أثناء تتواجدي في الجزائر قادماً من داكار لمدة يوم واحد كنت أنتظر غليان الطبقة السياسية؛ وتعليقات عديدة حول مواضيع الساعة؛ ولكن لم يكون ذلك، فأغلب العناوين والتعليقات كانت حول الوضعية الاجتماعية المزرية، أثناء تتواجدي في الجزائر قادماً من داكار لمدة يوم واحد كنت أنتظر غليان الطبقة السياسية؛ وتعليقات عديدة حول مواضيع الساعة؛ ولكن لم يكون ذلك، فأغلب العناوين والتعليقات كانت حول الوضعية الاجتماعية المزرية، كما أن الأحزاب السياسية منشغلة بصراعات »الكرسي« و»التموقع« داخل تنظيماتها الهيكلية ترقباً للتوزيع المرتقب للريع والامتيازات، كما قد لاحظت أن العديد من الأفراد البسطاء من الشعب المسحوق »فاقدون« للثقة فقد تم تحطيم آمالهم سواء بالخطابات الديماغوجية؛ أو أحياناً إغراقهم بأرقام وأرقام مضادة للإنجازات »الاجتماعية« دون أن تبدو آثارها للعيان؛ وكأنها إنجازات مجهرية أو تبخرت مع مفعول..؟!كما أن »فيروس« التموقع أصاب الزوايا وجمعيتهم الذي يفترض فيهم الزهد والورع والارتقاء والتحلية والتخلية من المناصب؛ فالمحير فيهم، وفي غيرهم من التنظيمات أنه في جزائر اليوم إن أردنا تنحية شخص... قد نتهمه على أساس... من معارضي العهدة الثالثة وتعديل الدستور؛ فأصبح »التعديل الدستوري« البوصلة أو المحرك للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحتى بعض المؤتمرات تم تأجيلها؛ أو تحديد ميعادها بعد »استحضار النية والعزم« من طرف الرجل الأول لقصر المرادية... حول العهدة الثالثة... وأثناء هذا التواجد »الخاطف« لاحظت احتجاجات؛ واحتجاجات مضادة، وأحياناً ارتقاءها إلى حد النرجسية من بعض الأطراف حول »تصرفات« أحد السفراء الغربيين مع طبقتنا السياسية... وإسقاطها في خانة »تجاوز الأعراف والتقاليد الدبلوماسية«، فتحليلي الشخصي أن العيب يكمن في »عجز« كل الأطراف عن خلق حوار شفاف؛ تسوده الثقة؛ ومثمر والذي استطاع السفير القيام به... كما أن »التحاور« بين السفارات والطبقة السياسية متعارف عليه في جميع الدول ومنذ أمد بالجزائر! وبالأخص تلك الدول التي لها مشاريع استثمارية؛ فالمال جبان يجب من جرعات تطمينية له، فالإشكالية لا يجب قراءتها من هذه الزاوية بقدر ما يجب قراءتها من زاوية »حوار الطرشان والزائف« السائد في الجزائر يدفع بالبعض للاستنجاد بالغير كمحاولة منه لخلق بيئة تعزز تموقعه المستقبلي مع النظام »القائم«...وقد تصادف وجودي كذلك مع صدور حكم نافذ في حق الصحافيين؛ وذلك قد يدفعنا للتكلم عن حرية الرأي والصحافة؛ ومما لا شك فيه أنه، في أي نظام ديمقراطي حقيقي وشفاف؛ يجب أن تنمو فيه حرية الصحافة والرأي وضرورة »احترام« الرأي الآخر والنقد البناء فيه... فيجب تشجيعه وليس قمعه تحت مسميات النظام العام؛ والآداب العامة أو الذوق العام فكلها كلمات حق يراد منها أحياناً باطل، فالمشروع الديمقراطي والنمو الطبيعي للديمقراطية يفرض تحديد بشدة ووضوح الجرائم الصحافية وبأقصى الحدود.ومن المفارقات الجزائرية، فإن العديد من الصحف قد تساءلت لماذا الثلث الرئاسي في مجلس الأمة ركز فقط على المادة (74) من الدستور الخاصة بالعهدة الثالثة؟. حسب اعتقادي، الموقف العكسي للثلث الرئاسي كان قد يحير وليس الموقف الحالي الذي قد يفسر بجملة واحدة وهو نوع من »رد الجميل«... وقد يطرح تساؤل آخر حول موعد إصداره المتأخر للبيان بالمقارنة مع الأحزاب والمجتمع المدني... حسب اعتقادي يمكن فهم ذلك كنوع من إعطاء الحيوية للحملة الدستورية الحالية؛ بعد الروتين ودخول مرحلة اللامبالات، كما يمكن تفسير ذلك أن الحلقة الأخيرة للسيناريو اكتملت ومن المفارقات الجزائرية كذلك، أنه على مستوى الشارع ونبضه خلال يوم قضيته في المقهى أو مع الأصدقاء، شعرت من خلال تعليقاتهم وكأن توجد جزائريتين: الجزائر الرسمية وجل كلامها حول الدستور والعهدة الثالثة وسناريوهات المستقبل وترتيب البيت الداخلي قبل الإخراج النهائي؛ والجزائر الشعبية همهم الوحيد كيف يسد حاجته ويبعد شبح الفقر والبطالة والحقرة، وبينما طبقة جديدة مستفيدة بأقصى حد من التناقضات الموجودة؛ وهم »الأغنياء الجدد«... دون أن ننسى نسبة التضخم المرتفعة وقد نلمس ذلك من خلال فترة الانقطاع والرجوع للبلاد من خلال الغلاء المعيشي الفاحش... والله يلطف »بالزوالي«!؟ فالتذرع بارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية ليست ذريعة »لتبرير هذا التمزق« الاجتماعي والاقتصادي، فارتفاع الأسعار أدى حتماً بارتفاع أسعار البترول؛ وصرفها لصالح الشعب للارتقاء به هو »المجال الطبيعي« لأي حكومة وليس كما يتوهم أحد »وزرائنا«..!! أثناء استجوابه بحجة التقشف وترشيد النفقات العامة.فهل خدمة الشعب »أصبحت« عورة، فأغلب الأفراد يا معاليه قد لا يجد »اللوبية«؛ وبعض المأكولات هي في طريق الاندثار لدى بعض الأسر الجزائرية... هذه بعض الانطباعات الميدانية لعابر سبيل مر من الجزائر، فإنني حاولت قدر المسطاع أن يكون تحليلي من خلال النصف المليان للكأس وليس النصف الفارغ... فحاولت أن أوهم نفسي قدر المستطاع بتحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأفراد الشعب، ولكن وهمي تبخر... قد تحققت انجازات على المستوى الكلي للاقتصاد بتحسن المؤشرات ولكن على المستوى الجزئي فالعمل باقٍ وشاق... فعلى المستوى السياسي مثلاً فإن »الجمود« هي السمات السائدة، فالمحاولات الافتراضية لخلق »حيوية« حزبية وسياسية معدومة؛ فقواعد اللعبة ومحاورها لا تخرج عن الدستور والعهدة الثالثة... بل إنني جازم أنه لولا العهدة الثالثة... لما اكتشفت بعض »عورات« الدستور من طرف طبقتنا السياسية، أما على المستوى الاجتماعي برزت ثقافة »الشكارة« و»الزطلة« وانعكست سلباً على شبابنا من خلال تفاقم ظاهرة الحراقة؛ فأين توصيات المنتدى الذي خصص للشباب؟!فهذه المعاينة الميدانية؛ والتشريح الاجتماعي والسياسي أثر سلباً على حركية النمو، ومن المفارقات السياسوية أو التقارير الرسمية تجعل نسبة »المشاريع التنموية« في مراحلها الأخيرة أو المتقدمة؛ وكأن »الكل« يعيش في بحبوحة. ويومياً تصلني رسائل عن طريق البريد الإلكتروني تعكس »المرحلة« المتقدمة من التعفن الاجتماعي والاقتصادي؛ ولا أدري هل ساساتنا في أبراجهم يتابعون عناوين الصحف؛ وإنني أعذرهم شخصياً عن عدم نزولهم إلى عمق الجزائر نظراً لمشاغلهم العديدة..؟! فعناوين يوم مغادرتي، مثلاً، كعينة ثلاثة عناوين، تذكر أن الأساتذة المتعاقدين يهددون بالاحتماء بالسفارات الأجنبية (البلاد)... أو تعليمة صارمة لوقف احتجاجات الأعوان ضد الرواتب الجديدة (الشروق )... أو أن سيارات حكومية ودبلوماسية ممنوعة من السير (الخبر)...فالبعض وذلك من حقه قد يقول إن فيه مزايدة... أو مجرد كلام الصحافة. أو عناوين للإثارة والتهريج... وتسويق أوراقهم الصفراء... قد يكون ذلك محقاً في حالة تكذيب الواقع اليومي ذلك...!!وأخيراً لعل ما دفعني لكتابة مقال اليوم بهذه الحدة، هو أثناء مناقشتي مع عامل بسيط في أحد المحلات وهو في الخمسينيات من عمره، متذمر، ومنتقم ونادم عن ماضيه النضالي ما قبل الاستقلال؟! لما آل إليه من حالة اجتماعية لا توصف، وأنه »لم يتصور« في يوم من الأيام أن استقلال الجزائر يجلب له هذا النحس، والسرقة لخيرات الأمة... ولكن في الأخير حمد الله لوجد »الموت« التي ستعدل بين جميع الأفراد. فمؤشرات فقدان الأمل، وعدم الاعتزاز بالشخصية الوطنية، والتنكر للماضي مؤشرات تستدعي المراجعة الجادة لمخلتف المسارات والتأمل مع ذات عسى ولعلّ..؟! [email protected]