لم يعرف الموسم الدراسي الحالي الاستقرار المطلوب منذ انطلاقه في سبتمر الماضي، حيث ما إن يتم معالجة العقبات التي تواجهه، إلا وتبرز أخرى. والأخطر من كل هذا أو ذاك عندما تتلاقى مجموعة من المشاكل العويصة، بعضها من داخل القطاع وأخرى من خارجه، مثلما هو عليه الحال في الوقت الراهن ويتعلق الأمر بانشغال الجميع دون استثناء تقريبا مع الأحداث الكروية وتفاعل التلاميذ مع ما يجري في أنغولا وعودة وهيج الاضرابات التي ستشل لا محالة أغلبية المؤسسات التربوية. انطلق الموسم الدراسي الحالي بمشاكل بيداغوجية مرتبطة أساسا بأحد أهم العقبات التي تواجه المنظومة التربوية منذ سنوات، وهي مشكل الاكتظاظ في أغلب المؤسسات التربوية منذ سنوات، وما نجم عنه من تداعيات أفرزت ضرورة اللجوء إلى نظام الدوامين، ومما زاد في تعقد هذا المشكل قرار أوت الماضي حول تغيير عطلة نهاية الأسبوع، الذي حرم جزءا هاما من المتمدرسين من حقهم في الراحة الأسبوعية لمدة يومين، بعد أن تم تقليصها إلى يوم واحد فقط. ولم تتوقف مشاكل الدخول المدرسي عند هذا الحد، بل تعدته ولأول مرة لتشمل ما نجم عن قرار وزارة التربية من اجبارية المآزر وبالألوان التي اختارتها، دون أن تفكر في مدى توفر مستلزمات هذا القرار الالزامي الذي تسبب في الكثير من المشاكل على أولياء التلاميذ، خاصة بعد أن لجأت بعض المؤسسات التربوية إلى طرد تلاميذ لم يلتزموا بالألوان المفروضة من قبل الوزارة. وما إن تم تخطي هذه المشكل وغيره من المشاكل الأخرى البيداغوجية، حتى بدأ الاضطراب والتذبذب يعم وسط المدارس، مع بداية المرحلة الأخيرة من التصفيات الكروية المؤهلة لمونديال جنوب إفريقيا، حيث انشغل التلاميذ ومنذ شهر نوفمبر بالحدث الكروي الذي عرف أوج تأججه بعد التداعيات الخطيرة التي أعقبت المبارتين المتكهربتين بين الجزائر ومصر في 14 و 18 نوفمبر الماضي.. والأخطر من هذا تزامن كل هذه التداعيات مع إضراب عمال قطاع التربية الذي تسبب في شل معظم المؤسسات التربوية ودام لأسابيع في مرحلة تزامنت مع اجراء فروض واختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول، في ظل تأخر الدروس وضياع ساعات ثمينة، حاولت الوزارة فرض استدراكها، الذي يكون قد تم، ولكن على حساب استيعابها جيدا نظرا لضيق الوقت. ويبدو أن الهدوء الذي يكون قد عاد نسبيا إلى الوسط المدرسي، مرشح لأن يعرف المزيد من الاضطراب لنفس الأسباب السابقة، أي الحدث الكروي الجاري حاليا في أنغولا بمناسبة إجراء البطولة الإفريقية لكرة القدم، وتأهل المنتخب الجزائري إلى الأدوار القادمة، وهو ما يعني المزيد من الإنشغال، في وقت انطلقت فيه مرحلة الفروض الأولى منذ 17 جانفي الماضي وإلى غاية نهاية الشهر الجاري، والتي تتزامن مع انتهاء البطولة الافريقية. أما السبب الآخر الذي قد يساهم في تذبذب الوسط المدرسي في المرحلة القادمة، العودة المترقبة لسلسلة الاضرابات التي قررتها نقابات عمال التربية سواء المستقلة أو تلك التابعة إلى المركزية النقابية، كما أعلن عن ذلك خلال الأيام القليلة الماضية، نظرا لعدم تلبية الجهات الرسمية للمطالب المرتبطة أساسا بضمان مستوى معيشة لائق لعمال القطاع. عودة الغضب الذي ستترجمه نقابات عمال القطاع باحتجاجات واسعة ستهز المؤسسات التربوية، قد يستمر لفترة ليست بالقصيرة وستؤدي بدون شك إلى تذبذب واسع النطاق في الوسط المدرسي قد يصعب على الوزارة السيطرة عليه مع مرور الوقت وذلك إذا تعمدت الوصاية مثلما هي متهمة الآن من قبل النقابات، اللجوء إلى خيار الصمت والمماطلة إزاء مطالبهم التي ترى بأنها مشروعة، وغير قابلة للانقاص منها، خاصة ما تعلق بزيادة الأجور. ممارسة نقابات عمال التربية الضغط على الوزارة من خلال الاضطرابات يأتي في الوقت الذي اعترفت فيه تقارير تراجع مستوى نتائج الفصل الأول للأسباب المذكورة آنفا، الأمر الذي دفع بوزير القطاع إلى اقرار متابعة دقيقة من قبل لجنة خاصة تم استحداثها ومتكونة من مفتشين تربويين أولكت لهم مهمة معالجة التأخر المسجل في المقرر الرسمي، وفرض المزيد من الصرامة على المؤطرين المباشرين للمؤسسات التربوية، وذلك قبل أربعة أشهر فقط عن انطلاق امتحانات نهاية الموسم الدراسي الحالي، الذي يتزامن وانطلاق مونديال جنوب إفريقيا ومشاركة الفريق الجزائري في النهائيات، مما قد يتطلب اتخاذ بعض التدابير، تفاديا لأي ارتباك قد يؤثر سلبا على التلاميذ عموما وأولئك المعنيون بامتحانات نهاية المراحل التعليمية الثلاثة على وجه الخصوص. ونظرا لضيق الوقت، والتداعيات السلبية التي ستؤثر لا محالة على التلاميذ، فإن الوزارة تجد نفسها مجبرة على التعاطي مع الأحداث، بواقعية وبراڤماتية أكثر مما عليه حاليا، إذا أرادت انقاذ السنة الدراسية الجارية قبل فتوات الآوان.