شكل معرض الرياض للكتاب حدثا أدبيا بكل المقاييس باستقطابه لما يزيد عن 600 دار مشاركة من 22 دولة عربية و60 مثقفا وأكاديميا من خارج السعودية. ولأول مرة تشارك النساء بحضور الجلسات الأدبية إلى جانب الرجال ويسمح فيه بالاختلاط وإن كانت في حدود ماتزال ضيقة، بل وكرمت المرأة وسمح لها بطرح وجهات نظرها في الأدب والحرية الفكرية. وعرضت لأول مرة روايات صنفت بالفضائحية، لأول مرة يعود عبد الرحمان منيف ليعرض في العلن وتعود رجاء الصانع وصبا الحرز وأخواتها لرفوف معرض في دولة ماتزال تعيش في حدود الخط الأحمر. صدى المعرض ومشكلاته وصلت إلى وسائل الإعلام الثقيلة، حيث تناولت الإعلامية المتميزة شذى عمر في برنامجها »أنت والحدث« على قناة »ال.بي.سي« موضوع »الكلمة وحدود الحرية في المملكة السعودية«، حيث استضافت نخبة من المثقفين السعوديين من مختلف التيارات. البرنامج شهد نقاشا حادا بين أنصار التيار المحافظ الذي مثله الدكتور ناصر الحنيني، المشرف على مركز الأبحاث المعاصر الذي وصف المعرض »بالكارثة الثقافية ووصمة عار في جبين المملكة وبلاد الحرمين الشرفيين«، كونه تخطى حسب المتحدث كل الخطوط الحمراء بعرض الروايات الجنسية والفضائحية، الأمر الذي اعتبره المتحدث خطرا كبيرا على تربية الأبناء، مؤكدا أن المملكة اليوم تعيش أزمة هوية حادة. وشدد في المقابل على ضرورة عدم الانسياق وراء خطاب الانفتاح كثيرا، لأن السعودية مجتمع له خصوصياته التي يجب أن يحافظ عليها بكل الطرق. فيما ذهب أنصار التيار الإصلاحي المعتدل الممثل من قبل الدكتور حسن النعمي وسعد السريحي، إلى اعتبار معرض الرياض الأخير خطوة في طريق الإصلاح الثقافي الذي يجب دعمه نحو الأمام. وقد اعتبر حسن النعمي أن استمرار فرض الرقابة على الكتب هو إرهاب فكري ينبغي تجاوزه نحو تفتح أكبر. أما الشاعرة فوزية أبو خالد فقد رافعت طويلا لصالح حضور أفضل للنساء وتساوي الفرص بين الجنسين، مؤكدة أن فرض الرقابة على المطبوعات ليس أبدا حلاّ، طالما أن كل ممنوع مرغوب. وقد أثار وجود وكيل وزارة الإعلام للشؤون الثقافية الدكتور عبد العزيز السبيل في البرنامج، كمتحدث رسمي، الكثير من القراءات حول عزم المملكة المضي قدما في سياسة الإصلاحات التي تدعمها واشنطن في المنطقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. وقد تجلت هذه الخطوة من خلال إسناد تنظيم المعرض إلى وزارة الثقافة والإعلام بدلا من وزارة التعليم العالي، كما حدث العام الماضي. وقد سمحت الهيئة المنظمة، بحضور المرأة في نفس توقيت حضور الرجال مع فرض عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يشرفون على مراقبة وحماية الزائرات خاصة والزوار من أي مضايقة محتملة ودخول أشخاص لا علاقة لهم بالمعرض، كما قال وكيل وزارة الإعلام الذي فرض في مقابل على البرنامج الثقافي المرافق للمعرض عدم الخوض في المواضيع المثيرة للجدل والاكتفاء فقط بمسائل نشر وتوزيع الكتاب التي اعتبرها المتحدث العقبة الأساسية في وجه النشر داخل السعودية وليس الرقابة. وقد انتهى البرنامج إلى خلاصة جد أساسية هي كون الرواية في السعودية ماتزال الجنس الأدبي الوحيد الملعون بكل المقاييس، لأن الكثير من أنصار التيار المحافظ يعتبرونها مناشير اجتماعية، فيما يطالب أنصار التيار المعتدل بقراءة الإبداع خارج حدود الدين بوصفه إبداعا يعتمد على الخيال والتصوير وليس بالضرورة تصويرا لواقع حقيقي. معرض الرياض هذا العام سجل حضورا أقوى للنساء والرواية النسوية التي ضربت بقوة في أجنحة الزوار، حيث لم تعترض الرقابة إلا على رواية واحدة فقط هي رواية »الأوبة« لوردة عبد الملك، نظرا للضجيج الكبير الذي أثارته في وسائل الإعلام اللبنانية أساسا، حيث وصفها الإعلام العربي أنها رواية جنسية بالدرجة الأولى ليس فيها من الأدب إلا »الفراولة«، على حد تعبير بيار أبي صعب محرر الأخبار اللبنانية. وحسب العديد من المراقبين، فإن الرواية النسوية التي عادت بقوة إلى المملكة، تعتبر ضرورة حتمية ونتيجة طبيعية للتطور وحرب الانفتاح التي تقودها العديد من القوى داخل وخارج الملكة، وقد سجلت وسائل الاعلام العربية الخرجة التي قادها كاتب كبير مثل غازي القصيبي في دعمه المطلق لرواية »بنات الرياض« لرجاء الصانع التي كتب بشأنها العديد من المقالات في كبريات الصحف السعودية »الرياض« وصنفت من بين أكثر عشر روايات مبيعا في 2006. وآخر رواية صدرت بداية 2007 وهي »سعوديات« لإبراهيم بادي، التي أسقطت آخر الطابوهات في المملكة بتعرضها لظاهرة المثلية الجنسية في بلاد الحجاز، تكون بلاد الحرمين قد دخلت في مسار لا رجعة فيه للحد من سلطة النقاب وتشجيع رجاء وأخواتها وربما الانتصار لثورة رانيا الباز التي وصل صداها الى خارج الوطن العربي منذ ما يزيد عن أربع سنوات. زهية منصر : [email protected]