هو الصدام البريطاني مع أوروبا بلا شك، اختارته لندن دون تردد، تجسد في برنامج رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون، الداعي إلى خوض جولة مفاوضات جديدة على أنقاض اتفاق كاد يدخل مرحلة التطبيق، يضمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأقل الأضرار للطرفين. دول الاتحاد الأوروبي ترفض مفاوضات جديدة تسعى إليها بريطانيا، تضحى مسارا معقدا، وضياعا للوقت الذي استنزف في جولة مفاوضات انتهت باتفاق ثنائي، لم يصادق عليه مجلس العموم البريطاني، أدى إلى استقالة رئيس الوزراء السابقة تيرزا ماي. موقف متطرف يلتزم به رئيس الوزراء بوريس جونسون مهددا باللجوء إلى خروج فوضوي في حال رفض الشركاء الأوروبيون إعادة التفاوض على اتفاق جديد، رافعا من سقف تهديده بالذهاب أبعد بكثير مما يتوقعه الاتحاد الأوروبي، رافضا دفع فاتورة الانفصال التي تعهدت تيؤيزا ماي بدفعها ضمن الاتفاق السابق الذي رفضه البرلمان البريطاني في ثلاث مناسبات. هذا الموقف الذي التزمت به بريطانيا لا يفسر إلا باعتباره صداما سياسيا له أبعاد أخرى على واقع الحياة في قارة أوروبا، التي تنأى بنفسها من دوائر الصراع الذي يكلفها الكثير، ماديا ومعنويا، ويحرم شعوبها من التنقل بحرية. بريطانيا تريد التهرب من دفع تكاليف الانفصال وغراماتها المقدرة ب49 مليار دولار، ويرى جونسون في تهديده بعدم دفعها، أن تخصص للتحضير للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في حال رفض إعادة التفاوض معه على اتفاق جديد. موقف متطرف يتخذه رئيس الوزراء البريطاني، الذي بدأ عمله على رأس الحكومة البريطانية، بمواقفه الصدامية، وبدا أنه لا يعرف المرونة في التعاطي مع “بريكست” بالصيغة التي اتفقت عليها تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، وهو يشكل حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ بريطانيا منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي واختار شخصيات مشككة في الوحدة الأوروبية، بما يجسد رؤيته التعصبية الرافضة للقاء أوروبي تكاملي على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. بريطانيا مصرة على الخروج من الاتحاد الأوروبي بأي ثمن، انتصارا لعصبيتها المتوارثة، بات هذا واضحا منذ زمن، لكن ما لم يكن واضحا للشعب البريطاني والعالم، هو دخول بريطانيا في أزمة أمنية سياسية مع إيرلندا “العضو في الاتحاد الأوروبي” التي ترى أن جونسون استهدفها في قرار الخروج الفوضوي من الاتحاد الأوروبي. فما يخشى منه، وتخشاه بريطانياوإيرلندا تحديدا في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، هو عودة حدود برية وتدابير مراقبة بين مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية، والجمهورية الإيرلندية، ما قد يؤدي إلى عودة العنف، الذي أوقفه الاتفاق التاريخي الذي وقعته الحكومتان البريطانية والإيرلندية في 10 أفريل 1998 بدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ووضع حدا لثلاثين عاما من العنف السياسي والطائفي الدموي بين الجمهوريين القوميين الكاثوليك والوحدويين البروتستانت، أوقعت أكثر من 3500 قتيل. فهل ضمن بوريس جونسون حلولا لهذه الأزمة الدموية المرتقبة قبل اندلاعها؟