تعطي الصيغة الجديدة لقوانين المالية والتي ستدخل حيز التنفيذ سنة 2021، هوامش تحرك واسعة واستقلالية اكبر للمسيرين لتحديد المسؤوليات والتقييم بوضوح، خاصة بعد أن تقرر جعل مجلس المحاسبة الجهة المكلفة رسميا بالمصادقة على حسابات الدولة السنوية، بعد أن كان يكتفي بإعداد تقرير يبدي فيه ملاحظاته فقط، كما تقرر تقليص استعمال موارد صندوق ضبط الإيرادات، إذ لن يتعد مستقبلا حدود نسبة معينة من الناتج المحلي. وحسب مصادر من داخل لجنة المالية بالغرفة السفلى للبرلمان، فوزير المالية عبد الرحمان راوية وخلال عرضه لمشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالي أمام لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني أكد أن "هذا المشروع يؤسس لمبدأ الموازنة الموجهة نحو النتائج انطلاقا من أهداف محددة سلفا وليس حسب طبيعة النفقات"، مثلما هو عليه الوضع في الوقت الراهن، مما يعني أن الحكومة ستضع حدا لمسألة عجز الميزانية الذي تسجله بصفة دورية منذ سنوات. وضمن هذا الإطار نقل راوية لأعضاء اللجنة أن طريقة التسيير الموازناتي الذي يجسده القانون الجديد المقترح يمنح استقلالية اكبر للمسيرين، الأمر الذي يقتضي مسؤولية اكبر من جانبهم لاعتبارات علاقة مباشرة بمعايير التقييم ومراقبة أداء كل وزير وكل مسؤول محلي من المصنفين في خانة الآمرين بالصرف. وأوضح راوية ان التسيير الموازناتي في صيغته الجديدة يستند على ميزانية البرامج، حيث يقدم ضمن إطار متوسط المدى من حيث النفقات، ويمنح ذلك حرية اكبر للمسيرين في تسيير البرامج، اذ سيسمح بإجراء نقل وتحويل الاعتمادات المالية وفق إجراءات محددة لكي لا يكون هناك انحراف عن الأهداف المسطرة بالبرامج. وأكد الوزير، بأنه لا تراجع عن مبدأ السنوية في مجال المالية العمومية، غير ان البرامج الحكومية تتعدى الإطار السنوي، خاصة وان الأمر يتعلق بتنفيذ سياستها العمومية، وعلى هذا الأساس سيتم استثناء تطبيق مبدأ السنوية بالنسبة لنفقات تجهيز برنامج بعينه، مشيرا إلى ان النقل المترتب عن ذلك لا يفوق نسبة 5 بالمائة من الاعتماد المالي. الإطار الجديد في التسيير الموازناتي، أو بمعنى أصح تسيير ميزانية الدولة بضفة سنوية والذي شكل جلسة عمل جمعت راوية بأعضاء لجنة المالية بالبرلمان، يؤسس لصيغة جديدة تتعلق بوضع "محافظ برامج" لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية والتي تتفرع بدورها الى برامج وبرامج فرعية وأعمال من خلال دمج ميزانيتي التسيير والاستثمار في حساب واحد، موازاة لمراجعة هيكلة قوانين المالية، حيث ستتضمن في الصيغة الجديدة أربعة أجزاء بدل جزئين، حيث ستقسم مدونات الميزانية حسب الوظيفة والطبيعة الاقتصادية للنفقات وحسب الوظائف الكبرى للدولة ووفق الوحدات الإدارية وهو ما سيوفر شفافية افضل بالنسبة للمعلومات الميزانية ويسمح بتحسين تقديم قوانين المالية ومحتوياتها للحصول على نصوص أوضح. وفي الشق المتعلق بحسابات التخصيص الخاص، أوضح راوية، بأن هذه الصناديق ستكون مؤطرة بضرورة وجود صلة مباشرة بين الإيرادات المخصصة والنفقات وهو ما سيؤدي إلى تقليص عددها بصفة تدريجية، كما ستمكن الصيغة الجديدة لقوانين المالية من معالجة إشكالية إعادة التقييم المفرط للمشاريع، أما بخصوص صندوق ضبط الإيرادات فقررت الحكومة حسب التنظيم الجديد مراجعة حدود استخدامه مع إمكانية فتح في كتابات الخزينة حساب تخصيص خاص من شأنه احتواء فائض توقعات الموارد الجبائية للمحروقات، غير ان استعمال موارد هذا الحساب، أي صندوق ضبط الايرادات لن يتعد حدود نس ة معينة من الناتج المحلي الخام سيتم تحديدها بموجب قانون المالية. كما ينص مشروع القانون الجديد أيضا على إمكانية فتح في حالة الاستعجال اعتمادات مالية من طرف الحكومة عن طريق مراسيم مسبقة على أن لا يتجاوز المبلغ المتراكم لهذه الاعتمادات المفتوحة بهذه الكيفية نسبة 3 بالمائة من اعتمادات قانون المالية / وتخضع التعديلات المدرجة لموافقة البرلمان في مشروع قانون المالية التصحيحي الموالي. كما ينص على إمكانية التكيف مع التغيير في الهياكل الحكومية الذي يؤدي إلى تغيير في تنظيم الدوائر الوزارية. وبموجب القانون المقترح ستعرض الحكومة امام البرلمان قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة المالية تقريرا حول الاستراتيجية متعددة السنوات لجميع الإدارات العمومية وهو ما يتيح إجراء تقييم شامل لتمويل السياسات العمومية.