عانيت اللاعدالة والظلم من طرف أبناء بلدي ولقيت في فرنسا عدم الفهم الحقيقي حرب التحرير بنت وحدة الشعب، لكن الاستقلال أسّس للانفصال والصراع تأسف الكاتب والممثل المسرحي سليمان بن عيسى، لدى نزوله أمس ضيفا على ندوة ''الخبر''، لتعرض الهوية الجزائرية للاهتزاز، مشيرا إلى أن الخطاب الرسمي دخل مرحلة الإفلاس منذ سنوات وأنتج فردا لا يحسن الكلام. كما انتقد بن عيسى سياسة ''البريكولاج'' السائدة في الساحة الثقافية، وتهرب مدير المسرح الوطني امحمد بن فطاف منه، وعدم السماح بعرض أعماله المسرحية. وكشف أنه ينتظر الضوء الأخضر من التلفزيون لتصوير فيلم كتبه عن مصالي الحاج، يؤكد من خلاله أن زوجة الأخير كان لها الفضل فيما وصل إليه الرجل. قال إن سؤال الهوية يظل مطروحا دعوة للمثقفين إلى تجاوز مرحلة الصدام قال سليمان بن عيسى إن عرضه المسرحي ''بابور غرق''، الذي ألفه سنة 1987، يحتوي على بعض الإشارات التي احتواها عرضه الجديد ''الموجة ولات''. موضحا أنه ألف مسرحيته الجديدة بعد أن لاحظ عدم وجود ''تفاهم حول الهوية'' بعد مرور سنوات على الاستقلال. واعتبر أن مسرحية ''بابور غرق''، تناولت مظاهر الأزمة، مثلما يحيل عنوانها، بينما جاءت ''الموجة ولات''، لكي تلبي رغبة مختلفة تتمحور حول فكرة التقويم. يعتقد ضيف ندوة ''الخبر''، أن الجزائر التي وظفت سياسات كثيرة من الاشتراكية إلى الانفتاح الاقتصادي، تجد نفسها اليوم أمام سؤال الهوية. وقال: ''سعيت في المسرحية الجديدة للقيام بعملية تقويم من ثلاثة جوانب، هي الهوية، التاريخ والذاكرة، وأقول: كيف تعرضت الهوية للاهتزاز، وكيف وصلنا إلى وضعية كارثية؟''. واعتبر بن عيسى أن ''حرب التحرير بنت وحدة الشعب، لكن الاستقلال أسس للانفصال والصراع''. وعن سؤال حول أسباب عودته إلى تاريخ ما قبل الإسلام في الجزائر، قال بن عيسى إن الإسلام في الجزائر يعد بمثابة قيمة ثابتة لا يمكن نكرانها أبدا، بدليل أنه دافع عن الإسلام في فرنسا في عدد من أعماله المسرحية أو الروائية. وأوضح المتحدث أنه ضد الوقوف عند تصور متحجر للإسلام، بحكم تفتحه على العالم وعلى ثقافات متعددة. وفي نفس السياق اعتبر أن الوطنية إن لم تنفتح على كل المخزون الثقافي المحلي، فإنها لن تنتج سوى لحظة السقوط. وقال: ''أمور الحياة ليست ستاتيكية، وكلها تخضع للتغيير''. وحسب بن عيسى، فإن الخطاب الرسمي دخل مرحلة الإفلاس منذ سنوات عديدة، لأنه أنتج فردا لا يحسن الحديث، موضحا: ''ورغم ذلك أسعى في مسرحية ''الموجة ولات'' إلى بلوغ مرحلة إدخال عنصر الهدوء لدى المتفرجين، دون اتخاذ أي موقف، فالفن في نهاية الأمر هو أساس كل عمل مسرحي''. ودعا بن عيسى المثقفين الجزائريين إلى بلوغ مرحلة التفاهم، وتجاوز الخلافات الأيديولوجية التي سادت في ما مضى، وكانت سببا في حدوث الانقسام والتشتيت والصدام، وقال: ''المثقفون الجزائريون لعبوا دورا سيئا، حيث أصبحنا متطرفين، ونتبادل التهم، واليوم جاء وقت تجاوز هذه الظاهرة''. مسرحية ''الموجة ولات'' تعيد ''بوعلام زيد القدام'' للركح أعاد الكاتب والممثل المسرحي سليمان بن عيسى، شخصية بوعلام التي أبدعها في مسرحية ''بوعلام زيد القدام''، إلى الركح، فجاءت مسرحيته الجديدة ''الموجة ولات''، لتقدم مسرحا جديدا يقع بين ''الوان مان شو''، والمونولوج المسرحي. ظل سليمان بن عيسى وفيا لروح مسرحية ''بابور غرق'' التي ألفها سنة 1987، فمزج في عمله الجديد بين الشعرية والتاريخ، لتقديم صورة عن ضياع إنسان يعيش في مجتمع تنكر لأصوله ولتاريخه، واعتمد على فعل انتقائي لم يأخذ بالحسبان إلا ما يخدم تصورا أيديولوجيا، أنتج هذه الوضعية التي يستنكرها سليمان بن عيسى. وجاء عرض أول أمس بقاعة سينما ''سيرا مايسترا''، بالجزائر العاصمة، حافلا بالعودة إلى تاريخ الجزائر منذ عصور ما قبل الإسلام، بحثا عن انتماءات ثقافية جديدة، تنكّر لها الخطاب الرسمي وقام بطمسها. وتستند ''الموجة ولات''، التي ألفها ومثل فيها سليمان بن عيسى، على شخصية بوعلام، الذي يقول همومه وسط ديكور أنجزه الفنان أرزقي العربي. وعلى مدى ساعة من الزمن ينتقل بن عيسى عبر الأزمنة التاريخية، بلغة مسرحية حكائية مصقولة بذكاء كبير، حيث تحولت العربية الدارجة إلى لغة قادرة على قول هموم كبيرة، متعلقة بالتاريخ والذاكرة والبحث عن الذات. ومن سرد الأحداث التاريخية تنتقل المسرحية إلى لحظة شعرية تتفاعل مع التاريخ، بالأخص لما يصل إلى مرحلة حرب التحرير. لقد قال سليمان بن عيسى ما نريد سماعه، بلغة مسرحية شيقة، وأداء فني جميل. وسوف يستمر العرض بقاعة ''سيرا مايسترا'' بالجزائر العاصمة إلى غاية يوم 17 جوان الجاري، يوميا على الساعة السابعة مساء. المثقفون الجزائريون تعرضوا إلى مؤامرة في فرنسا قدّم المسرحي سليمان بن عيسى رؤية شاملة عن انشغالاته، ليس فقط كمسرحي وسينمائي، لكن كمثقف يحمل هموم وطن، خاصة في فترة قال إن الصراع فيها انتقل للطبقة المثقفة التي فشلت في خلق خطاب خاص بها، في مرحلة عصيبة، أرغمته على الانتقال إلى فرنسا. معترفا بأن الغربة لم تكن سهلة عليه، في مجتمع يختلف عن المجتمع الجزائري. وقال بن عيسى بكثير من الألم والحسرة ''أثرت الغربة علي كثيرا، أحسست أنني في سجن.. عانيت اللاعدالة والظلم من طرف أبناء بلدي، ولقيت هناك عدم الفهم الحقيقي، فالوضعية في فرنسا لم تكن مريحة بالنسبة لمثقف قادم من بلد يعاني الإرهاب''. مردفا ''وجدت نفسي بين المطرقة والسندان، كنت ضحية النظرة المتطرفة التي أخذت عن الإسلام أو الإرهاب السياسي''. وتطرق بن عيسى لما أسماه ''المؤامرة'' التي حيكت ضد المثقفين الجزائريين في العاصمة الفرنسية باريس، حيث حاولت جهات لم يحددها، تفريق صفوفهم وإخراجهم من هناك، قائلا ''لقد عينوني مدير مسرح في إحدى ضواحي باريس لكنني رفضت''. وذكر المتحدث أنه عانى التضييق في الداخل والخارج، ولأن خطابه النقدي لم يعجب حتى بعض الأوساط الفرنسية، توجه لكتابة الرواية، معترفا في نفس السياق بأن علاقته بالرواية تختلف تماما عن علاقته بالمسرح، ''لأن التواصل بالمسرح مباشر وحميمي، عكس قارئ الرواية الذي يراك من خلال نصك ولغتك فقط وليس من خلال تفاعلك''. وأقر ضيف ندوة ''الخبر'' بأن التحول من المسرح إلى الرواية، لم يبعده عن همه وهواجسه الدائمة وموضوعاته، رغم أن ذلك تم في الغربة أي بعد انتقاله إلى فرنسا، وقال إنه عبّر عنها بطريقة مختلفة وفي محيط ''رغم اختلافه عنا، إلا أن له علاقة تلاحمية وحميمية غريبة معنا''. قال في يومه الوطني: لم أنس يوما من أي ذاكرة جماعية أتيت ''مهما بذل الفنان من جهود، وقدم من عطاءات، فإنه لا يصل قط إلى ذروة طموحاته الإبداعية، إلى غاية آخر يوم من حياته، بل ومازلنا نشك اليوم في أشياء قدمناها، بقدر ما لدينا الكثير من الأشياء التي نسعى إلى تقديمها. بكل صراحة مثّلت في العديد من قاعات العالم، ولكن الفرحة التي كانت تغمرني لدى وقوف الجمهور مصفقا لأعمالي كانت دوما ناقصة، ولم تكن تكتمل إلا بعد وقوف جمهوري ببلدي مصفقا لي عند انتهاء العرض. قدمت أشياء كثيرة ببلدي كانت قاعدة انطلاقي التي مكنتني من العمل خارج الحدود، وهناك لطالما عملت للشعب والجمهور الجزائري ومن أجله، ولم أنس يوما من أي ذاكرة جماعية أتيت، وفي أي واحدة أصنّف''. معجب بشخصية أحمد باي التي سيجسدها قال سليمان بن عيسى، إن إحدى الشخصيات التي يحرص على تجسيدها في مسلسل تلفزيوني هي ''أحمد باي''، إذ يعكف محمد العربي الزبيري على كتابة السيناريو. ويعتبر المسلسل من المشاريع المهمة بالنسبة للكاتب، كون أحمد باي اختار مقاومة الاستعمار الفرنسي فقط، عكس الأمير عبدالقادر، الذي أمسك العصا من الوسط: المقاومة والتفاوض. وتأسف بن عيسى كون تاريخ ونضال هذا الرجل المهم همش، رغم ما قدّمه ومكانته بالنسبة للجزائر. انتقد سياسة ''البريكولاج'' السائدة أعمالي المسرحية تتعرض للحصار منذ 4 سنوات انتقد سليمان بن عيسى الأوضاع الحالية التي تعيشها الثقافة في الجزائر، وقال إن ثقافة ''البريكولاج'' التي تبتعد عن التكوين الحقيقي هي السائدة، مردفا ''لو أعطوني المسرح الوطني اليوم سيتغير كل شيء''. وأوضح بن عيسى في سياق مختلف، أن اختياره للمسرح نابع من إيمانه بأنه ''الفضاء الأكثر حرية بالنسبة لحامل أي رسالة''، مستطردا ''رغم الحصار الذي أعاني منه منذ أربع سنوات، أحاول أن أعمل وأقدّم شيئا للجزائر ولهذا قدمت مجموعة من المشاريع للوزارة ولم أتلق أي رد''. كما كشف بن عيسى عن تهرب مدير المسرح الوطني امحمد بن فطاف من عرض أعماله، قائلا: ''تقرّبت من المسرح الوطني، وأجابني بن فطاف بأن المكان محجوز إلى غاية .''2012 وتطرق بن عيسى إلى قضية الاحتراف قائلا ''إن أهم ما ينقص الاحتراف في المسرح، هو النص والعمل على اللغة التي يجب أن تبقى شعبية، لكنها ترقى إلى مستوى أعلى''، مشيرا إلى أن التراث الشعبي والشعري الجزائري يزخر بلغة بسيطة، لكنها تؤدي معنى أعمق وأبعد. ومن المشاريع التي يعكف عليها بن عيسى، فتح ورشات تكوينية للكتابة المسرحية. اعترف بأن زوجته كانت مصدر الحكمة والتوازن بن عيسى يحضّر لمسرحية وفيلم عن مصالي الحاج أدّى تأثر سليمان بن عيسى بشخصية مصالي الحاج في فيلم مصطفى بن بوالعيد والتي جسدها بتميز، بعد دراسة مطوّلة حولها، إلى إطلاق مشروعين يخصان الشخصية، أولهما نص مسرحي موسوم ''مصالي'' والثاني سيناريو فيلم ''مصالي الحاج''. وقال بن عيسى إنه عكف شهورا على دراسة الشخصية، خاصة طريقة كلامها ولباسها، معترفا بصعوبة تجسيد دور مصالي، لأنه جمع بين شخصية رجل الدين والسياسي. والتّحدي يكمن في عدم تغليب جانب عن آخر، حيث انتقد الطريقة التي قُدم بها بوعمامة على شكل رجل صوفي، ما ألغى الجانب الثوري والجهادي للرجل. وسيبرز بن عيسى في فيلمه السينمائي الخيالي الوثائقي، الذي يحضّره بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال كما قال، ''جوانب مهمّة غيّبت عن شخصية مصالي، خاصة الجوانب الحميمية والخفية في يومياته''، منها دور زوجته في نضاله السياسي، التي كانت، حسب بن عيسى، ''مصدر التوازن والحكمة في قراراته''. وأشار بن عيسى، في معرض حديثه، إلى أن مصالي خسر مكانته في الحركة الوطنية بعد وفاة زوجته سنة 1953، إذ بدأت مشاكله مع المركزيين بسبب شخصيته الكريزماتية، الأمر الذي اعترفت به ابنته التي هي بصدد كتابة مذكراته. كما أوضح أن موت زوجة مصالي، وهو المشهد الذي تنطلق منه مسرحيته التي يتمّها أكتوبر القادم، أثّر عليه حتى مع الدول العظمى آنذاك، التي أحست بميله للمعسكر الشيوعي، ولم يستطع إقناعها بالعكس. أدارت الندوة: هيبة داودي