لما انفجرت فضيحة »غولدستون« في الخريف الماضي إثر تقديم السلطة الفلسطينية قشّة النجاة للجلاد الاسرائيلي بإعطائها اوامر لتأجيل عرض التقرير الذي يدينها بارتكاب جرائم في حرب غزة امام مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة. وما تبع ذلك من إدانة للسلوك الشاذ للقيادة الفلسطينية، حاولت هذه الأخيرة مداراة اخفاقها الدبلوماسي واستعادة ثقة شعبها من خلال إعلانها وقف المفاوضات مع اسرائيل والإشتراط لاستئنافها وقف الصهاينة مشاريعهم الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية. حينها سخر الاسرائيليون من الشرط واعتبروه مجرّد استعراض للعضلات، وقالوا بأن عباس صعد عاليا فوق الشجرة بمطلبه هذا ومن الضروري أن ينزل. ولما لمسوا منه تعنتا في موقفه وتشبتا به أو صعوبة في النزول والعودة عن شرطه، مدّوه بسلم من خلال اعلانهم في نهاية نوفمبر الماضي تحميد اعمال البناء الجديدة في الضفة لمدة عشرة أشهر، لكن يبدو بأن السلم الاسرائيلي كان أقصر من أن يبلغ العلوّ الذي فصله عباس، وكان لزاما البحث عن سلم أطول، وكالعادة في المواقف الحرجة التي تستدعي تقديم التنازلات الكبرى للصهاينة. تحركت المجموعة العربية لتتطوع لأبي مازن بالسلم المطلوب عندما خرجت قبل أيام بقرار يقضي بأن يستأنف الفلسطينيون المفاوضات لكن بطريقة غير مباشرة عبر المبعوث الأمريكي الخاص لعملية الشرق الأوسط »جورج ميتشل« ولمدة محدودة لا تتجاوز أربعة أشهر. وهكذا وبعد أشهر قضاها فوق الشجرة نزل محمود عباس ليبدأ رحلة جديدة من المفاوضات التي بدأها قبل ما يقارب العقدين. لكن من حظّه الأسود أنه وبمجرد أن لمست أقدامه الأرض وبدأت التحركات لاستئناف مباحثات السلام من خلال زيارة »جورج ميتشل« ونائب الرئيس الامريكي »جو بايدن« حتى أعطت تل أبيب الضوء الاخضر لبناء 112 وحدة سكنية في مستوطنة »بيتار إيليت« قرب بيت لحم جنوبالقدسالمحتلة. ومع أن هذا القرار أثار حفيظة الامريكيين وحتى بان كيمون، فإن أبي مازن لم يعلن هذه المرة وقف المفاوضات غير الماشرة ولم يصعد مجددا للشجرة، بل اكتفى بالتحذير على لسان صائب عريقات بأن هذه المباحثات تشكل المحاولة الأخيرة للتوصل إلى حل الدولتين وكأن اسرائيل تسعى فعلا للقبول بهذا الحل وتسعى لتنفيذه. إن قرار اسرائيل بتجميد جزئي للاستيطان ثم إعلانها عن بناء وحدات سكنية في الضفة بالتزامن مع استئناف المفاوضات غير المباشرة، ما هو في واقع الأمر الا استخفافا بالفلسطينيين وبمن يرعى هذه المفاوضات وصفعة أخرى للقيادة الفلسطينية التي عليها أن تعي جيدا، بأن التنازل يقود حتما للتنازل الموالي وبأن المفاوضات غير المباشرة لن تقدم ما عجزت عن تقديمه المفاوضات المباشرة، ومهلة أربعة أشهر لن تحل ما أخفقت عن حله مدة عقدين كاملين من المباحثات المباشرة. على القيادة الفلسطينية أن تغير استراتيجية التفاوض وتكف عن التنازلات التي عرّت القضية الفلسطينية وأسقطت عنها ورقة التوت، وإذا عجزت السلطة عن تحقيق أي نتيجة ملموسة وهو الظاهر، فعليها أن تتوقف تماما عن التعامل مع الصهاينة وتلقي بالقضية إلى الشارع، فهو كفيل بإعادتها إلى المربع الصحيح.