أثبتت الظروف التي أحاطت بتسيير الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) لملف المدرب الجديد للمنتخب الوطني الأول، للمرة الألف الطريقة الهاوية التي تدار بها هذه الهيئة، خاصة في ما يتعلق بالمسائل والقضايا الهامة، وفي الوقت الذي تريد الفاف تصوير تمكنها من إيجاد مدرب يقود سفينة "الخضر" على أنه إنجاز أو نجاح، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك تماما. بل وسقطت الفاف مرة أخرى في وحل الإخفاق، بسبب العشوائية والتخبط اللذين ميزا الطريقة التي اعتمدت لانتداب المدرب الجديد، الذي كان إلى وقت قريب "مدربا موندياليا وعالميا" واسما "ثقيلا" مثلما تغنى به الرئيس خير الدين زطشي ووزير الشباب والرياضة محمد حطاب خلال خرجاتهما الإعلامية الأخيرة. المشكلة لا تتعلق بشخص المدرب الجديد جمال بلماضي ولا بمؤهلاته أو قدراته التدريبية، وخبرته التي اكتسبها من خلال مشواره الطويل في الملاعب في بطولات فرنسا وإسبانيا وإنجلترا، ولا تتعلق بمشواره التدريبي في قطر كمدرب لفريقي لخويا والدحيل اللذين نال معهما الكثير من الألقاب والمنتخبين القطري الأول والثاني اللذين توج بألقاب معهما أيضا، لأنه حقق هناك نجاحا منقطع النظير بشهادة القاصي والداني، وهذا أمر لا يمكن لأي أحد أن يجادل أو يناقش فيه. المشكلة هي أن الفاف والوزارة قامتا ببيع "الوهم" للرأي العام وجماهير المنتخب بشكل خاص، قبل أن يقررا انتداب مدرب بعيد عن "العالمية" التي طالما تغنيا بها، وهذا يدل على عدة أمور أبرزها: أن التعاقد مع بلماضي لم يكن وفق معايير تقنية مضبوطة ومعروفة في ميدان التدريب، وإنما عبر اللجوء إلى "آخر الحلول" وأسهلها، انتداب بلماضي جاء تحت ضغط الشارع وبسبب ضيق الوقت، انتدابه أيضا بعد فشل الفاف في كل مفاوضاتها مع "المدربين الموندياليين والعالميين" الذين كشف عنهم الرئيس خير الدين زطشي مرارا وتكرارا وبشكل علني (هيرفي رونار، وحيد خاليلوزيتش، كارلوس كيروش)، واضعا نفسه تحت ضغط كان في غنى عنه، لو التزم بالهدوء والصمت والتريث، قبل اختيار المدرب المستهدف ووفق المعايير التي تحدث عنها. رئيس الفاف لم يستشر أهل الاختصاص مثلما ادّعى ونقصد هنا المديرية الفنية الوطنية التي بها مدربان يملكان من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهما لتقديم يد المساعدة وهما رابح سعدان وبوعلام شارف، ولم يقم رئيس الفاف أيضا بتنصيب لجنة لانتداب المدرب الجديد مثلما زعم مؤخرا، لأنه لا وجود لها أصلا، بل قام بنفس الخطوة التي أقدم عليها العام الماضي عندما تعاقد مع الإسباني لوكاس ألكاراز بشكل انفرادي، وهو اليوم غيّب وأقصى أعضاء المكتب الفدرالي من مشاركته اتخاذ القرارات، واحتكر سلطة القرار والمعلومات المتعلقة بالمدرب الجديد رفقة عضو أو عضوين فقط، فضلا عن تدخل وزارة الشباب والرياضة في الأمر عبر إيفاد أحد إطاراتها إلى باريس للمشاركة في المفاوضات التي جمعت زطشي والمناجير حكيم مدان مع بلماضي. وقام رئيس الفاف بالاستغناء عن المدرب السابق رابح ماجر، دون أن يضع طاقما مؤقتا، يشرف على الأقل على تحضير المقابلة الرسمية أمام غامبيا مطلع شهر سبتمبر المقبل، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة، وهنا توضع مصداقية الفاف على المحك مجددا، بما أنه لا أحد تابع حالة اللاعبين الدوليين أو تواصل معهم، فمنهم من يعاني إصابة، ومنهم من قام بتغيير النادي، ومنهم من ليس في قمة الجاهزية، وبالتالي تطرح تساؤلات أخرى هنا: من سيقوم بإعداد قائمة مباراة غامبيا؟ وأي معيار سيستند إليه لإعدادها؟ الحكم على نجاح بلماضي أو فشله في مهمته الجديدة لن يحسم فيه سوى الميدان، لكن تكرار الفاف لنفس الأخطاء التقديرية والوقوع في العشوائية والتخبط عند اتخاذ القرارات بخصوص القضايا المهمة، وكذا بقاء المحيط المتعفن الذي يخيم على المنتخب والاتحادية، لن يغيّر من الوضع شيئا، لأن المطلوب اليوم هو ضرورة توفير كل وسائل النجاح و"الحماية" لهذا المنتخب من كل المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تؤثر عليه سلبا.