بات من الواضح للعيان اليوم، ودون أدنى مجال للشك أن الانجازات الباهرة التي حققها المنتخب الوطني في الفترة الأخيرة، حرّكت الساحة السياسية والإعلامية والتجارية والثقافية والاجتماعية في الجزائر، وجعلتها تهتز على وقع «وان تو ثري، فيفا لالجيري»، بعدما كانت أقرب إلى ما نسميه عندنا «القبر المنسي».. لكنها صارت، مقابل ذلك بمثابة، ومع الأسف، «حصان طروادة» أو«القنطرة» التي يركبها ويعبرها أيّا كان من بعض الانتهازيين والوصوليين، بهدف تحقيق المبتغى وتثبيت المسعى، الظاهر منه والمستتر.. وكيف لا يقدم البعض على ذلك وقد منحهم أبناء سعدان الفرصة بفضل تألقهم البارز وإشراقهم القوي خلال جميع مباريات منافستي المونديال والكان.. ولم يقتصر الأمر على ما يفعله الباعة المتطفلون على أرصفة شوارع الجمهورية وأزقتها، والتي حوّلوها -الشوارع- إلى سوق كبيرة، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، يباع فيها كل ما هو أحمر وأخضر وأبيض، من الأقمصة، النسوية والرجالية، والرايات والكرات و«السيرفاتموات» والأوشحة، الصغيرة والكبيرة، والعصابات والشرائط والأقراص، المضغوطة والضمادات، من مختلف الأحجام والأنواع والأشكال، كل شيء وأي شيء، المهم أن تكون سلعة وفقط، لا يهم أن تكون مضروبة أو مغشوشة، المهم أن تحمل الألوان الوطنية الثلاثة.. وهكذا، صارت الجزائر كلها بتلك الألوان.. قلت أن الأمر لم يقتصر على هؤلاء التجار الموسميين من الشباب العاطل عن العمل، الذي لا حول له ولا قوة، سوى البحث عن لقمة العيش، وتلك طريقته في الكسب «الحلال»، حتى لا يزيغ ببصره ويده إلى الكسب غير «الحلال».. ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان كل شيء، لكن المشكل هو أن يتم التعدي على إحدى المقدسات الوطنية.. كأن تحرف مكونات العلم الوطني، رمز السيادة والوطنية والاستقلال والهوية، العلم الذي دفع الجزائريون ثمنه من دمائهم وحياتهم وأرزاقهم، ومن أعز ما يملكون.. لقد وصل الأمر إلى ذلك.. شاهدت بأم عيني أعلاما جزائرية تباع في الأسواق وهي لا تحترم المقاييس الأساسية في صناعتها، لا من حيث الألوان، ولا حجم النجمة ولا الهلال، حتى قيل لي عندما سألت، أن «الشناوة» هم من يخيطها سرا ويبيعونها بأبخس الأثمان؟.. تذكرت هذه الحادثة عندما أعدت مشاهدة فيديو لمجموعة من أعضاء نقابة المحامين في مصر وهم يحرقون الراية الوطنية الجزائرية أمام الملأ، علاوة على تجرأ أنصار "هم الدنيا" على حرق علمنا من جديد، مباشرة بعد سرقتهم لثالث كأس إفريقية "طايوان"، ثم عرض صور أخرى أكثر وقاحة وفظاعة وبثها على قناة فضائية رسمية في مصر، في حصة يدّعي صاحبها أنه مجاهد ومقاوم باسم العروبة والإسلام، غير أنه في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك، وكيف بعقل أن يقبل بحرق علم الشهداء لو كان مجاهدا فعلا.. وقلت في أعماقي: ما الفرق بين هذا الصنف وذاك؟. ثم أردفت: إلا العلم الوطني!.. وللحديث بقية