ببوضياف الذي قدم له مبعوثين مغربيين، لربط اتصالات بالجزائروتونس والمغرب من أجل تنسيق إطلاق الثورة التحريرية على مستوى مغاربي. اعتقل في سنة 1954 قبل أن يفرج عنه في 1955 ليلتحق بالقاهرة، التي انتقل مبعوثا منها إلى دمشق في جويلية 1955، بصفته الممثل الدائم لجبهة التحرير الوطني هناك، انتخب عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية في 1956 ثم عضوا بلجنة التنسيق والتنفيذ عام 1957، وبعدها وزيرا في الحكومة المؤقتة في 19 سبتمبر 1958 كوزير لشؤون المغرب العربي، وقد مثل الجزائر في ندوة طنجة التاريخية التي جمعت أهم الأحزاب الوطنية المغاربية. وعند تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بين 1960 و1961، تقلد حقيبة وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية، وفي 1962 تخلى عن السياسة ليتفرغ لميدان التعليم كمدير المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة في الفترة ما بين 1964 و1970. وبعد التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 عاد إلى مواقع المسؤولية السياسية كأمين عام لوزارة التعليم الثانوي بين 1970 و 1977، حيث عاد إلى منصبه كمدير للمدرسة العليا للأساتذة في سبتمبر 1978 إلى غاية 1979، وهو العام الذي أصبح فيه عضوا باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني. بعد وفاة الرئيس بومدين تقلد منصب وزير الإعلام والثقافة، في أول حكومة شكلها الرئيس الشاذلي بن جديد في 8 مارس 1979، وفي 15 جويلية أصبح عضوا في لجنة الإعلام والثقافة بالمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني قبل أن يعين في 1984 سفيرا للجزائر بباريس، ثم سفيرا للجزائر بالرباط إثر عودة العلاقات الديبلوماسية بين الجزائر والمغرب في 1988. وفي 29 أكتوبر 1988 دعاه الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي تربطه به علاقات عائلية لإعادة تنظيم حزب جبهة التحرير الوطني وفق المعطيات الجديدة، التي أفرزتها أحداث 5 أكتوبر وإزاحة مسؤول الأمانة الدائمة للجنة المركزية محمد الشريف مساعدية، ترقى بعد ذلك إلى منصب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني مكان الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي تغير وضعه بعد التعددية الحزبية فأصبح رئيسا للحزب. لعب دور فعالا في مبادرات المصالحة الوطنية قاد حزب جبهة التحرير الوطني في فترة عصيبة جدا ما بين 1988 و1996 فلأول مرة يدخل مهري حزب جبهة التحرير الوطني في خندق المعارضة، منذ توقيف المسار الانتخابي في 1992 وأثناء الأزمة الأمنية والسياسية في تسعينيات القرن الماضي، كما لعب مهري دورا فعالا في تنشيط مبادرات المصالحة الوطنية. شارك مهري على المستوى الإقليمي حيث انتخب رئيسا للمؤتمر القومي العربي عام 2000، ظل عبد الحميد مهري مناضلا ومفكرا وقائدا، يحظى بالاحترام والتقدير لدى رفقائه وخصومه على حدّ سواء وبعد اندلاع انتفاضات الربيع العربي كتب مهري في فبراير 2011 رسالة إلى الرئيس بوتفليقة حول الوضع السياسي للبلاد وضرورة الاحتفال بخمسينية الاستقلال في ظل إصلاحات سياسية عميقة تفضي إلى تأسيس جمهورية ثانية. توفي عبد الحميد مهري في 30 جانفي 2012 عن عمر يناهز 85 عاما، بعد معاناة مع المرض لمدة أسابيع بمستشفى عين النعجة،