جاء "التخويف" الأمريكي من إعتداء ل"القاعدة" على طائرة بالجزائر، ليُعطي الإنطباع بأن في الأمر إنّ وأخواتها، فهل من المعقول أن تكتشف "المخابرات" الأمريكية مخططا لضرب النقل الجوي الخارجي فوق التراب الجزائري، دون أن تتفطن مصالح الأمن الجزائرية لذلك؟، أم أن التحذير الأمريكي، رسالة و"انتقام" سياسي أكثر منه "خدمة" أمنية، على خلفية رفض الجزائر لقاعدة عسكرية أمريكية بالصحراء الجزائرية؟، القرار الذي ثمنه الحلف الأطلسي مؤخرا. ترى أوساط مراقبة، أن البيان التحذيري للسفارة الأمريكيةبالجزائر، ليس بريئا، خاصة وأنه يأتي في وقت تكون فيه الولاياتالمتحدة قد "غضبت" من معارضة الجزائر لإنشاء قاعدة عسكرية فوق أراضيها الجنوبية، ويكون "الترهيب" الأمريكي، جاء ردا على تأكيد الجزائر مؤخرا على لسان وزير خارجيتها، بأنها "لن تقبل إقامة قواعد عسكرية على ترابها مهما كان البلد الذي تنتسب إليه"، ورغم أن الجزائر، أكدت بأنه "لم يتقدّم أي بلد بطلب بهذا الشأن للسلطات الجزائرية"، فإن واشنطن في ما يشبه الرّد المباشر، أعلنت على لسان سفيرها بالجزائر، أنها "لم تطلب في أي وقت من الأوقات إقامة قاعدة عسكرية في الجزائر". وهي "الردود" التي جاءت بعد ما أكد وزير الخارجية الجزائري، بشأن القيادة الجهوية الخاصة بإفريقيا، أنه لو كان الأمر كذلك "لكان الرد سلبيا، لأننا نعتبر أن وجود مثل هذه القواعد على ترابنا لا يتوافق وسيادتنا الوطنية وإستقلالنا"، مشيرا إلى أن قرار واشنطن "قرار يخصها وحدها"، وهو ما يكون قد "أغضب" البيت الأبيض، قبل أن يحذر رعاياه من إعتداء على طائرة تجارية بالجزائر، في إطار ممارسة الضغط لدفع هذه الأخيرة الى التنازل!. "الغضب" الأمريكي حتى وإن كان مكتوما، فإن السفير الأمريكي، أكد أنه "كلما طلبنا خدمة من أجهزة الأمن الجزائرية إلا وكانوا مستعدين ليقدموا لنا أفضل مساعدة ممكنة"، واصفا "عمل أجهزة الأمن الجزائرية بأنه جيد جدا"، وقبلها ذكر وزير خارجية الجزائر، بأن هذه الأخيرة تقيم مع أمريكا "تعاونا مثمرا للغاية في مجال مكافحة الإرهاب"، وإذا كان هذا التصريح يقصد تمرير رسالة مفادها ما الداعي لقاعدة عسكرية تخرق السيادة الوطنية، مادام هناك بين الجزائروالولاياتالمتحدة، تعاون ناجح في مجال محاربة الإرهاب دون قاعدة!، لكن لماذا تلجأ واشنطن إلى تحذير رعاياها بالجزائر، من إعتداءات إرهابية، إذا كانت تعترف بأن "عمل الأمن الجزائري جيّد جدا"؟. الرسالة الصادرة عن مسؤول الأمن في السفارة الأمريكية بتاريخ 12 مارس الجاري، والتي تحذر من "شنّ هجوم على طائرة تجارية تقل عمالا غربيين في الجزائر - دون أن تعطي تفاصيل خاصة بشركة طيران معينة أو توقيت الهجوم - تدفع أوساطا متابعة، إلى رسم علامات إستفهام أمام "تسرّع" أمريكا في نشر "تخويفها" بشكل تهويلي قبل أن تتأكد من "المعلومات" التي بحوزتها، وقبل أن تنسّق عملها مع السلطات الجزائرية، المخولة لوحدها بتأمين ضيوفها الأجانب وحماية مطاراتها؟. ومعلوم أن السلطات الجزائرية، إتخذت إجراءات إحتياطية مشدّدة، على حركة الطيران الداخلي والخارجي، منذ حادثة إختطاف الطائرة الفرنسية عام 1994، ولم تسجل منذ ذلك التاريخ، أية محاولة لإعتداء إرهابي على أيّ طائرة، علما أن هيأة أمن المطارات الدولية، أكدت العام الماضي، بأن مطارات الجزائر، من أكثر المطارات أمنا في العالم، وأنها الأكثر تشدّدا في رصد الإعتداءات الإرهابية، فما الداعي إذن إلى "التشكيك" الذي تحاول الولاياتالمتحدة بثه في هذا الوقت بالذات؟. ويبدو أن الإعتداء الذي إستهدف بضواحي بوشاوي، حافلة لنقل عمال في شركة "بروث أند كندور"، ثم إستهداف حافلة بعين الدفلى، تقل عمالا تابعين لشركة روسية، وهي الإعتداءات التي تبناها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، التي توعدت "بضرب المصالح الغربية"، هذا التطور "وظفته" الولاياتالمتحدة لرفع تحذيراتها من "القاعدة" بالجزائر، وتريد إستغلاله حسب متابعين، للضغط على الجزائر بهدف جرّها إلى قبول قاعدة عسكرية على ترابها تحت غطاء التعاون العسكري في مجال مكافحة الإرهاب. وكانت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية، أعلنت مؤخرا خلال زيارتها للجزائر، بأن مشروع إنشاء قيادة عسكرية لإفريقيا داخل البنتاغون، "يسمح لنا بأن نكون أكثر فعالية والعمل إلى جانب الشعوب الإفريقية"، وتؤكد المعطيات المتوفرة، بأن واشنطن لا ترغب في إقامة قاعدتها العسكرية بالشمال الإفريقي، إلا بالجزائر، على إعتبارها بوابة الساحل والصحراء، وفضاء إستراتيجي ينام فوق مصالح نفطية وبترولية تسيل اللعاب الأمريكي، وهو ما لا يتوفر عند بلدان أخرى كالمغرب وتونس وليبيا، وقد رمت أمريكا طعمها، بإدراج الجزائر ضمن قائمة البلدان التي سيتم تزويدها لاحقا بمعدات وأجهزة عسكرية أمريكية، حيث جاء في تقرير حول ميزانية المساعدات الخارجية، وتمّ تقديمه لوزارة الدفاع الأمريكية، مطلع شهر فيفري الماضي، بأن تزويد الجزائر بالمعدات العسكرية الأمريكية، "سيدعّم جهودها لتحديث قواتها المسلحة وإقتناء معدات حربية من الولاياتالمتحدة ضمن جهودها لتنويع مصادر السلاح وتحديث العتاد الحربي". ومع بقاء المساعدة العسكرية الأمريكية للجزائر في مجال التسلح، منذ التسعينيات مجرد "نوايا" فقط، إعتبرت كتابة الدولة الأمريكية في تقريرها، أن "العمل مع جزائر مستقرة آمنة وديمقراطية ضروري جدا للمصالح الوطنية الأمريكية"، مضيفة بأن الجزائر "تتقاسم مع واشنطن الإهتمام بمكافحة الإرهاب وهي بلد رائد يلعب دورا قياديا في العالم العربي وإفريقيا وحوض المتوسط ومصدر مهم ومستقر للغاز والنفط والغاز السائل"، وهو التصنيف الذي يدفع إلى الإعتقاد بأن هدف واشنطنبالجزائر، ليس عسكريا فحسب، وإنما التموقع بالسلاح الحربي فوق آبار النفط وثروة ما تحت الأرض، بإسم إقامة قاعدة عسكرية لملاحقة تنظيم "القاعدة".. الحقّ الذي يُراد به باطل!. جمال لعلامي:[email protected]