عابد شارف: abed_charef@hotmail.com هل سيشارك السيد علي بن فليس في الانتخابات التشريعية التي تجري اليوم؟ ولصالح من سيصوت إذا قرر أن يشارك؟ إنها أسئلة بسيطة، ولعها تبدو غريبة في هذه الصبيحة المباركة التي يستعد خلالها الجزائريون لانتخاب برلمان جديد. لكن طرح هذه الأسئلة في هذا اليوم بالذات يفتح بابا لنتذكر تجارب الماضي ونستعيد دروسه السياسية. فقبل خمس سنوات، جرت في الجزائر انتخابات تشريعية، وكان علي بن فليس يومها على رأس جبهة التحرير، وتحصل الحزب العجوز على أغلبية ساحقة من أصوات المواطنين، سمحت له أن يفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان. وقال الكثير يومها أن علي بن فليس اقترب من قمة السلطة، وأنه أصبح يمثل الوريث الطبيعي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث لم يبق له إلا انتظار فترة قصيرة ليعتلي عرش السلطة. وأصبح التقرب من "سي علي" واجب، ومغازلته سنة، خاصة وأن بعض الدوائر في السلطة كانت تشير إلى وجود خلاف بين رئيس الجمهورية وعدد من أصحاب القرار، مما يوحي إلى أن خلافة بوتفليقة أصبحت مفتوحة، وأن بن فليس من أوائل المرشحين للمنصب. لكن أحلام علي بن فليس انهارت أمام واقع النظام الجزائري، حيث لم تكتف الآلة الجهنمية من إقصائه من الساحة السياسية، بل ذهبت إلى حد الإهانة، إذ فرضت عليه أن ينظم مؤتمر حزبه في ظروف شبه سرية، ولم تمنحه إلا ما يقارب خمسة بالمائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أفريل 2004. وفي أشهر قليلة، تحول علي بن فليس من رجل يطمح للوصول لأعلى هرم السلطة إلى رجل لا يجوز ذكره في العالم السياسي. ولم يبق منه إلا صورة رجل ابتلعته آلة سياسية كان يعتقد أنه يعرف طريقة عملها. وقبل ذلك بخمس سنوات، ظهر إلى الوجود حزب مشهور، وهو الأرندي، وكان من أبرز قادته محمد بشين، أقرب الأصدقاء للرئيس اليمين زروال، والطاهر بن بعيبش، رئيس منظمة أبناء الشهداء. وإثر عملية تزوير لم تعرف الجزائر لها مثيل، فاز الأرندي بأغلبية ساحقة في البرلمان أشهر قليلة بعد ميلاده، وأصبح الطاهر بن بعيبش نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني. لكن لم تمر سنة واحدة حتى وجد الطاهر بن بعيبش نفسه وسط عاصفة قضت على طموحاته السياسية، وأدت إلى إقصائه من الحزب ثم من الساحة السياسية. ولم نتكلم عن الانتخابات التشريعية لسنتي 1997 و2002 للتذكير بالجرح، ولا بضحاياه، إنما التذكير بهذه التجارب يهدف إلى التساؤل حول هذه اللعنة المرتبطة بالأحزاب التي تحصل على الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني. فمن المفروض أن الحزب الذي يحصل على مثل هذه النتيجة يفتح لنفسه آفاقا كبرى، منها باب السلطة، لكن الأغلبية في البرلمان الجزائري تؤدي إلى الجحيم. فلماذا هذه اللعنة؟ وهل هي لعنة حقيقية؟ وإذا افترضنا أن هناك لعنة، فمن المفروض أن السؤال سيأتي من السيد بوجرة سلطاني، لأنه خبير في الميدان حيث أنه الرجل السياسي الوحيد الذي نشر كتابا حول السحر وكيفية التغلب عليه. أما إذا اعتبرنا أن القضية سياسية، فإن الجواب يختلف، حيث أن البرلمان في الجزائر لا يشكل سلطة مستقلة مثل ما هو متعارف عليه، إنما يشكل واجهة أنيقة لنظام متسلط لا يؤمن بالمؤسسات. وجاء إقصاء كل من علي بن فليس والطاهر بن بعيبش من الساحة السياسية لأنهما اعتقدا في يوم من الأيام أنه من الممكن الوصول إلى السلطة انطلاقا من لعبة المؤسسات. غير أن هذه المؤسسات كانت وهمية، ولم يكن زعيما الأرندي والأفلان إلا مسيرين لشركات مساهمة تابعة للسلطة، ولم يكن وجود الحزبين يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية، كما أنه لا يسمح إطلاقا لقادته أن يحاولوا الوصول إلى السلطة بطريقة مستقلة، إنما الهدف من وجود هذه الأحزاب هو إعطاء واجهة تعددية لنظام متسلط. ولذلك، فليس منتظرا من البرلمان أن يصنع القوانين حسب خيارات الأحزاب التي تملك الأغلبية، إنما دوره يكتفي على المصادقة على كل قرارات السلطة، مهما كانت. وشاهدنا البرلمان يصادق على قانون ثم يتراجع ويصادق على قانون معاكس مثلما وقع في قضية قانون المحروقات. ولا بد من الاعتراف أن هذا تصرف منطقي في النظام الجزائري، لأن أحزاب التحالف الرئاسي رددت يوميا خلال الحملة الانتخابية أنها ستعمل بجد لتطبيق برنامج رئيس الجمهورية. فهل يجوز أن نعيب عليها غدا ولاءها لرئيس الدولة؟ وفي هذا الظرف، يتساءل الكثير: هل يجب المشاركة في التصويت؟ ولأي هدف؟ فالكل يعرف أن الأمور حسمت، وأن تصويت المواطن لن يغير شيئا، حيث لا يوجد أي مؤشر يوحي أنه من الممكن الخروج من قبضة التحالف الرئاسي الموجود في السلطة منذ عشرية كاملة. وحصيلة هذا التحالف معروفة. إنها تتلخص في بعض العبارات: قضية خليفة، و"بي أر سي"، وفضائح البنوك، والحراقة، والبطالة الجماهيرية، والانتفاضات اليومية في المدن، وانتشار الإجرام. هل من الأفضل إذا عدم المشاركة؟ هذا الخيار أصبح بدوره باطلا. فقد تبناه عباسي مدني، والجمعية السلفية للدعوة والقتال، كما أنه أصبح يمثل عجزا عن تغيير الأمور بدل أن يكون خيارا سياسيا يرمز إلى موقف إيجابي. وعدم المشاركة يعني ترك الميدان لسلطة قررت أن تقيم ديمقراطية بدون شعب، وتنظم انتخابات دون مشاركة الشعب، فالسلطة لا تبالي أبدا بهذا الجانب، حيث يكفيها تعيين نوابها مهما كانت الطريقة. هذا الخيار المطروح أمام الجزائريين بمناسبة الانتخابات. إنه خيار بين الفشل والعجز.