"البنوك الجزائرية خطر على أمن الدولة".. هذا ما قاله وزير المالية السابق، عبد اللطيف بن أشنهو، في الثامن ماي 2000 أمام البرلمان، في وقت تنامت فيه الفضائح المالية والبنكية إلى غاية العام 2006، فمن بنك الخليفة إلى البنك التجاري والصناعي إلى البنك الوطني الجزائري، اختلفت الأسماء وتقاطعت الأهداف، فكانت النتيجة واحدة، نهب واختلاسات وتحويلات منظمة ومبرمجة، أبطالها الرئيسيون معروفون من طرف الرأي العام والعدالة، لكن العصابة أو الشبكة التي خططت وهندست "للجريمة"، تبقى إلى أن يثبت العكس مجهولة! قد يكون من باب الصدفة، وقد يكون من نافذة "التخياط"، أن تتزامن محاكمات ثلاث أهم وأكبر الفضائح التي هزت القطاع المالي والبنكي في الجزائر، حيث شرعت العدالة بعد مرحلة التحريات والتحقيقات، في محاكمة المتورّطين في بنك الخليفة والبنك الصناعي والتجاري الجزائري وكذا البنك الوطني الجزائري، وهي "العاصفة" القضائية، التي أخلطت الأمور على الرأي العام الوطني، إذ تسبّبت برمجة هذه المحاكمات التاريخية في وقت واحد أو بالأحرى دفعة واحدة، في العجز الواضح عن متابعة تفاصيلها وفضائحها والمتهمين فيها، وقد اقتصرت المتابعة الدقيقة، حصريا، على "فضيحة القرن"، التي تحوّلت إلى الشجرة التي تغطي الغابة، بعدما قزمت اعترافات المتهمين وشهادات الشهود بمحكمة الجنايات بالبليدة، "أهمية" ما حصل من خروقات وفضائح بالبنك الصناعي والتجاري وأيضا البنك الوطني الجزائري، ليتم بذلك ترسيخ المثل الشعبي القائل "أضربو على التبن ينسى الشعير"(..) !. ترى، هل يتعلق الحال بإرادة سياسية لتصفية هذه الملفات التي صدمت الجزائريين؟، لكن لماذا لم يتمّ فصل المحاكمات زمنيا، حتى يتابعها الرأي العام بتمهل؟، أم أن الأمر مرتبط بما يعرف بخطة "تفتيت الصدمة"؟ وقد أكد رئيس الحكومة، عبد العزيز بلخادم، أن الجزائر تشهد حاليا، مرحلة كشف ملفات الفساد وتسييرها في إطار الشفافية، بينما كان وزير المالية، مراد مدلسي، أشار إلى أن 2005 كانت سنة اكتشاف الفضائح، بينما كانت 2006 سنة تسييرها، فهل ستكون 2007 سنة المحاكمات؟ وبعد خراب البنوك الجزائرية، تبنّى الخريف الماضي، بنك الجزائر، ترسانة قانونية جديدة لتوفير الحماية للمال العام، حيث شدّد الشروط التي يفرضها لتأسيس البنوك والمؤسسات المالية وإقامة فروع البنوك وكذا المؤسسات المالية الأجنبية، وذلك بإصدار نظام رقم 06 -02 تبعا لمداولات مجلس النقد والقرض، التي عقدت في 24 سبتمبر المنصرم، وجاء هذا الإجراء في محاولة لمحاصرة الفضائح المالية التي هزت القطاع البنكي والمصرفي بالجزائر. هذا، وتشير إحصائيات تقريبية للشرطة القضائية، إلى تسجيل أكثر من 231 مليار دينار كتحويل للأموال خلال سنة 2005 فقط، بينما تتكلّم لغة الأرقام والواقع عن خسائر خيالية وأكثر فداحة، فقد قدّر رئيس الحكومة السابق، أحمد أويحيى، في جويلية 2004، الخسائر التي خلفتها فضيحة الخليفة، بأكثر من 1.2 مليار دولار، وجاءت فضيحة البنك التجاري والصناعي الجزائري، بخسائر قدّرها النائب العام لدى مجلس قضاء وهران، بنحو 13200 مليار سنتيم، بينما تسببت قضية الاختلاس التي تورّط فيها المدعو عاشور عبد الرحمان، على مستوى البنك الوطني الجزائري، في نهب 3200 مليار سنتيم. ومعلوم أن اللجنة المصرفية، قرّرت في 23 أوت 2003، سحب الاعتماد من البنك الصناعي والتجاري الجزائري، الذي قدّر خسائره رئيس الحكومة السابق، أحمد أويحيى، أمام مجلس الأمة في 9 جوان 2003، ب 900 مليون دينار، مضيفا أن ثغرة مالية ب 7 ملايير دينار تمت ملاحظتها، وعلى إثر ذلك، أصدرت اللجنة المصرفية قرارا بسحب الاعتماد من البنك الخاص، مستندة إلى المادة 156 من قانون 10/90 المؤرخ في 14 أفريل 1994، المتعلق بقانون القرض والنقد، إلى جانب تعيين مصف بدعوى "وضعية عدم توفر السيولة وعدم القدرة على الدفع، مما يحول دون قيامها بالتزاماتها تجاه زبائنها". وكان تقرير للمفتشية الاقتصادية والمالية، صدر في 2005، كشف عن تسوية 131 قضية تحويل أموال وتسجيل خسائر ب 155.8 مليار سنتيم، وكذا 260 ألف أورو، وفي تقييم غير رسمي تبيّن أن حجم الخسائر الناتجة عن أهم الفضائح المالية، خلال العشريتين الأخيريتين، تجاوزت 10 ملايير دولار، من بينها الخسائر التي كبّدتها للخزينة العمومية، الخليفة والبنوك الخاصة الأخرى، ما بين 2003 و2005، والتي بلغت قيمتها المالية حوالي 2 مليار دولار، منها أكثر من 1.2 مليار دولار لقضية الخليفة وحدها. تجدر الإشارة إلى أن الفضيحة التي عرفها أول بنك عمومي جزائري، وهو البنك الوطني الجزائري، الذي تأسّس عام 1966، جرّاء عمليات تحويل مدروسة، اعتبرها محمد الصغير بن بوزيد، الرئيس المدير العام للبنك، في تصريحات إعلامية سابقة، أنها عملية سطو حقيقية، وقد واجه البنك الوطني الجزائري، مشكلتين متتاليتين في سبتمبر وأكتوبر 2005، وتعلق الأمر بعملية سطو منظمة تمّ تنفيذها من الداخل بتواطؤ مكشوف من طرف موظفين من البنك، بواسطة إخفاء وثائق التزامات بنكية ومصرفية، إلى جانب سحب أموال البنك دون إدخالها في الحسابات، عن طريق الغش والتدليس والتزوير. وفي سياق تقدير خسائر الفضائح المالية والبنكية، قدّر إبراهيم حجاس، المتواجد في حالة فرار، في تصريحات صحفية سابقة، الخسائر المسجلة من طرف "يونيون بنك"، أول بنك خاص في الجزائر، بأكثر من مليار و800 مليون دينار دون حساب الخسائر الناتجة عن عملية حلّه، وموازاة مع هذه "الجرائم" المالية والاقتصادية التي ارتكبها معلومون ومجهولون، في حق المال العام، صنف تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، الخاص بسنتي 2003-2004، الجزائر في المرتبة ال 72 ضمن 102 دولة، وذلك من حيث انتشار الرشوة، فيما احتلت الجزائر، المرتبة ال 88 من مجموع 133 دولة لنفس الظاهرة في تقرير منظمة ''شفافية دولية'' لسنة 2004، والتي أشارت في تقريرها للعام 2005، إلى حصول الجزائر على 2.8 نقطة من مجموع 10 نقاط، مقابل 2.6 نقطة عام 2003 و2.7 نقطة عام 2004 وهو ما يصنفها مع البلدان التي تعرف فيها مستويات مرتفعة من الرشوة. عمليات نهب وتحويل واختلاس الأموال العمومية في وضح النهار، وعن طريق "القانون"، انتهت إلى حدّ الآن، بإصدار قرارات تقضي بسحب الاعتماد وتصفية أربعة بنوك خاصة في ظرف سنة، ليتمّ إنهاء وجود البنوك الخاصة في ظرف سنتين، إبتداء من أول قرار صادر عن اللجنة المصرفية في 29 ماي 2003 والقاضي بسحب الاعتماد من بنك الخليفة، وهي الفضيحة التي دفعت البعض إلى الحديث عن اهتزاز مصداقية النظام البنكي والمصرفي الجزائري، الذي دخل فيما اعتبره الخبراء الماليون، بأزمة هيكلية حادة، علاوة على فقدان الثقة بالبنوك، في ظلّ الخلل المتواجد في مجال الرقابة القبلية والبعدية والرقابة الداخلية، فأين ستنتهي فضائح المال والبنوك؟ جمال لعلامي