لم يفلت مجمع الخليفة الذي امتدت نشاطاته في "أعز أيامه" إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط من اهتمام وتساؤلات الشرطة والعدالة الفرنسية، حيث لا تزال مسائل متعلقة بمختلف فروعه مجدولة ضمن الملفات العالقة لحد الساعة لدى المحاكم الباريسية. تدخل الأمن والقضاء الفرنسيين في ملف الخليفة لم يكن ممكنا قانونيا لولا تواجد فروع ذات قانون فرنسي للمجمع فوق التراب الفرنسي، ففي طموحه إلى بناء مجمع مترامي الأطراف وذي رواج دولي، عمل عبد المؤمن خليفة، منذ البداية، على إرساء هياكل ونشاطات خارج الوطن وجعل من باريس مقرا لشركة الخطوط الجوية، وشركة تأجير السيارات وقناة الخليفة التلفزيونية، وهي المؤسسات التي تحصلت كلها، ما بين 2001 و2002، على التسريح التجاري والقانوني، في حين لم يحظ طلب فتح ممثلية للبنك باعتماد المصالح الفرنسية المختصة من بينها بنك فرنسا المركزي. وقد أثار الانهيار السريع للمجمع في ربيع 2003 والموت المفاجئ لفروعه الفرنسية حيرة واستغرابا لدى الأوساط الأمنية الفرنسية، الأمر الذي غذّى تساؤلات المصالح المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمالية، دافعا إياها إلى التحري بتدقيق في واحدة من أهم الهزات والخسائر التي عرفها المحيط الاقتصادي والمالي الفرنسي في مطلع الألفية. ولم تمر أشهر قليلة عن اختفاء الفروع من الواجهة الاقتصادية الفرنسية حتى قررت العدالة فتح تحقيق قضائي لمعرفة أسباب الانهيار والظروف التي انطفأ فيها على سبيل المثال وفي وقت قياسي مثل شركة "طيران الخليفة"، وهي الشركة التي كانت تبدو، في نظر محترفي قطاع الطيران، من أنشط الناقلين الأجانب المحلقين في الأجواء الفرنسية، خاصة وأن مؤشرات المديرية العامة الفرنسية للملاحة الجوية التابعة لوزارة النقل صنفتها وقتها ضمن الخطوط الأكثر ديناميكية على مستوى منطقة شمال إفريقيا والمتوسط. وفي خضم التساؤلات، أبدت العدالة انشغالها بمصدر ثروة عبد المؤمن خليفة في فترة أثيرت فيها تخمينات وفرضيات عديدة حول ثراء رجل الأعمال الجزائري. وعلى خلفية التأويلات الصحفية حول أسباب الانهيار، كلفت العدالة السيدة إيزابيل بريفو ديبريز، قاضية من محكمة نانتير (الضاحية الغربية لباريس) مختصة في القضايا المالية، بمتابعة الملف و إجراء كل التحريات التي من شأنها فهم ما جرى بالفعل. وحسب المعلومات الصحفية التي لم تؤكد رسميا من قبل العدالة، فقد فتحت القاضية إيزابيل بريفو ديبيرز تحقيقا قضائيا لاعتبارات ثلاثة: شكوك حول عملية تبييض أموال، والتلاعب في الأملاك المجموعة وكذا التزوير المنظم وتهريب رؤوس الأموال، وقد أدى هذا الاعتبار الأخير إلى وضع مسؤول سابق لمديرية فرنسا ل "خليفة ايرويز" تحت الرقابة القضائية. وانطلاقا من هذا قامت الشرطة الفرنسية عبر مصالحها المالية بعملية مداهمات وحجز لمقر "مديرية فرنسا" لخطوط الخليفة المتواجدة بمقاطعة "بيتو" على مقربة من حي "لا ديفانس" الراقي، وأوضحت أسبوعية "ليكسبراس" الباريسية أن القاضية عثرت خلال عملية التفتيش على وثائق عدة، من جملتها قائمة بأسماء شخصيات سينمائية وثقافية وإعلامية فرنسية تلقت "أظرفة" مالية من مجمع الخليفة في مناسبات مختلفة. وتوجد في قائمة هذه الأسماء النجم السينمائي جيرار دوبارديو والممثلة الشهيرة كاترين دوناف، وقد استمع كلاهما من قبل المصالح المالية للشرطة الفرنسية في مطلع 2005، وقد أوردت مصادر قضائية قولها إن دوبارديو و دوناف تلقيا مكافآت مالية مقابل مشاركتهما في أعمال ترويجية لفائدة مجمع الخليفة. ورجّحت المراجع الإعلامية أن الأول يكون قد تسلم 30 ألف يورو خلال سفره، في شهر فيفري 2002، إلى الجزائر لحضور اللقاء الكروي بين المنتخب الجزائري ونادي مارسيليا الفرنسي، إضافة إلى مبلغ آخر تلقاه بمناسبة الحفل الذي نظم بمدينة "كان" (جنوبفرنسا) ترحيبا بميلاد قناة تلفزيون الخليفة، أما كاترين دوناف فتكون قد تلقت - حسب نفس المصادر - نحو 75 ألف يورو كمكافأة لحضورها سهرة "كان" وسط عدد من الشخصيات بينها الفنان ستينغ والشاب مامي وهرفي بورج الرئيس الأسبق للجنة المشتركة الفرنسية الجزائرية المنظمة لتظاهرة "سنة الجزائر في فرنسا" (2003). ولم يسفر استجواب دوبارديو و دوناف من قبل العدالة عن توجيه أي تهمة أو حكم قضائي، واكتفت السلطات القضائية بتسليم الملف لمصالح إدارة الجباية للتأكد إذا تم التصريح بالمبالغ الممنوحة من الخليفة. ولم يتوقف اهتمام القضاة الفرنسيين عند هذا الحد بل امتد إلى مسائل أخرى، ففي صيف 2004 طالت تحريات المحققين الإقامة الفخمة التي اكتسبها عبد المؤمن خليفة عام 2002 في مدينة "كان" المتوسطية، وهي الإقامة التي احتضنت حفل ميلاد قناة التلفزيون. وقد عمل القضاة على معرفة أسباب وظروف بيع الإقامة لشركة عقارية في جويلية 2003 مقابل شيك بمبلغ 15 مليون يورو في حين كلف شراؤها 35 مليونا، ومما زاد من تغذية شكوك العدالة والمصالح المالية للشرطة بيع الإقامة أياما قبل إعلان إفلاس فرع فرنسا لطيران الخليفة، وقد أدت هذه العملية إلى وضع موثق وعامل في العقار تحت الرقابة القضائية. باريس- مراسل "الشروق اليومي" محمد خلاف