وجد أمس النداء الذي وجهه كل من الاتحاد الوطني لعمال التربية والمجلس الوطني لأساتذة الثانوي والتقني الى الأسرة التربوية إستجابة لدى فئات في المؤسسات التربوية بمختلف مراحلها، حيث عرف البعض منها شللا تاما، أعاد للأذهان ما حدث في اضراب نوفمبر الماضي. إضطر تلاميذ المؤسسات التربوية التي لبت نداء الاضراب الى العودة الى منازلهم بعد أن قررت نقابتا »الكنابيست« و »الأونبيف« تنفيذ تمديدها بشن إضراب لمدة أسبوع متجدد بصفة آنية ابتداء من أمس بعد أن تكون »مطالبها« قد وجدت الرفض من قبل الجهات الوصية، مثلما أكدت على ذلك، خاصة ما تعلق ببقية الملفات الأخرى التي لاتزال قيد الدراسة على مستوى الوزارة مثل ملفي الخدمات الاجتماعية وطب العمل. ولضمان أقصى تجنيد على مستوي القاعدة سربت النقابتان المضربتان بيانات أخرى حول ما ترى أنه تعبير عن الأرقام الحقيقية للأجور الجديدة، تختلف عن تلك التي أعلنت عنها الوزارة في مطلع الأسبوع الجاري، مما يعني أن عمال القطاع سوف لن يستفيدون من زيادات معتبرة وإنما التضخيم في الأجور الصافية جاء بعد اقحام منحة المردودية ب 40٪ من الأجر القاعدي في صافي الأجور، في حين أن هذه الأخيرة كانت تمنح سابقا أي قبل الزيادات الأخيرة المقررة خارج الأجور. وهو ما وصفته النقابتان بالاحتيال، تم اللجوء إليه لإيهام الرأي العام الوطني بالزيادات الكبيرة التي أقرتها الوزارة وذلك دون أن تعود الى الشركاء الاجتماعيين. طريقة تعامل الوزارة مع مطالب نقابات التربية وخاصة مع تلك التي تصر على تلبية مطالبها عن طريق الاضراب هي التي تكون وراء عزم كل من »الكنابيست« و »الأونبيف« على تحدي الوزارة في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تعتقد أن الاعلان عن محتوى ملف التعويضات سيقطع الطريق أمام أية محاولة للجوء الى الاحتجاج حتى لو تعلق الأمر بنقابتين تدرك الوزارة جيدا قدرتهما على تجنيد المزيد من المضربين، لكنها كانت تعوّل على طريقة الإغراء لإفشال أية محاولة للإضراب. النقابتان المضربتان اللتان تصران على اللعب على ورقة القدرة الشرائية إستطاعتا إقناع من لبى نداء الإضراب بأن الوزارة لم تلب في واقع الأمر المطالب المرفوعة إليها، أو على الأقل تجاهلت الحد الأدنى منها، بل والأكثر من هذا، فقد شهرت بهم وبمطالبهم عندما كشفت للرأي العام وبأدق التفاصيل، محتوى ملف التعويضات وهو ما أعتبرته النقابتان »مساسا بكرامة المربي«. قرار اللجوء الى الاضراب لم يكن بسبب التحفظات الكبيرة حول الزيادات الأخيرة، فحسب، بل إن إصرار »الكنابيست« و»الأونبيف« استئناف الاحتجاج، إنما يعود الى تلك »الحرب« الخفية حول من يسير ملف الخدمات الاجتماعية التي كانت تهيمن عليه فدرالية عمال التربية التابعة للإتحاد العام للعمال الجزائريين.. ويبدو أنه ومن منطلق المنطق الجديد الذي فرضته نقابات عمال التربية المستقلة، فإنه بدا لها أنه من الأجدر تغيير طريقة وأسلوب العمل وأساسا طريقة التسيير... وتبدي هذه الأخيرة إصرارا متزايدا في عدم التنازل عن هذا المنطق الجديد الذي تريد فرضه حتى لو أدى ذلك الى استمرار الاحتجاج والإضراب تحت مبرر الحفاظ على القدرة الشرائية وحمايتها من التدهور المستمر في مستوى المعيشة. وبين هذا وذاك، فإن الضحية دائما يبقى هم التلاميذ ومن ورائهم، الأولياء اللذين يوجدون حاليا في موقف لا يحسدون عليه، ففي الوقت الذي كان فيه هؤلاء يتهيؤون لإجراء ما تبقى من »الفروض«، استعدادا للإختبارات الفصلية التي كان من المفروض أن تنطلق الأسبوع القادم، جاء الاضراب ليزيد الوضع تعقيدا، إن لم يكن ليزيده »تعفنا«، بعد أن كان الأولياء قد تنفسوا الصعداء، معتقدين أن عمال القطاع قد تحصلوا على ما كانوا يريدون خاصة من حيث الأجور ليتفرغوا أخيرا للعمل البيداغوجي، لكن يبدو أن الاضراب إن إستمر سيعيد الأوضاع الى نقطة الصفر.