مع حلول شهر رمضان من كلّ عام، يشتدّ التّنافس بين القنوات الفضائية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المتابعين، من خلال برامج يتمّ إعدادها مسبقا لتبثّ في الشّهر الفضيل؛ بعضها دينيّ، وبعضها الآخر اجتماعيّ ترفيهيّ، وهذا النّوع الأخير من البرامج هو ما تعوّل عليه القنوات وتتعمّد بثّه في ساعات الإفطار، التي هي من أثمن وأغلى السّاعات في رمضان، كيف لا وهي ساعات تجاب فيها الدّعوات، وتصلّي فيها الملائكة على الصّائمين والصّائمات، وتفرح فيها الأنفس المؤمنة بالصيام وتتأهّب للقيام. ساعة الإفطار تناسبها برامج قصصية تجمع بين التّشويق والمتعة الهادفة، أو على الأقلّ برامج تُجِمّ النّفوس وتفرح القلوب، بأعمال تُلتزم فيها آداب الدّين وأخلاقه.. لكنّ المتابع لما تبثّه القنوات الخاصّة في هذه السّاعات، يجد أنّ أغلبها تقدّم برامج ترفيهيّة، تعتمد الإثارة، ولا ترعى أدبا ولا خلقا ولا ذوقا، وربّما يقع معدّوها وممثّلوها في محظورات كثيرة، لعلّ من أبرزها التّرويع الذي أصبح يمثّل المادّة الأساسية في برنامج الكاميرا المخفية، حيث يعمد معدّو البرنامج إلى مفاجأة ضحاياهم بمواقف محرجة ومخيفة، تخرجهم عن طوعهم وتبثّ في نفوسهم الرّعب، تنتهي في أكثر الأحيان بسكوت الضّحايا على مضض، وهذا العمل هو ممّا نهى عنه الشّرع أشدّ النّهي، في نصوص كثيرة، منها حديث الرّجل الذي نام فانطلق بعض الصّحابة إلى حبل معه فأخذه، ففزع الرّجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما".. بعض القنوات وصل بها الأمر إلى حدّ بثّ برامج هزلية تتضمّن استهزاءً مبطّنا ببعض شعائر الدّين، وبرامج يلجأ فيها بعض الممثّلين والفنّانين المنحرفين من رواد الكباريهات وعلب اللّيل إلى قاموس الكلمات السوقية المبتذلة، متذرّعين بأنّها عبارات معهودة في واقع النّاس، وأنّ الهدف منها هو إضحاك المشاهدين لا أكثر! هؤلاء لم يعد كافيا أن يطلق عليهم وصف "لصوص رمضان"، وهم الذين يظهر من سعيهم أنّهم اختاروا أن ينوبوا عن مردة الشّياطين التي صفّدت في أوّل ليلة من رمضان! وربّما لا ينفع أن توجّه إليهم النّداءات بأن يتّقوا الله في شهر الرّحمات والدّعوات، لذلك فالنّداء يوجّه إلى الصّائمين والصّائمات بأن يقاطعوا هذه البرامج التّافهة التي لا تراعي حرمة الشّهر الفضيل، ولا ترعى حرمة العائلات الجزائرية المسلمة ولا تهتمّ بذوق ولا أدب.. يقول الله تعالى: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون)) (الأنعام، 68- 69).