عابد شارف: abed_charef@hotmail.com توصل باحثون وخبراء يهتمون بالديمقراطية في العالم العربي إلى نتيجة غريبة خلال لقاء بعمان نظمته المبادرة العربية للإصلاح: فقد أجمع هؤلاء على أن الديمقراطية أصبحت مطلبا رسميا ودعائيا قويا من طرف الدول الغربية، خاصة الولاياتالمتحدة، لكن التصرف اليومي للغرب يؤدي إلى تراجع الديمقراطية والإصلاحات في البلدان العربية ويشكل العائق الأول الذي يمنع التفتح. ولم يكن هذا الموقف صادرا من أهل سلطة يتباكون على أعمال أمريكا لتبرير جمودهم ورفضهم للتفتح، إنما جاء من خبراء وباحثين مستقلين وأهل سياسة، منهم عدد من الأوربيين الذين برهنوا على قناعاتهم ميدانيا. كما أن هؤلاء الباحثين ركزوا كذلك على الجمود السياسي العربي الذي يكمل الموقف الغربي. واستنادا للتجربة الفلسطينية، قال خليل الشقاقي، وهو باحث في مركز دراسات فلسطيني: هل الديمقراطية تمثل الطريق الأفضل للوصول إلى السلطة؟ وأضاف أنه من الواجب طرح هذا السؤال لأن الدول الغربية سبق لها وأن انتقدت وصول أنظمة إلى السلطة بطريقة غير ديمقراطية، لكن انتقاداتها لم تبلغ أبدا ما وصلت إليه تجاه الفلسطينيين، حيث اختار الغرب أن يحاصر الفلسطينيين اقتصاديا بعد أن اختاروا حكومتهم بطريقة ديمقراطية حسب ما قاله ساسة غربيون بارزون. ولاحظ الشقاقي أن حركة حماس انتصرت في الانتخابات بفضل مساندة البسطاء والفقراء، لكن هذه الفئات هي التي تضررت أكثر بعد حصار الحكومة الفلسطينية من طرف إسرائيل وما يسمى "المجتمع الدولي"، وهو نفس المجتمع الدولي الذي ينادي مرارا بالديمقراطية. واتضح من خلال التجربة الفلسطينية أن "الديمقراطية" تعني بالنسبة للغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن لما أدت الديمقراطية إلى مسار آخر، أراد نفس المجتمع الدولي تغيير نتائجها ثم حاول تحطيمها بالحصار. ومن هنا يقول خليل الشقاقي أن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم يخضعون لأجندة أمنية agenda sécuritaire في مرحلة كانوا بحاجة إلى بناء مؤسسات. وتغير محتوى الديمقراطية، حيث أنها استعملت في السنوات الماضية لعزل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قبل أن تستعمل اليوم لمساندة الرئيس الفلسطيني محمود عباس... ومن جهته لا حظ رئيس منظمة فلسطينية تناضل من أجل الشفافية ومحاربة الرشوة أن عداوة الغرب لمنظمة حماس لم تدفع الفلسطينيين إلى الابتعاد عن حركة حماس. وقال هذا المناضل اللائيكي، إن الفلسطينيين مازالوا يعتقدون أن حماس لم يفشل لأنه لم يجد الفرصة لتطبيق برامجه ووعوده، ويمكن أن يكون ذلك حقيقة لكنه يمكن أن يكون عذرا فقط لتبرير الفشل. أما صبري بحار، وهو وزير أردني سابق، فقد تساءل، هل إصلاح الأنظمة العربية ممكن دون تدخل أجنبي؟ وحقيقة الأمر أن سؤاله ذو حدين، حيث يمكن أن يوحي أنه يوافق التدخل الأجنبي لفرض الإصلاح مثلما تزعم أمريكا في العراق، كما يوحي أن الأنظمة تعفنت إلى درجة أنها أصبحت عاجزة عن أي بناء مستقبلي. لكنه لاحظ أن الإصلاح السائد اليوم هو ذلك الذي يأتي مفروضا من الخارج، مع أنه "حيثما يوجد تدخل خارجي تكون الكارثة"، مثلما أثبتت ذلك تجارب العراق وفلسطين. وتساءل كذلك عن إمكانية الإصلاح في البلدان العربية، قائلا: "من الذي يقوم بالإصلاح؟ هل تقوم به السلطة أو الشارع؟". وفي نفس السياق، قال هنري سيغمان Henri Seagman، مستشار أمريكي في السياسة الخارجية، إن الولاياتالمتحدة "حطمت مصداقية الإصلاح بتصرفها تجاه فلسطين، حيث لم تكتف الإدارة الأمريكية برفض نتائج الانتخابات، بل ذهبت إلى حد محاولة تغييرها". وقال مدير معهد دراسات إستراتيجية في الخليج أن إدماج الديمقراطية في البلدان العربية يتطلب حدا أدنى من الديمقراطية في العلاقات الدولية. رغم ذلك، فإن التوازنات في الشرق الأوسط مازالت من فعل أربع أطراف فقط، وهي أمريكا، وأوربا، وإسرائيل وإيران. ولاحظ أنه ليس للعرب دور في المعادلة رغم أنها أوطانهم، مما يؤدي إلى ضعف الأنظمة وتمسكهم بالسلطة ورفضهم للتفتح والإصلاح. واعتبر أنه لا بد من البحث عن دور للعرب حتى يشاركوا فعليا في القرار الدولي، مما يؤدي بالأنظمة إلى تقبل أكبر للتفتح. ومن جهته، رافع فلاديس بيركيس، الوزير الأول الأسبق لجمهورية ليتوانيا، لصالح الإصلاح الذي يحقق توازنا بين متطلبات الأمن من جهة، واحترام القانون والحريات من جهة أخرى. وقال إن سلسلة من صبر الآراء تم إجراؤها في المغرب وفلسطين ولبنان أكدت أن المواطنين يؤمنون بالديمقراطية كوسيلة لحل مشاكلهم. وبسبب غياب الديمقراطية، فإنهم يشعرون أنهم محرومون من استعمال وسيلة أساسية لحل المشاكل، وهو ما يثير الغضب والشعور بالحرمان. وانتقد بشدة تصرف الولاياتالمتحدة في المنطقة، قائلا أنه من السهل اتخاذ قرار لإعلان الحرب، لكن حل مشاكل ما بعد الحرب يتطلب وقتا أطول بكثير من مدة الحرب نفسها. وذهب الوزير الأول النرويجي الأسبق باندفيش، الذي كان يشغل هذا المنصب يوم قررت الولاياتالمتحدة احتلال العراق، إلى أبعد من ذلك حيث أشار صراحة إلى مسئولية الدول الغربية في انعدام الإصلاحات في البلدان العربية. وقال أن الرئيس الأمريكي جورج بوش اتصل به يومها ليطلب منه أن يشارك في غزو العراق، لكنه رفض. وقال إن حجته كانت مبنية على قضايا بسيطة، حيث قال إن جورج بوش لم يكن مكلفا بذلك من طرف الأممالمتحدة، وأن هناك طرق ووسائل أخرى لدفع العراق نحو التغيير، وهي الوسائل التي لم يتم استعمالها، وأن تبرير أمريكا لغزوها بأسلحة الدمار الشامل لم يكن مقنعا. كما أشار الوزير الأول النرويجي إلى عدم تفهم شامل للغرب تجاه البلدان العربية والإسلامية، حيث ذكر مثل كتاب مدرسي في الدانمارك يزعم أن "المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين، لكن كل الإرهابيين مسلمون"... غير أن الغرب ليس المسئول الوحيد عن عدم تغيير الأنظمة العربية. وقالت أمينة مسعودي، أستاذة علوم سياسية في المغرب، أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى تحويل الإصلاحات من ضرورة سياسية إلى قضية ثانوية: ظهور مواجهات عنيفة أدت إلى اعتبار الإصلاح كقضية ثانوية، وبروز توترات بسبب احتمال وصول قوى أصولية إلى السلطة بواسطة الانتخابات، وصمود الأنظمة القائمة التي ترفض التغيير. لكنها تساءلت هل أن التخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم كانت مجرد حجة لرفض الإصلاحات، وهل يجب أن نخاف من وصول الإسلاميين إلى السلطة؟ ومن الغريب أن نساء مناضلات من أجل حقوق الإنسان كانت أشد انتقادا للأنظمة التي ترفض التفتح بحجة التخوف من الإسلاميين. ولاحظت إبتسام كيتمي، وهي أستاذة علوم سياسية في جامعة الإمارات، أن "الأنظمة تستعمل الحجة الإسلامية، لكن هل أبدت هذه الأنظمة تفتحا مقنعا تجاه التيارات الديمقراطية"؟ "عكس ذلك، فإن البلدان العربية "أقامت أنظمة مستبدة، التي تتعامل بطريقة تؤدي إلى ظواهر مثل الرشوة، التي تشكل بدورها تربة خصبة للتجنيد لصالح التيارات الإسلامية، وهكذا تدور الحلقة المفرغة". وجا حميدة نيفر، وهو أستاذ الحضارة الإسلامية بتونس، بنظرته الخاصة لما قال أن الإسلاميين والذين يتبنون العصرنة يرفضون على حد السواء أي دور للمؤسسات الدينية التقليدية، مما يمنع المؤسسة الدينية من التغيير. واعتبر أن الإسلاميين و"العصرانيين" يعتبرون أن "المؤسسة الدينية تشكل عائقا يمنعهم من تحقيق أهدافهم، حيث يكتفي الإسلاميين بتمجيد ماض يكاد يكون أسطوريا، بينما يركز الطرف الآخر على الانحطاط ليدافعوا عن فكرة فصل الدين عن الدولة، وكأن الأفكار تبقى جامدة إلى الأبد". ولاحظ كذلك غياب تلم للنقاش بين الإسلاميين والعصرانيين، رغم أنهم يوجدون في الكثير من البلدان ضحية نفس الاضطهاد. كما أشار إلى هذه الظاهرة الغريبة، حيث قال أن الإسلام عقيدة وإيمان قبل كل شيء، لكن الإسلاميين انتشروا بفضل العمل الاجتماعي، بينما دعاة العصرنة يدعون أنهم يريدون تحسين أحوال المجتمع لكن لا نجد لهم وجودا يذكر في الأوساط الاجتماعية. وقال أنه من الممكن تجاوز هذه الخلافات التي اعتبرها سطحية، وأن السبيل لذلك يكمن في تجاوز جمود الإيديولوجيا واللجوء إلى مرونة السياسية". واختتم بفكرة فاجأت الكثير لما قال أن الإسلام السياسي، "رغم ضعفه الفكري، يبقى معاديا لقواعد السوق المطلقة، كما يبقى معاديا للتكنولوجية التي لا تحمل أخلاقا وقيما إنسانية". هل يمكن تجاوز ثقل كل هذه العوائق التي منعت البلدان العربية من الشروع في الإصلاح؟ هنا قالت بسمة غدماني، رئيسة منظمة المبادرة العربية للإصلاح، أن السنوات الأخيرة فرضت على العالم العربي أن يعطي أولوية للقضايا الأمنية على حساب الإصلاحات. 11 سبتمبر، غزو العراق، حرب لبنان، كانت كلها أحداث جعلت من العمل السياسي ومن الإصلاحات قضية ثانوية. وبذلك أصبح المبرر الأمني ينافس حجة التهديد الإسلامي لتجاهل الإصلاحات، رغم أن الظاهرتين مرتبطتين وتشكلان واجهتين لعملة واحدة.