«بابور غرق».. من لا يعرف هذه المسرحية أو لم يسمع بها من قبل.. المسرحية التي حققت نجاحا منقطع النظير ثمانينيات القرن الماضي، وطبعت أذهان جيل كامل من الجزائريين، ستعود مجددا بنفس النص، ونفس الديكور، ونفس الممثلين، ونفس الرغبة في النقد والإمتاع، وذلك ابتداءً من سهرة الإثنين المقبل.. هذا ما أكده مخرج وكاتب نص المسرحية، الفنان القدير سليمان بن عيسى، خلال لقائه بالصحافة أمس الأربعاء. افتتح اللقاء المدير العام للمسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي، قائلا إن «بابور غرق»، التي ستعرض من 12 إلى 22 جوان بالمسرح الوطني، نالت نجاحا كبيرا ومازالت راسخة في أذهان الجزائري. أما كاتب نص المسرحية ومخرجها وصاحب أحد الأدوار فيها، المسرحي سليمان بن عيسى، فعاد بنا إلى أول عرض للمسرحية على ركح المسرح الوطني سنة 1982، تلاها جولات دامت 5 إلى 6 سنوات شهدت 600 عرض. وأضاف بأن لعودة المسرحية إلى الركح أسبابا، أحدها الامتثال لطلبات الجمهور، كما أن شهر جوان الجاري يشهد مرور 50 سنة على دخول بن عيسى عالم المسرح، وهو الذي كتب أول مسرحية له في سن الرابعة عشرة. النسخة الأصلية وأكد بن عيسى أن المسرحية لن تشهد أي تغيير: «عاهدنا الجمهور أن تعاد كما مثلت أول مرة ولا تغيير في الإخراج والكتابة ولا زيادة ولا نقصان.. كنا نود أن يكون سيد أحمد أقومي معنا وقد منعه المرض من أداء دوره، ولكن مصطفى عياد ممثل مقتدر وسيؤدي الدور». سألنا بن عيسى عن تأثير الممثلين على العرض وإن كانت تجربتهم المتراكمة بعد هذه السنين ستقدم إضافة لمستواها الفني، فأجاب بأن دور سيد أحمد أقومي تغير مرتين سابقا، لذا فتغيير الممثل ليس تغييرا للمسرحية. كما أن خبرة الفنانين يتضمن أداءً أحسن. وأضاف بأن الجمهور هو الذي يتغير، فالمقاطع التي قد يصفق لها أو تضحكه في مسرحية ما قد تكون مختلفة عن المقاطع التي حرّكت الجمهور في السابق. ووصف هذه العودة بالمغامرة الجميلة: «لا ندري أين سترسو بنا السفينة مع هذا الجمهور». وعن سؤالنا عن مدى تكيف المسرحية مع المؤثرات الحديثة التي اعتاد الجمهور عليها، اعترف بن عيسى بوجود مسرحيات مبنية على التقنية ولا تصحّ بدونها، ولكن التقنيات الجديدة تستعمل عادة لتغطية النقائص، لأن ما يصنع قوة المسرحية هي الدعابة وصلابة النص والباقي كله «هف». بالمقابل، أبدى بن عيسى استعداده لإجراء تغيير جذري على مسرحيته «المحقور»، كأن يصير البطل فتاة بدل الفتى. وقال بن عيسى إن الناس كانوا في السابق متعطشين لحرية التعبير، واليوم هم متعطشون لكلمة صلبة قوية، والتكنولوجيا قتلت هذا الجانب، منتقدا الكاميرات المخفية الحالية، التي وصفها بالفضيحة لما تنشره من صور عنف. - وضع الفنان مازال صعبا.. ولا قيمة للفن بلا حرية - لابد من التواصل بين الأجيال سألنا المسرحي سليمان بن عيسى عن تقييمه للوضع العام للفنان عشية الاحتفال بعيده، وهو الذي قضى نصف قرن في مجال الإبداع، فأجابنا دون تردد: «حالة الفنان ما زالت صعبة، وهي الحال حتى بعد 50 سنة من العطاء، ومهما كانت سمعتك وأعمالك.. الفنان مرتبط بحريته، وهو يدفع ثمن هذه الحرية غاليا.. لا يمكن أن نمارس الفن إن لم نكن أحرارا في أنفسها وفي أفكارنا وفي نظرتنا إلى المجتمع، لأن الفنان هو الذي يعكس صورة المجتمع، وإذا لم تكن هذه النظرة والصورة حرة فستكون إذ ذاك مزيفة». وعاد بن عيسى إلى مجاله، الفن الرابع، مشيدا بالتطور الذي شهدته العديد من المسارح في الوطن، خاصة على مستوى الإمكانيات المتوفرة، كما تحدث عن وجود شباب متشوق للفن والتمثيل، ولكن ينقصه التكوين والارتباط بين الأجيال: «العشرية السوداء خلقت قطيعة بين الأجيال.. لا بد أن يكون هناك تواصل بين هذا كل جيل وسابقه.. لقد حللنا إشكاليات فنية مثل اللغة والجمالية والمسرح، ثم انقطع حبل الأشياء وعدنا إلى الخانة الأولى التي انطلقنا منها، والسبب هو اللا تواصل بين الأجيال.. مهم جدا أن تتواصل ذاكرة الشعب، ذاكرة لا بد أن نحصنها ونعمل على تصفيتها.. فالذاكرة الشعبية تذكرنا بأشياء وتنسينا في أخرى، وهو ما يسمح لنا بالمضي قدما». «أحمل بلدي في كتاباتي» وعن أعماله الجديدة، قال بن عيسى إنه اقترح 10 مسرحيات منذ 2003، ولكنها تبقى تنتظر الإنتاج، وأعطى مثالا ب»الموجة ولات» التي عرضت 16 مرة في سييرا مايسترا ولكنها توقفت دون أن يعلم السبب: «في السابق كانت الرقابة علنية ولكن كنا نتناقش مع الرقيب ونصل إلى حل مشترك، أما اليوم فرأس المال هو الذي «يمارس الرقابة ويوقف الأعمال، ومن لا يجد مالا يتوقف عمله.. من ذا الذي يعطي مالا لمشروع لا يتفق معه أو لا يدري إلى أين وجهته؟». وكشف بن عيسى عن مسرحية «ثلاثة أيام قبل الموعد» يحضرها في بلجيكا تتحدث عن شابين سيقومان بعملية انتحارية. وستشارك المسرحية في مهرجان العالم العربي بمونتريال في الثاني من نوفمبر المقبل، على أن تعرض بعدها في الجزائر أو باريس. «لقد أديت فوق الركح 1500 مرة وفي فرنسا 1600 والآن أديت أكثر من 4000 عرض.. أنا أحمل بلدي في كتاباتي، والرابط بين الكتابة والوطن أدى إلى علاقتي الدائمة معه»، يقول بن عيسى. بطاقة فنية تعتبر «بابور غرق» من أشهر الأعمال المسرحية الجزائرية. وتروي قصة ثلاثة ناجين من غرق سفينة: المثقف (مصطفى عياد) وعديم الضمير (عمر قندوز) والعامل البسيط (سليمان بن عيسى). يجد الثلاثة أنفسهم وسط حطام سفينة وسط البحر ويدخلون في نقاش حاد، ويحاول كل منهم البحث عن طريقة للنجاة. وقدم سليمان بن عيسى العديد من الأعمال المسرحية، من أشهرها «بوعلام زيد لقدام» (1974)، «المحقور» (1978)، «انت خويا وأنا واش نكون» (1992)، و»مجلس التأديب» (1994) التي أعيد تقديمها سنة 2011.