صدر بالجريدة الرسمية الأسبوع الماضي النص المنظم لعمل البنوك الجزائرية بالصيرفة الإسلامية تحت مسمى (الصيرفة التشاركية). خطوة أولى على طريق طويل مازالت المصارف الإسلامية في بدايته فيما له علاقة بتطبيقات المالية الإسلامية ضمن نماذج التنمية. الغنم بالغرم وينص التنظيم الجديد على السماح للبنوك الجزائرية بالتعامل بعقود الصيرفة الإسلامية عبر سبعة منتجات محددة ولكن بصفة مستقلة عن باقي المنتجات التقليدية كما أن الشبابيك الخاصة بهذا النوع من العقود تعمل بصفة مستقلة ضمن الإدارة العامة للبنك ويتعلق الأمر بالمشاركة والمضاربة والمرابحة والإجارة والاستصناع وبيع السلم وشهادات الاستثمار، وجميعها منتجات تخضع لقاعدة (الغنم بالغرم) أو (البيع بالضمان) أو (تقاسم الأرباح والخسائر) ما يعني توزيعا إحصائيا طبيعيا للمخاطر عكس المنتجات البنكية التقليدية التي تجعل التوزيع الإحصائي للمخاطر متحيزا للزبون وليس للبنك بفعل آلية الفائدة البنكية أي آلية (الربا). أصول ب 1700 مليار دولار وهناك عبر العالم 400 مصرف تعمل بصيغ الصيرفة الإسلامية تتمتع بحجم من الأصول يقدر ب 1.7 ترليون دولار (1700 مليار دولار) وتستثمر قريبا من 400 مليار دولار في شكل (صكوك اسلامية) وتنمو بمعل 15 إلى 25 من المائة سنويا وهو أعلى معدل نمو بين البنك في العالم على الإطلاق حيث لا يتجاوز نمو البنك التقليدي ال 12 بالمائة سنويا . وتعكس تجربة الصيرفة الإسلامية عبر العالم انتشارا مقبولا في الدول الإسلامية بشكل خاص مادامت تحقق أرباحا لكلا الطرفين الزبون والمصرف، ونفس الشيء خارج البلاد الإسلامية حيث أثبتت آلية (الصكوك الاسلامية) فعالية تمويلية في أشهر العواصم المالية عبر العالم أي لندن ونيويورك وطوكيو وباريس. وعلى صعيد القيمة السوقية للمصارف الإسلامية التي تحوّلت إلى شركات مساهمة وأدرجت في عديد البورصات الكبرى يحتل بنك الراجحي السعودي الرتبة الأولى بقيمة قدرها 28.7 مليار دولار متبوعا ببنك التمويل الكويتي (12.5 مليار دولار) ثم بنك الريان القطري (10.6 مليار دولار) ثم مصرف الإنماء السعودي (9.5 مليار دولار)، وتأتي بعدها بنوك أخرى مثل بنك دبي الإسلامي والبركة والسلام وبنك أبوظبي الإسلامي وغيرها، ويتوقع أن تلتحق محفظة الشبابيك الإسلامية في البنوك الجزائرية بنفس الوتيرة بالنظر الى وعاء السيولة في سوق الصرف غير الرسمي الذي يلامس 27 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية و40 مليار دولار حسب رأي الخبراء، وبالنظر أيضا إلى ادخار العائلات والشركات الخاصة وبعض شركات القطاع العام. توجيه السياسة النقدية وتلعب فكرة البنوك الإسلامية دورا رئيسا في توجيه السياسة النقدية للدولة حسب معادلة الطلب على النقود حيث لا يطلب النقد لذاته عبر آلية الفائدة ولكن يطلب لهدفين اثنين هما المتاجرة والعقود الاستثمارية ما يعني توازن العرض والطلب ومن ثمة استقرار التضخم وسعر الصرف والسماح لسوق رأسمال من تمديد توقعاتها للمديين المتوسط والبعيد عكس الوضع الراهن الذي يغلب عليه السوق النقدي المبني على العمليات العاجلة وهو ما تحتاجه فعلا الاقتصاديات الضعيفة ومنها الاقتصاد الجزائري. وتتمتع البنوك الإسلامية بعائد على الأرباح أكبر من العوائد على الفائدة بفضل قاعدة تقاسم الخسائر والأرباح أي التوزيع الطبيعي للمخاطر بما يدفع البنك الى إدارة أفضل لتلك المخاطر بما يعود ايجابا على محافظ الاستثمار للمتعاملين. أما أصحاب المدخرات الصغيرة فيحصلون على عوائد أكبر من الفائدة من خلال شهادات الاستثمار التي لا تزال تلقى رواجا وسط العائلات متوسطة الدخل. ولا يعني نجاح البنوك الإسلامية عبر العالم نجاحا كاملا بمعيارية التنمية ونمو الاقتصاد لأن تدخلاتها لازالت عبر المتاجرة وخاصة المرابحة بمتوسط يزيد عن 90 من المائة من حجم التوظيف العام، وتظل هناك عقود في حاجة إلى مزيد من التوسع مثل المزارعة والمساقاة والوضيعة وتمويل البنى القاعدية (الصكوك الاسلامية)، وربما ستتيح تجربة الجزائر الجديدة فرصة أخرى للصيرفة الإسلامية للدخول بالاقتصاد الوطني إلى فضاء المالية الإسلامية من خلال تمويل المشروعات الكبرى للدولة وعقود التأمين التكافلي وهو الرهان التي ينبغي على الحكومة أن تعول عليه في سياق البحث عن حلول عملية لأزمة الجزائر المالية.