على مدار أكثر من قرن وربع القرن من الزّمان، حاول الاستعمار الفرنسي الصّليبيّ اجتثاث الإسلام من أرض الجزائر الطيّبة، وسعى إلى إبعاد الدين عن التعليم والثّقافة وعن الواقع، وحارب الزوايا ومدارس تحفيظ القرآن، وأغلق المساجد وحوّل بعضها إلى إصطبلات، وسعى إلى طمس كلّ مظاهر الدين… لكنّه بعد 132 سنة من المكر والإرهاب، مني بالفشل الذّريع، وفوجئ بأنّ الشعب الجزائري المسلم، مهما بدت منه بعض المظاهر التي تغري الحاقدين، إلا أنّه شعب غيور على دينه، يوجّه صفعات موجعة للمتربّصين بهويته كلّما أحسّ بأنّ دينه أصبح غرضا وهدفا. لقد سجّل التاريخ أنّ الحاكم الفرنسي في الجزائر، كان ينادي قائلا: "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم"، وسجّل التاريخ أيضا أنّ فرنسا الصليبية وفي سنواتها الأخيرة على أرض الجزائر، أرادت أن تختبر نجاح مخطّطها في فرنسة المجتمع الجزائريّ، فانتقت 10 فتيات مسلمات جزائريات، ألحقتهنّ بالمدارس الفرنسية ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، وألبستهن اللّباس الفرنسيّ، وبعد 11 سنة من التكوين الموجّه لطمس هويتهنّ، هُيّئت لهنّ حفلة تخرج؛ دُعي إليها المسؤولون والصحفيون، وحين بدأ الحفل ودعيت الطالبات للخروج أمام الحضور، فوجئ الجميع بأنّ الفتيات الجزائريات خرجن بلباسهن الإسلامي الجزائري (الحايك)، فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور قرن وربع القرن من الزّمان؟! فما كان من "لاكوست" وزير المستعمرات الفرنسي يومها إلا أن أجاب قائلا: "وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟". هؤلاء الذين أشربوا في قلوبهم العجل الفرنسيّ! ماذا يصنع لاكوست إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟ وماذا يصنع أبناؤه وأحفاده إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟ ماذا يصنع أذناب فرنسا ومحبّوها إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟ ماذا يفعل الذين أشربوا العجل الفرنسيّ في قلوبهم وصاروا يعيشون بأجسادهم على أرض الشهداء ويتنفّسون هواءها النقيّ، لكنّ قلوبهم في فرنسا؛ ماذا يفعلون إذا كان القرآن أقوى منهم ومن فرنسا؟ القرآن أقوى من فرنسا ومن أذنابها وحزبها وعملائها.. وقد رأينا الجمعةَ قبل الماضية بفضل الله مصداقا من مصاديق هذه الحقيقة.. حين ظهرت نتائج امتحان البكالوريا، وفرح أبناؤنا النّاجحون، نسأل الله أن يبارك نجاحهم، ويوفّقهم في دراستهم ويجعلهم ذخرا لأمّتهم.. كان يوما من أسعد الأيام في حياة أكثر من 38 ألف طالب جزائري نجحوا في الامتحان، لكنّه كان يوما كئيبا في حياة كثير من العلمانيين ودعاة التغريب والمفرنسين الذين يتمنّون للمدرسة الجزائرية أن تكون بعيدة عن القرآن وعن التربية الإسلامية، فرنسية اللّسان والوجهة.. كان يوما حزينا كئيبا عند أدعياء الإصلاح الذين "إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُون".. لأنّ المتفوّقين في امتحان البكالوريا هذا العام، وككلّ عام، كانوا من الملتزمين، من خريجي المدارس القرآنية، وكثير منهم من حفظة كتاب الله. خرّيجو المدارس القرآنية يصفعون أدعياء الإصلاح لقد قالت قائلة العلمانيين ودعاة التغريب يوما وبئس ما قالت، قالت إنّ تلاميذ المدارس القرآنية معرَّبون وضعيفو المستوى! فجاءها الردّ صفعة مدوية، عندما ظهر أنّ الأوائل في شهادة البكالوريا هم من خريجي المدارس القرآنية وبعضهم يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب.. وكان لافتا أنّ الطالبات المتفوّقات جلّهنّ -ولله الحمد- يلبسن الحجاب الواسع وليس حجاب الموضة. ابنتنا وابنة الجزائر صاحبة المرتبة الأولى وطنيا في شهادة البكالوريا، الطّالبة صابرينة بودينة، التي حصلت على معدّل 18.95 في شعبة العلوم التجريبية، هي فتاة محجّبة حجابا محترما.. أمّا صاحبة المرتبة الثانية، الطالبة آية هويدي، من ولاية الوادي، التي حصلت على معدّل 18.91 في شعبة العلوم التجريبية، فهي علاوة على كونها محجّبة، حافظة لكتاب الله.. ابنتنا وابنة الجزائر مريم دمارجي، من ولاية المدية، الحاصلة على معدّل 18.90، هي أيضا حافظة لكتاب الله ومحجّبة.. ابنتنا وابنة الجزائر أسماء غازيباون، من ولاية بومرداس، الحاصلة على معدل 18.60 في شعبة العلوم التجريبية، هي أيضا طالبة محجّبة وملتزمة.. ابننا وابن الجزائر شمس الدين حديبي، من ولاية عنابة، الحاصل على أعلى معدل في شعبة تقني رياضي، 18.48، حافظ لكتاب الله.. ابنتنا وابنة الجزائر مدينة بلقوادرية صاحبة أعلى معدل في ولاية سكيكدة، 18.87، شعبة علوم تجريبية، هي أيضا حافظة لكتاب الله ومحجّبة… وهكذا جلّ المتفوّقين والمتفوّقات بفضل الله. الظّلاميون يثبتون تفوّقهم! سنوات توالت وتتابعت، ودعاة التغريب يدّعون أنّ المدارس القرآنية تتسبّب في تدنّي مستوى التلاميذ، ويزعمون أنّ التربية الإسلاميّة لا فائدة منها وينبغي التخلّي عنها، وها هم أبناؤنا، صابرينة وآية وشمس الدّين ومريم وأسماء ومدينة، يردّون على دعاة التّغريب، ويوجّهون إليهم صفعة مدوية، ولسان حالهم يقول: "ماذا ستفعلون إذا كان القرآن أقوى من فرنسا وأوليائها؟" لقد قالت قائلة دعاة التغريب وهي تتودّد إلى الإعلام الفرنسيّ، قالت إنّها انتزعت المدرسة الجزائرية من أيدي الظلاميين! فماذا ستقول لهذا الإعلام الذي يرى ويقرأ ويسمع أنّ المتفوّقين في أهمّ امتحان في الجزائر هم ممّن يصنّفون على أنّهم ظلاميون؟ إذا كان دعاة التّغريب لا يهمّهم أن يفهموا الدّرس لأنّهم مكلّفون بمهمّة لن يتخلّوا عنها، وينشدون هدفا واحدا لن يتنازلوا عنه، هدفا بعيدا كلّ البعد عن إنقاذ التعليم وإصلاحه، ولا أدلّ على ذلك من أنّه ورغم مرور أكثر من عقد من الزّمان على بدء الإصلاحات المزعومة، لا يزال تعليمنا في ذيل الترتيب في التصنيفات العالمية، يحتلّ المرتبة 22 عربيا، وفي المراتب الأخيرة عالميا بعد الصومال وليبيا وجيبوتي والنيجر! هذا فضلا عن أنّ كثيرا من مدارسنا غدت مرتعا لبعض الآفات الاجتماعية؛ فأين إصلاحاتكم أيها الفرانكفونيون؟ أين أجيالكم التي بشّرتم بها؟ أم أنّ تطوير التّعليم ليس أولوية عندكم إنّما أولويتكم فرض لغة المستعمر ومحاصرة التربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ؟ كِتَابٌ مُبَارَك إذا كان دعاة التغريب لا يريدون أن يفهموا درس نتائج البكالوريا، فينبغي لنا نحن أن نفهمه ونعيه ونحفظه؛ ينبغي لنا أن نرغّب أبناءنا في تلاوة القرآن وحفظه، وفي أن تكون مظاهرهم لائقة بشباب الإسلام، وفي أن يكون المتفوّق شمس الدين حديبي الحافظ لكتاب الله والمتفوّق في شهادة البكالوريا قدوة لهم.. ينبغي أن نرغّب بناتنا في حفظ كتاب الله وفي لبس الحجاب الواسع، وفي أن تكون المتفوّقات المحجّبات الحافظات لكتاب الله قدوة لهنّ، ينبغي أن تكون صابرينة بودينة وآية هويدي ومريم دمارجي وأسماء غازيباون ومدينة بلقوادرية، قدوة لبناتنا وفتياتنا. ينبغي أن نعلّم أبناءنا وبناتنا أنّ القرآن كتاب مبارك، ونذكّرهم بين الحين والآخر بقول الله تعالى: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ"؛ كتاب يبارك في عمر العبد المؤمن وفي وقته ودراسته وعمله، وفي رزقه وصحته، وفي كلّ أموره؛ فالقرآن ما خالط شيئا إلا باركه.. إذا أخذ الطّالب من يومه وقتا للقرآن فإنّ الله يبارك في وقته ويفتح على عقله وقلبه ولسانه وقلمه ويزيد ذكاءه وفطنته وحفظه؛ وقديما قال العلماء: "قارئ القرآن لا يخرف"، وقالوا: "أبقى الناس عقولا قرَّاء القرآن".