مضى عام على الهجمة العسكرية المتوحشة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة والتي حصدت ألف وأربعمائة شهيد جُلهم من المدنيين الأطفال والنساء الذين أتت عليهم قنابل الفوسفور الأبيض وأنواع أخرى من الأسلحة المحرّمة دوليا.الحرب التي استهدفت المدنيين عمدا، لم تخلف خسائر بشرية فقط وإنما خسائر مادية لا تقدر بثمن، فالطيران الحربي الصهيوني دك بيوت غزة وبناها التحتية دكًّا وحوّل كل شيء في ظرف ثلاثة أسابيع الى أطلال بكت عيونها الشهداء، وأدمت قلوبها عدالة دولية وضمير عالمي مُخدّرين أسيرين في قبضة من يحمون ظهر إسرائيل ويبررون جرائمها بحق الدفاع عن النفس ويسدون أبواب الشرعية الدولية بحق »الفيتو« وغيرها من القرارات التي تفرض ازدواجية المعايير وترسخ مبدأ حكم الأقوياء على الضعفاء، فالعالم كله لزم الصمت حتى لا يشوش على إسرائيل وهي تحصد أرواح أبناء غزة، بل إن المتواطئين في هذه الجريمة ضد الانسانية أيّدوها ومنحوها الحق كله بزعم أنها تدافع عن نفسها وتَرُدّ صواريخ القسام التي وصفها أحدهم بالعبثية، مع أن هذه الصواريخ لم تقتل إسرائيليا واحدا ولم تكن رسالتها القتل في حد ذاته وإنما التأكيد على استمرارية خيار المقاومة والتذكير بحقوق الفلسطينيين المغتصبة. بعد ثلاثة أسابيع من المجازر الرهيبة سكت صوت السلاح، لكن الحرب ظلّت مستمرة في شكل حصار خانق منع عن الناجين الغذاء والدواء والكهرباء ودخول وسائل ومواد إعادة بناء البيوت المدمّرة، كما سد المنافذ أمام قوافل المساعدات الدولية التي تجد أبواب المعابر في كل مرة موصدة في وجهها، ولم يشفع للغزاويين التعساء أخوة في الدين والعروبة والانتماء لتفتح لهم مصر نقطة الوصل الوحيدة مع العالم، حيث ظل معبر رفح ولا يزال رمزا للمعاناة ولجحود ذوي القربى الذين بلغ بهم الأمر درجة بناء جدار فولاذي تحت الأرض بغرض سدّ الأنفاق التي تعتبر منافذ النجدة الوحيدة والضرورية التي صنعها الفلسطينيون قصد كسر الحصار الجائر المفروض عليهم إسرائيليا والمطبّق غربيا وعربيّا. ونتساءل هنا عن الفرق بين جدار الإسمنت المسلح الذي بناه شارون ليعزل الضفة وعن الجدار الفولاذي الذي تبنيه قاهرة المعز وكبير العرب هذه الأيام، ألا يرمى كليهما الى سجن الفلسطينيين وتعذيبهم وتحويلهم الى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة؟ سكتت المُقنبلات بعد ثلاثة أسابيع من التقتيل والتذبيح، وفي حين حاول الجناة طمس جرائمهم وتحميل الأرواح التي سقطت لحماس ومقاتليها على اعتبار أنهم كانوا يقذفون إسرائيل بالصواريخ وأيام الحرب، اتخذوا من النساء والأطفال دروعا بشرية، وقفت أصوات العديد من المدافعين عن حقوق الانسان تنادي بمحاكمة إسرائيل عن جرائمها ضد الانسانية التي تؤكدها الصور والشهود وأرقام الشهداء ونوعهم، واستطاعت هذه الأصوات أن تذهب بعيدا وتبلور تحركها عن تقرير »غولدستون« الذي عرّى قتلة الأطفال والنساء وكشف عوراتهم للعالم أجمع وشرّع بابا واسعا لمحاكمة هؤلاء المجرمين الذين يعتبرون أنفسهم فوق العدالة، بل والبشر جميعا. لكن المصيبة الكبيرة، أن الضحية مدت قشة النجاة للجلاد حتى ينجو من العقاب ووقفنا على الموقف الشاد للسلطة الفلسطينية التي ورغم محاولة انقاذ ماء وجهها ومكانتها المهتزة بإعادة طرح التقرير على المستوى الدولي، فإننا نشك بأن »غولدستون« سيمضي إلى تحقيق هدفه من منطلق أن إسرائيل لن تعاقب لأن القادرين على فعل ذلك يؤيّدونها ويحمونها ويخشونها أيضا، وتستوقفنا هنا مذكرة التوقيف التي أصدرها القضاء البريطاني قبل أيام ضد وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة ليفني بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، حيث حوّل الصهاينة التهمة الى بريطانيا وأدانوا قضاءها، وتفاديا لنقمة إسرائيل وغضبها، تسعى لندن حاليا إلى تغيير قوانينها التي تسمح بإصدار مذكرات توقيف من حق القتلة الصهاينة ... عام يمر على حرب غزة، سكت السلاح مؤقتا وبقيت الجراح الدامية تذكر بأن العالم كله وفي مقدمته العرب، مسؤولون عن معاناة الفلسطينيين، حيث أداروا لهم ظهرهم وتركوهم لقمة سائغة للصهاينة، يمارسون عليهم إجرامهم و''ساديتهم'' وجنون عظمتهم ولا أحد يتذكر مأساة الفلسطيني إلا لما يفيض به الكأس ويتحول إلى قنبلة أو حزام ناسف ينفجر في العدو، فحينذاك فقط يدان ويلام وينعث بالارهابي الواجب التخلص منه. فمتى يستيقظ الضمير العالمي وينصف الفلسطيني وتعاد له حقوقه المغتصبة؟ ثم متى يلتفت العرب للقضية الفلسطينية ويستعيدوا احتضانها ومؤازرتها ونصرتها؟