الحلقة الثالثة: فقد حرصنا على الإطمئنان على صحة لاعبينا، وقيل لنا أنهم بخير والإصابات التي تعرضوا لها لن تمنعهم من آداء مباراة جيدة يوم غد السبت.. وكل من لموشية، وحليش إصابتهما خفيفة.. لكن الشيء الذي أصاب فريقنا الوطني أكثر لم يكن من الناحية الجسدية، وإنما بسيكولوجيا، حيث أن اللاعبين تلقوا ضربة معنوية كبيرة أثرت على تركيزهم وقدموا إلى القاهرة بكل تركيز، ليطير كل شيء بعد ربع ساعة من إلتحاقهم بها..!! وفي وسط الإشاعات وما كان متداولا فيما يخص المباراة، فإن راوراوة كان يريد تأجيل هذه المباراة التي لم تعد فيها الظروف تسمح بإجرائها بعد ما تعرض له الفريق الضيف، والممارسات التي تعرض لها اللاعبون والتي تخالف كل لوائح الفيفا.. فالكل كان ينتظر التدخل العاجل للفيفا (أقصد الكل هنا: كل الجزائريين الذين تنقلوا إلى القاهرة من صحفيين وأنصار)، لأن هذه الحادثة لن تجعل الفريق في ظروف جيدة. وفي منتصف النهار، عقد وزير الشباب والرياضة، هاشمي جيار، رفقة رئيس المجلس القومي للرياضة المصري، حسن صقر، ندوة مصغرة في مقرة إقامة الفريق الجزائري، وأكد خلالها جيار أن ملفا مفصلا عن الإعتداء الذي تعرض له لاعبونا قرب الفندق بالقاهرة قد تم إرساله إلى الفيفا هذا الصباح، والكل ممضي من طرف طبيب الفريق.. من جهته، حسن صقر أشار أن ما يهمه الآن هو تأمين الفريق الجزائري أثناء تواجده بالقاهرة... وبعدها مباشرة تلقينا خبر تحذيرات الفيفا للإتحاد المصري لكرة القدم، تدعوه فيها لتوفير كل الظروف الأمنية للفريق الجزائري ومرافقيه إلى القاهرة.. والإلتزام بذلك كتابيا.. وفي حالة حدوث أي شيء، حتى وإن كان صغيرا، فإن الهيئة الدولية ستتخذ الإجراءات اللازمة في ذلك. تحذير الفيفا هذا التحذير نزل كالصاعقة على المصريين الذين لم يكونوا ينتظرون أن يأتي رد الفيفا بهذه السرعة، متحدثين دائما عن راوراوة ويده الطويلة في الهيئات الدولية، لا سيما الفيفا.. حيث أن الشارع المصري أخذ موضوعا آخر للتحدث، أي تحذيرات الفيفا.. وما شدّ انتباهي أنه قبل هذا التحذير كان كلام المصريين معنا بقوّة مؤكدين: ''سنهزمكم.. ستنتهي مغامرتكم هنا بالقاهرة.. نحن فراعنة.. إلخ''.. لكن انقلب هذا الكلام قبل يوم من المباراة وتحذيرات الفيفا.. حيث أننا عندما كنا نتجول في بعض الشوارع أصبح المصريون يقولون: ''المهم الأحسن سيكسب.. مرحبا بكم في القاهرة.. الفرصة للفريقين!!!''. إندهشنا في الأول من هذا التغيير.. لكن سرعان ما عدنا إلى تحليل ذلك وربطه بالتحذير الشديد للفيفا، لأنهم كانوا يخافون من حدوث أي شيء قد يفسد لقاء يوم الغد وتطبق الفيفا تحذيراتها... المهم أن المباراة ستلعب، الكل كان ينتظر يوم السبت الذي كان صباحه عاديا في شوارع القاهرة.. وخصصت الصحف المصرية صفحات عديدة منها من اختار طبع ملحق بأكمله لحيثيات هذه القمة الفاصلة.. كل المواضيع مخصصة للفريق المصري وتحاليل المختصين.. وتجد موضوعا صغيرا فقط عن المنتخب الجزائري، وأحيانا تعود ''حكاية الأوتوبيس'' إلى السطح وبنفس الكلمات!!؟ ومن جهتنا قمنا بكل التحضيرات التي تسمح لنا بحضور المباراة.. وللأسف الشديد فإنه كان من منطق الأشياء أن يوفر اتحاد الكرة أو المنظمين نقلا خاصا للصحفيين الجزائريين الذين كلفوا بتغطية المباراة.. فكل الإستفسارات التي قمنا بها في هذا الشأن باءت بالفشل، وتأكدنا أنه لا بد من إيجاد الحلول الفردية.. فتوجهنا إلى وسط مدينة القاهرة، ومنها أقلنا ''تاكسي'' الذي كان في المستوى وتوجه بنا إلى ''استاد القاهرة الدولي'' في ظروف جيدة، رغم الزحمة الكبيرة التي كانت في الطريق المؤدي إلى الملعب. وقد وصلنا الملعب في حدود الساعة الواحدة زوالا، رغم أن المباراة مقررة على الساعة السابعة والنصف بتوقيت القاهرة، وهذا للإطمئنان على ظروف العمل داخل الملعب.. لكن كم كانت مفاجأتنا كبيرة ومتاعبنا أكبر في هذا الموقع.. فقد توجهنا وسط الجماهير الغفيرة المصرية إلى المدخل الرئيسي للملعب حيث قدمنا بطاقة اعتمادنا، لكن كان رد المنظمين: ''مش من هنا''.. وردينا: ''لكن من أين؟''.. وكان الرد مرة أخرى: ''معرفش''.. وتحولنا إلى باب آخر وكان نفس الرد... وبدأنا ننزعج من الظروف التي أصبحنا نسير فيها وسط أنصار الفريق المصري الذين كانوا يتوافدون بالآلاف على أبواب الملعب.. وفي معظم الأحيان يتعرفون علينا بأننا جزائريين، ويقولون أحيانا عبارات خارجة عن نطاق الآخلاق وأحيانا أخرى يؤكدون أن النتيجة ستكون ''ثلاث ڤوال''، أي الأهداف.. وككل جماهير الملاعب في العالم هناك الجيد والسيء.. لكن نحن كصحفيين ومصورين ليست هذه الظروف التي اعتدناها للعمل، وكنا فعلا في موقع قد يسبب لنا مشاكل كبيرة، خاصة وأن بعض قوات الأمن المصري، عند سؤالنا في كل مرة عن الباب التي سندخل منه ينصحوننا بعدم التحدث لأي أحد؟!! دوران... ولحسن حظنا بعد ساعة من الدوران حول الملعب، سمعنا أصوات تنادينا، فالتفتنا حتى رأينا حافلة تقل بعض الصحفيين الجزائريين وضعتها وكالة سفر لنقلهم فصعدنا فيها مباشرة، رغم ضيق المكان.. وقلنا الحمد لله .. لكن لم تنته المتاعب، حيث واصلنا الدوران هذه المرة بالحافلة.. والسائق في كل باب يسأل عن دخول الصحفيين الجزائريين، ويتم إرسالنا من باب لآخر لمدة ساعة أو أكثر وسط استياء العديد منا من هذه الواقعة. وكانت الأمور مضحكة تماما ممزوجة بالتعب عندما انتقلنا إلى باب كنا مررنا عليه (3) مرات تقريبا ليقولوا لنا الدخول من هنا!! دخلنا الباب الذي كان محاذيا لدخول أنصار المنتخب الجزائري الذين اصطفوا وسط حراسة أمنية شديدة.. أما نحن فقد دخلنا من هذا الباب إلى الملعب.. لكن الوصول إلى المركز الصحفي كان بعيدا جدا ومشينا كثيرا وسط حرارة مرتفعة وتعب كبير.. ليقول لي أحد الزملاء: ''إنطلقنا في الصباح لنصل بعد الظهر وتقريبا في المساء إلى مقر عملنا بالملعب.. وكأننا ذهبنا إلى الصين!!''. ولحسن الحظ، فقد دخلنا المركز الصحفي الذي بدت فيه الظروف جيدة.. فكان علينا أول بأول أن نشرب ماءا لاستعادة الأنفاس والتحضير للمباراة التي تحبس الأنفاس. ̄ مبعوثنا الخاص إلى القاهرة: ح (يتبع)