خيمت حالة من الحزن والأسى، ليس فقط على عمال مجمع “الشروق” على إثر الفاجعة التي ألمت به بفقدان الرئيس المدير العام للمجمع، الأستاذ علي فضيل، لكن حالة الحزن امتدت لتخيم على الساحة الإعلامية قاطبة. إعلاميون وصحفيون يرْثون الراحل وشهادات عن الفرص التي منحها للكثيرين علي فضيل.. أبو جيل كامل من الصحفيين أجمع الإعلاميون داخل وخارج الوطن على أن المرحوم، علي فضيل، كان أبا لجيل كامل من الإعلاميين الذين قدم لهم الفرصة وفتح لهم الأبواب وشجعهم، حيث كانت “الشروق” منذ انطلاقتها مدرسة تخرجت منها إطارات وأقلام مدت العديد من المنابر الإعلامية داخليا وخارجيا. كتبت الإعلامية الجزائرية بقنوات بين سبورتس قائلة: “أذكر أن الأستاذ علي فضيل مدير قناة “الشروق TV”، رحمة الله عليه، اتصل بي بعد مغادرتي التلفزيون الجزائري، وعرض علي العمل معهم. فأخبرته أنني انتقلت للعمل فى قطر.. ضحك وقال: يبدو أنني تأخرت، بكل الأحوال، هذا جيد اكتسبي الخبرة هناك، وعودي إلى الجزائر، مكانك محفوظ… مكانك محفوظ يا سيدي في قلوبنا”. وكتب الزميل رمضان بلعمري أيضا في نفس السياق: “إن وجب عليّ ذكر شيء عن هذا الرجل، فهو طيبته، فقد كان لجريدة “الشروق” عليّ فضل، ول”علي فضيل” أفضال، وكان لذلك من اسمه نصيب. استقبلني الراحل، علي فضيل، رفقة الصحافي المخضرم، سعد بوعقبة، في يومية “الشروق”، عام 2000، وكان ذلك أول عهد لي بالعمل في الجرائد اليومية آنذاك، رغم أنني بدأت في جريدة “منبر الجامعة” عام 1997. عدت مرة أخرى إلى جريدة “الشروق” عام 2005، واستقبلني وقتها الراحل علي فضيل في مكتبه، أنا والزميل رشيد ولد بوسيافة، كنّا يومها قادمين من يومية “الأحداث”. تكرّم علي الراحل علي فضيل، بمساعدة (قرض) لشراء أول سيارة في حياتي.. ورغم أنها كانت متواضعة، لكنها حملت عني ثقلا كبيرا. وافق الراحل علي فضيل، بإصرار على دفع تكاليف زيارتي المهنية الأولى إلى دولة الإمارات عام 2006، وكانت فرصة جميلة لن أنساها. رحمة الله عليك سي علي، وأسكنك الجنة بما قدمت من خير.” أجمع كل من رثى الراحل على طيبته وابتسامته التي لا تغادره حتى في أحلك الظروف، فقد كان الراحل عنوانا للإنسانية، بحيث كانت “الشروق” أكثر من مؤسسة إعلامية،كانت عائلة كبيرة لكل من مر بها.. وكتبت الزميلة غنية قمراوي ترثي مديرها السابق قائلة.. “يحضرني الآن والقلب يعتصر حزنا، أن الأستاذ على فضيل رحمه الله وتجاوز عنه، لم يوافق بسهولة على مغادرتي جريدة “الشروق” التي عملت بها ست سنوات، واحتفظ باستقالتي في مكتبه قرابة شهرين دون أن يمضيها. كنت كل ما التقيته في أروقة الجريدة أذكره، لكنه كان بابتسامته المعهودة يقول لي: “الحاجة زعفوك؟ قولي لي شكون زعفك وأنا نتكفل بيه ما عندك وين تروحي”… رحمك الله أستاذ وأسكنك فسيح الجنان وجعلك ممن يرتوون من حوض نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. ومثلها كتبت فتيحة زماموش تقول: “شهادتي “مجروحة” في شخصية الرّاحل المدير العام للمجمع الإعلامي “الشروق”، علي فضيل رحمه الله، لأنني اشتغلت تحت إدارته خمس سنوات، منذ بدء التحضيرات لإطلاق قناة “الشروق” في بداية 2012، ثم “الشروق نيوز”، إلى حد اللّحظة لم يوقّع المدير العام رحمة الله عليه، استقالتي من القناة، التي ودعتها وكانت من أجمل المحطات الإعلامية في مسار المهنة، وإلى حدّ اللحظة مازال بيت القناة مفتوحا “أنتِ بنت الدار” كما كان يردد المرحوم علي فضيل، عبارته المعهودة التي يقولها للجميع. ما عساني أقول سوى أن الأجل بقدر، والدنيا لا تدوم لأحد ولله ما أعطى ولله ما أخذ. رحمة الله عليه وغفر له وألهم ذويه الصبر والسلوان.. الزميل مسعود هدنة، الذي غادر إلى أمريكا، كتب أيضا يقول: “أذكر أنه وضع فيّ ثقته أيام “الشروق العربي” في 2003 ولم أجد صعوبة في الانتقال إلى يومية “الشروق” سنة 2005. عندما قصدته من أجل قرض مالي وافق فورا وأرجعته إليه على أقساط وكان يمازحني، كعادته. كان ذلك القرض يدَ علي فضيل الأولى عندي، أما يده الثانية فكانت بعد استقالتي سنة 2010، جلست معه في المكتب وشرحت له أسباب القرار، فقال: أيّا كان يا مسعود هذا بيتك، بإمكانك العودة في أي وقت رغبت، وقد كان بالفعل، فبعد سنتين كلمته من أجل العودة ورحّب بي كما وعد، وهذه يده الثانية التي أدعو الله أن يجزيه لقاء صنيعه بيده الكريمة. الزميلة ياسمين مسوس، التي غادرت إلى روسيا، كتبت تقول: “أخيرا انتهى دوامي ويمكنني أن أبكي براحتي، هذا ما شعرت به عندما ختمت آخر نشرة قدمتها اليوم رغم إنني كنت أبكي بين كل موعد إخباري وآخر، كم هو مؤلم ألا تجد من يقاسمك الأسى أن تبكي شخصا يعني لك الكثير بينما لا يعرفه من حولك، لذلك كنت أسترق المشاهدة إلى فيديوهات الزملاء في “الشروق” علني أشعر بأنهم يربتون على كتفي ويدركون مدى الحزن الذي أشعر به لأننا فارقنا معلمًا وصديقًا فتح لنا أبواب بيته الكبير، بيت كان دائما يقول لي إنني أحد أعمدته. رحل الرجل الطيب الذي آمن بكثير من الشباب وقدم لهم الفرصة، صفق لهم حين أصابوا وصوبهم عندما كانوا يخطئون، رحلت أستاذي عن هذه الدنيا لكن ذكراك لن ترحل.. أدعو لك ملء قلبي وأدري أن كل الخير الذي زرعته ستلقاه عند سيد الخلق.. رحمة الله عليك. فاجعة رحيل المدير العام لمجمع “الشروق” تقاسمتها أيضا الكثير من الشخصيات الإعلامية على غرار حفيظ دراجي وصورية بوعمامة ومدني عامر ورابح فيلالي وخديجة بن قنة وكريم بوسالم وغيرهم ممن رثوا الأستاذ علي رحمه الله وأشادوا بخصاله وطيبته وإنسانية التي شملت القريب والبعيد. هذا إضافة إلى التعازي التي تهاطلت على مقر الجريدة من الزملاء في الجرائد والقنوات الأخرى. زهية منصر الإنسان المتواضع والأخ العزيز والأب الحنون الأستاذ علي فضيل.. قيمة إنسانية وقامة إعلامية تغادرنا يُجمع كل من يعرف الأستاذ علي فضيل رحمه الله على أنه قبل أن يكون مديرا عاما لمجمع “الشروق”، فهو كفاءة إعلامية عالية وقيمة إنسانية راقية… إنسان بسيط ومتواضع، خفيف الظل والروح ومحاور مرح ومتسامح، ولا نزكي على الله أحدا. التقيت به في جلسة مباشرة شهر نوفمبر 2014 خلال اجتماع عقد في عاصمة الهضاب سطيف، بحضور صحفيين ومراسلين ومسيرين من أسرة “الشروق”، وكانت الجلسة قمة العفوية وسط نقاش أخوي بهي وثري.. جلسة ختمناها بوجبة غداء وصورة للذكرى جمعت زملاء لا يزالون يواصلون مسيرة العطاء في خدمة قراء ومشاهدي “الشروق”، وآخرون غادرونا إلى دار القرار.. والتقيت به قبل عامين من الآن، في بئر غبالو، لتقديم واجب العزاء، إثر وفاة والده ووالد الشروقيين الحاج مسعود فضيل رحمه الله الذي يعرف الجميع قيمته ومقامه. هذه حال الدنيا، الدوام لله وحده، لكن الذكريات هي التي تجعلنا نعود إلى الوراء لاستعادة خصال الرجال، لا أخفي عليكم أنني كنت متأثرا بشخصية الأستاذ علي فضيل رحمه الله، انطلاقا من تواضعه وكفاءته ونجاحاته وإنسانيته.. وهو المتشبع بالروح الوطنية، الحريص على توظيف مجمعه الإعلامي لخدمة ثوابت الأمة، والطموح دوما في شق طريق التميز والنجاح، والساعي إلى تجاوز مختلف المناوشات والعداوات، فكثيرا ما أعطى لأعدائه دروسا ميدانية في التسامح وتجاوز مختلف المؤامرات والأحقاد. عشنا جميعا في أسرة “الشروق” متاعب وكوابيس بالجملة منذ صائفة 2017، بسبب العصابة التي مارست تضييقا لا نظير له، في مؤامرة ممنهجة لتحطيم مجمع “الشروق” الذي كان له موقف واضح من العهدة الخامسة بأعمال فنية راقية سدد ضريبتها لمدة عامين متتاليين، قبل أن يحررنا الحراك جميعا من بطش العصابة وكابوس العهدة الخامسة.. فإذا كنا نحن الصحفيين والموظفين قد عشنا على أعصابنا فترة عامين من الضغوط والحصار والحقرة والمؤامرات التي فرضتها العصابة بشتى أنواعها، فكيف عاشها الأستاذ علي فضيل يا ترى؟ وهو الذي كان يتلقاها بشكل مباشر وبأكثر حدة، لكنه آثر الصمت والصبر حتى جاء الفرج.. وقد تكون هذه الضغوط والمؤامرات من الأسباب التي أثرت سلبا على صحته.. وهو الذي كان يتحفنا بابتسامته البهية المشرقة إشراقة “الشروق”، محتفظا بمعاناته لنفسه بعيدا عن الأعين.. مفضلا خيار الصمود في صمت.. وهذه من صفات الأبطال على طريقة الشمعة التي تشتعل لتنير للآخرين. رحم الله الأستاذ والوالد والإنسان الحنون علي فضيل الذي شاء القدر أن ينتقل إلى رحمة الله تزامنا مع الذكرى الثانية لوفاة والده الحاج مسعود فضيل رحمه الله يوم 17 أكتوبر 2017. تعازينا مجددا لعائلة علي فضيل وآل فضيل وأسرة “الشروق” كاملة.. إنا لله وإنا إليه راجعون. صالح سعودي الجسد يرحل والذكرى والعمل الصالح يبقيان للأجيال الإنسان الذي وهب حياته وماله لنصرة القضايا العادلة غيّب الموت الأستاذ علي فضيل، لكنه سيبقى خالدا في التاريخ والذاكرة.. سيبقى لأن أعماله الإنسانية وحدها من ستتكلم عنه، نصرته للقضايا الإنسانية العادلة وحبه لعمل الخير، منذ كان طالبا في الجامعة إلى أن أصبح مسيرا لأكبر مجمع إعلامي في الجزائر.. علي فضيل لم يتوان يوما في تقديم المساعدة في الداخل كما في الخارج بقلمه وماله وجوارحه لفلسطين، الروهينغا، الصومال.. تأبى الكلمات وتجف الأقلام ونخشى أن لا نوفي الرجل حقه، وهو الذي وهب حياته وماله للدفاع عن القضايا الإنسانية الكبرى ولم يتوان يوما ولم يتخاذل حتى وهو في قمة انشغاله بأعماله ومؤسسته، إلا أن أولوياته لم تتغير يوما ففلسطين كانت في قلبه وكانت شغله الشاغل، فمنذ كان طالبا في الجامعة انخرط في الدفاع عن فلسطين القضية وعن حق الشعب الفلسطيني في الحياة، ففلسطين بالنسبة إليه الدم الذي يجري في عروقه بعد الجزائر، ولن يتخلى عنها مهما كان الثمن، كيف لا وهو الذي قال بعد حصار غزة “أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”؟، بل كرس كل ما يملك للدفاع عن القضية ووهب ماله ومؤسسته الشروق لخدمتها، وهو ما توثقه شهادة القيادي في حماس سامي أبو زهري بعد نعيه للرجل عبر صفحته على “تويتر”، قائلا “اسم علي فضيل اقترن بفلسطين، حيث دافع عنها بقلمه وكان له دوره البارز في جهود كسر الحصار عن غزة”. استمر علي فضيل في الدفاع عن فلسطين وكان له دور كبير في نصرة القضية رغم كل المضايقات التي تعرض لها، حتى بعد اعتقاله في بريطانيا للتحقيق معه على خلفية دعوته للتحرك لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي سنة 2008، وساهم في أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة ولم تنقطع مساعداته المادية يوما عن غزة، حيث أرسل 30 ألف دولار لعائلات الشهداء في غزة ضمن أسطول الحرية. ولم يكتف عراب”الشروق” بذلك بل أشرف على تأسيس اللجنة الشعبية لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة والتي كان يرأسها المرحوم عبد الحميد مهري، ثم المجاهد لخضر بورقعة، وصرح حينها علي فضيل رحمه الله “نطالب بقرار دولي سياسي لفك الحصار عن غزة لأن المساعدات ليست حلا وهذا حتى يتمكن الفلسطينيون من العيش بعيدا عن الخطر والجوع وندرة الأدوية”، وأضاف “نطمح لبناء مستشفى للأطفال المصابين بأمراض مزمنة” وسعى فقيدنا لنصرة فلسطين وكل القضايا العادلة بفتحه صفحات جريدته “الشروق” لقضية الأسرى التي أولاها اهتماما خاصا تجسد عبر ملحق أسبوعي كان يصدر كل اثنين إلى جانب العناوين المختلفة للقضية الفلسطينية، ونال تكريما خاصا نظير جهوده سنة 2019 من الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام بصفته الرئيس المدير العام لجريدة “الشروق الجزائرية”، وإلى جانب القضية الفلسطينية، لم يتخلف علي فضيل يوما في نصرة مختلف القضايا الإنسانية العادلة، حيث ساهم في تقديم الرعاية الإعلامية الكاملة لقوافل الإغاثة التي انطلقت لإغاثة “الروهينغا” عام 2017، وبتوجيه منه تم تحويل القوافل التي منعت من دخول غزة لمساعدة أطفال “الروهينغا”، بالإضافة إلى الرعاية الإعلامية التي منحها للقافلة المتجهة للصومال، ونصرة القضايا العادلة التي لا تكفي مساحة الجريدة للحديث عنها ولكنها ستبقى خالدة عبر الزمن وسيكتبها التاريخ بأحرف من ذهب لرجل عظيم وهب حياته وماله للقضايا الإنسانية وحرص كل الحرص على أن يلقن حبه لفلسطين ولنصرة المظلومين للمحيطين به وللعاملين في الشروق فأضحى تقليدا يحتذى به عبر صفحات “الشروق” وفي قنوات المجمع. إلهام بوثلجي علي فضيل.. قلب الإعلام النابض لن يتوقف .. ابتسامتك ستظّل عنوانا للأمل والتحدي .. وشمس الشروق لن تغيب في مثل هذه الأيام من كل سنة يستعد الشعب الجزائري، للاحتفال بذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر المظفرّة، ويستعد مجمع الشروق، للاحتفال بإطفاء شمعة من مسيرة جريدة الشروق اليومي، وإشعال أخرى، تحت إشراف مالكها ومديرها العام المرحوم علي فضيل. لكن هذه السنة وفي زخم التحضيرات لهذه المناسبة يفتقد مجمع الشروق لمؤسسه ومالكه الأستاذ علي فضيل الذي رحل في غفلة ودون أن يودّع عماله الذي اعتادوا على طلّته وابتسامته التي كان يوزعها على الجميع ودون استثناء، لا لشيء سوى لأني ما عرفته في الرجل أنه كان كبير القلب، طيبا وودودا للجميع. فكل من عمل بالشروق اليومي، يعرف أن علي فضيل لم ينجح في إنشاء أكبر مجمع إعلامي في الجزائر، قبل نجاحه في التأسيس لإنشاء عائلة واحدة تعمل تحت ظلّ هذا المجمع، الذي كان يخطو بخطوات ثابتة نحو النجاح والتألق في ظلّ المنافسة الشديدة لباقي العناوين الصحفية والقنوات التلفزيونية. فالمرحوم الاستاذ علي فضيل الذي لم تهزمه المعارك التي خاضها ضد النظام البوتفليقي، ولم يحبط عزيمته الحصار الذي فرضته عليه العصابة، بعد قطع الإشهار عن جريدة الشروق اليومي ووقف سحبها، لم يفقد روح الدعابة ولا ابتسامته المعهودة، بل أنه زاد إصرارا وعزيمة للتألق أكثر، والإقتراب أكثر فأكثر من عمال وموظفي المجمع، الذين غادرهم في آخر اجتماع له بهم قبيل سفره الأخير إلى فرنسا، بالقول، ” اسمحوا لي نحن عائلة واحدة..” ثم حمل حقيبته وغادر دون رجعة، وكأنه تحسس الموت قبل أن يفاجئه. أذكر أن علي فضيل الرجل الطيب ابن الطيب، كان يعاملني معاملة جد خاصة، وكلما جالسته لأطلب منه شيء يقول لي ” أنت راك من العائلة..” أو ” أنت ولد الدار..” فعلا إنها دار الشروق التي رحل عنها اليوم علي فضيل دون رجعة، الدار التي أسسها ليجمع فيها المئات من النساء والرجال الذين يتقاضون رواتبهم من مجمع ” الشروق”، ليعيلون عائلاتهم. علي فضيل رحل عنّا ونحن لا ندري كيف سنعيش من بعده، لا لشئ لأنه عودنا بأن يكون قريبا منّا في كل مناسبة، وكان في كل مرّة يطلب منا جمع الصحفيين ومراسلي مختلف الولايات، حتى يستمع لانشغالاتهم، ومشاكلهم المهنية، في جو عائلي مميز، قد تفتقده الكثير من المؤسسات الاعلامية الأخرى، بعدما أسسّ لعائلته الكبيرة في أول إجتماع جهوي تم تنظيمه بولاية عنابة سنة 2005، أين التقى بمراسلي جريدة الشروق اليومي، ورؤساء المكاتب لولايات الشرق، أين تعاهد الجميع على الحفاظ على بنية هذه العائلة وروابط الأخوة بين أفرادها، وتكررت اللقاءات بعدها بمدينة الوادي، وقسنطينةوسطيف، وغيرها من الولايات الأخرى التي احتضنت اجتماعات مراسلي الشرق الذين اكتشفوا في شخصية مديرهم العام، رجلا كريما طيبا لا ينظر إليهم نظرة المدير إلى الموظف، بل أنه كان يعتبر كل واحد من عمال المجمّع، فردا من عائلته، ينصت لكل واحد منهم ويستجيب لطلباتهم، دون مماطلة ولا مراوغة. كانت روح الدعابة تطغى على تلك الاجتماعات وهو ما زرع في عمال المجمّع روح المثابرة والاجتهاد لتقديم ما هو أفضل، حتى بلغت جريدة الشروق اليومي، أرقاما قياسية من حيث السحب والمقروئية. للأسف تطفئ الشروق شمعتها التاسعة عشر، لتشعل أخرى، هذه السنة في غياب قائدها وصانعها، الذي منح صحته فداءا حتى تبقى الشروق مشرقة على حد قوله ” شمس الشروق لن تغيب”، علي فضيل الذي رحل عنّا ونحن ننتظر لقاءه بشغف كبير، عندما طلب منّا في آخر اتصال له بنا بضرورة التحضير للقاء جهوي بولاية سطيف للمراسلين والصحفيين العاملين بمكاتب الجريدة في الشرق، وكنا قد باشرنا التحضيرات لتنظيم هذا اللقاء الذي كان ينتظره جميع العاملين في المجمّع، بهدف إعادة ترتيب البيت، والانطلاق من جديد وبروح ومعنويات عالية، بعد لقاء الرئيس المدير العام للمجمّع، لكنه وفي زخم تلك التحضيرات توقفت الساعة وانهارت المعنويات، عندما تلقينا خبر الفاجعة التي آلمت بنّا جرّاء فقداننا لقائد سفينتنا الأستاذ علي فضيل. أيها الأخ الفاضل رحلت وقلبك الكبير ملئ بالعطف والرحمة على الضعفاء، نم قرير العين فكل العيون تبكيك.. يا من علمتنا أن الصبر على المواجع انتصار.. عصام بن منية حارس القيم الإعلامية يحط الرحال الأستاذ علي فضيل رحمه الله.. صانع مسار الصحفيين، والناصح الأمين لهم، والشعلة الوهاجة التي لن تنطفئ، والتي أبقاها المرحوم مشتعلة، رغم العواصف التي جابهها رفقة من صنع لهم مسارا إعلاميا متميزا نظير الجهود التي بذلها طوال حياته خدمة للإعلام والمهنة. كان المرحوم علي فضيل، المدير العام لمجمع الشروق، محبوبا للصحافيين دون منازع، نظرا لطريقته الإعلامية المتميزة، في طرح القضايا الراهنة سواء الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية، وهي المآثر التي رسمها فقيد الساحة الإعلامية، الأستاذ علي فضيل، خلال مشواره الطويل المليء، بالمفاجآت السارة الذي دخل من خلالها قلوب الناس دون استئذان، لاسيما تلك البرامج التي راهن عليها وطنيا أو دولية من أجل إرضاء الأسرة الجزائرية في مختلف المواسم فضلا عن البرامج المتنوعة التي خدمت العائلة بقدر ما ساهمت في نشر قضايا إنسانية تفاعل معها الجزائريون والأشقاء في مختلف الدول العربية، لاسيما وقوفه الشامخ مع القضية الفلسطينية التي كانت خطا أحمر بالنسبة إليه، أظهرتها تلك المواقف التي ثبت من أجلها لنصرة القضية التي وصفها بأنها قضية الأمة العربية المسلمة، علاوة على نصرته لكلمة الحق التي لم تكد تفارقه في مختلف تصريحاته الإعلامية داخل الوطن أو خارجه، فكانت لسانه وقلمه ناصلا بعد الصورة الكاريكاتورية التي نشرتها إحدى المجلات الأجنبية والتي هزت فيها مشاعر العالم الإسلامي الذي وجد الداعم الأكبر له والأنيس الإعلامي جريدة الشروق اليومي، التي حركها القلم الإعلامي الفذ الراحل الأستاذ علي فضيل، الذي كان مبتسما للشدائد ومقتصدا في كلماته التي تظل في آذان كل من كان له لقاء معه سواء من الزملاء الإعلاميين أو المسؤولين أو المواطنين، الذي كان الحامي لهم أيام الشدائد، وهو ما برّرته البرامج التلفزيونية الإنسانية التي راهن على استمرارها كونه الوسيط الخيري الذي أرجع البسمة لكل الجزائريين الذين يعانون على مر المرض وضيق الدنيا. المرحوم الأستاذ علي فضيل، لا تفارقه روح الدعابة والنكتة، فكانت من صفات الصبر والإخلاص وحب الوطن، فكان الرجل الحامي للصحفيين وقت الشدائد والمحن، حيث يختزل المصاعب ويقلل من قوتها تخفيفا للمشكل، المطروح من طرف أي شخص، لاسيما الصحفيين الذين كانوا يرون فيها الأمن والآمان الذي لديه حلول كل المشاكل التي يتلقاه الصحفيون خلال أدائهم الإعلامي، فكان فاتح أبواب الخير أمام الجميع، فكانت وصيته الدائمة الإبقاء على إنسانية فروع المجمع من خلال جريدة الشروق اليومي وموقع الشروق أونلاين، والقنوات التلفزيونية الثلاث، وتطويرها وعدم غلقها في وجه أي كان. الناصح الأمين، المرحوم علي فضيل، كان مناضلا ومدافعا عن توحيد الصفوف وإعلاء كلمة الحق، وأستاذا متفانيا في تنوير الرأي والرأي الآخر، فكانت له الكلمة في إيجاد الحلول في العديد من القضايا الوطنية السياسية التي تركت بصمتها في الساحة الوطنية والعربية، فكان الرجل رحمه الله فرصة حقيقية لبعث روح النقاش والحوار بين مختلف الرؤى والأفكار من خلال الشعار الذي لازلت جريدة الشروق اليومي تحتفظ به “رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيكم خطأ يحتمل الصواب”. فسبحان من تفرد بدوام العزة والبقاء وكتب على مخلوقاته الموت والفناء ولم يشاركه أحد في خلده حتى الملائكة والأنبياء. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أستاذ علي فضيل، لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا… إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى وإنا لله وإنا إليه راجعون. منير ركاب لم تكن مديرا يا علي! ذهبت ولم تبق منك إلا الذكرى وتلك الابتسامة التي لم تبخل بها على أحد سواء الذين أحبوك أم آذوك أم حسدوك، لقد غلبتهم جميعا بسحر تلك الابتسامة التي شفيت بها المريض وطمأنت بها الحيران وأفرحت بها الصغير والكبير. أذكر أنني تعرفت عليك ذات يوم من سنة 1993 عندما كنت أنا طالبا بمعهد علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، وكنت أنت مدير أسبوعية “الشروق العربي” التي اخترقت سقف الصحافة الجزائرية وكسرت ركودها لسنوات، جئتك إلى مكتب الجريدة فلاقيتني بقلبك الذي سبق منصبك كمدير، وفتحت لي أبواب “الشروق العربي” لأكتب فيها ومن يومها كنا نلقاك أنا وزملائي الطلبة في كل مكان، فلم ندعك إلا باسم علي بلا رسميات ولا برتوكولات لأنك أنت علي الإنسان قبل الصحفي والمدير. وبعد انقطاعي عن “الشروق العربي” عادت بنا الأمواج لتقذفنا في بحر آخر من نفس النبع اسمه “الشروق اليومي”، فكان بحرا بعنوان أكاديمية لكشف القدرات والطاقات الإعلامية فكنت أمثل الجريدة بولاية سطيف، وبها شققنا مسارا آخر في حقل الإعلام والكلمة الصادقة تحت شعار رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيكم خطأ يحتمل الصواب. فرغم بعد المسافة بين العاصمة وسطيف كنت أنت الأقرب إلينا فلم تكن مديرا بل كنت أخا وصديقا وزميلا يرافقنا على درب الإعلام. احتملت أخطاءنا وهفواتها فقابلتنا بالتوجيه والنصح وصححت مسارنا فأخرجتنا من روتين الكتابات الراكدة والكلمات المجترة المألوفة إلى عالم كله إبداع. لن أبالغ إن قلت إنني تعلمت منك ومن جريدتك “الشروق” ما لم أتعلمه في معهد الإعلام.. لقد كنت أستاذا في رفضك للروتين وحبك لكل جديد. لم تكن مديرا لأنك لم تفرق بين الصحفي وذلك المراسل البعيد عن العين فقربته من القلب وفتحت له بدل الباب أبوابا وأشركتنا في كل شيء، في سعة الأفكار والابتكار وكذا الصمود حين كان علينا فعل ذلك في محنة أم درمان فكنا معك في الجبهة الأمامية وانتصرنا عليهم إلى أن بلغنا المليونية الثانية في السحب اليومي، كل ذلك كان من تخطيطك وتحفيزك لجنود تسلحت بأقلام فذة. لم تكن مديرا وقد عرفتك ولاية سطيف بترددك عليها في العديد من المناسبات فكرمت حفظة القرآن بها أكثر من مرة وكنت بجانبهم فحفزت جيشا من الشباب على ملازمة الذكر الحكيم. وسيتذكر أنصار وفاق سطيف أنك كنت داعما أيضا للنسر الأسود ومرافقا له في إنجازاته وألقابه، ورافقت الإعلامي مصطفى الآغا في زيارته إلى ولاية سطيف فكان لهذه الولاية خصوصية في قلبك الذي احتضن الجميع. حقا لم تكن مديرا بل كنت أكبر من ذلك بكثير، عليك رحمة الرحمان إنا على دربك سائرون يا أكبر من مدير. سمير مخربش هنيئا أيها الاستاذ الناصح فأنا ملتزم بتوصياتك ان العين لتدمع و ان القلب ليحزن و انا على فراقك يا استاذ علي لمحزونون، ولا نقول الا ما يرضي الله العلي القدير . لن انس ذلك اليوم الذي التقيتك فيه أيها الطيب البشوش بمكتب رئاسىة التحرير الذي كان لايسع مسؤولي جريدة الشروق اليومي في بداية عامها الثاني بالطابق الاول بدار الصحافة بالقبة، يوم كنت بصدد الاتحاق بطاقم الجريدة كمراسل من ولاية تيبازة، كان الاستاذ الفقيد “علي” بمعية مدير التحرير انذاك المرحوم الاستاذ بشير حمادي و مسؤولي التحرير، استمعت يومها الى شروط العمل بالشروق اليومي تلاها على مسامعي الاستاذ بشير حمادي و تتعلق بالتوجه و الخط الافتتاحي قبل ان يبادرني المرحوم الاستاذ على فضيل و هو يحك جبهته و بابتسامته المعهودة ” الجريدة في بداياتها، نريدك نشطا ملتزما باخلاقيات المهنة و الالتزام في عملك، كن يا سي ..ما اسمك ” بوجمعة ” كن صاحب ضمير مهني و اخلاق، وأنا هنا ان اعترضك اي مشكل، شكرته على الثقة قبل ان أواصل الاستماع لتوصيات أعضاء آخرين و أغادر المكتب، خرجت وكأن جبل وضع على كتفي . لم التق كثيرا الاستاذ علي، لكن لم انس شهادته بحقي يوم قال لي في اجتماع حضره المراسلون و هيئة التحرير ” انت لم تسبب مشكل للجريدة يوما على خلاف بعض زملائك الذي جرجروني للمحاكم و هو يبتسم، واصل عملك كما عهدتك بضميرك المهني “، و يوم شكرني على مقال عن جبهة التحرير أثار ضجة و كان بعنوان ” لا مانع من ترشح مزدوجي الجنسية و أبناء الحركى في قوائم الافلان ” وحققت يومها الشروق اليومي اكبر المبيعات حسب ما صرح به لي الفقيد أمام الاستاذ بوعقبة و عمار نعمي و المرحوم بشير حمادي و الدير العام انذاك الاستاذ عبد الله قطاف، و موقف انساني آخر سأحتفظ به لنفسي. لم أخالف تعليماتك أستاذي و سأبقى على عهدك مستمرا في عملي ملتزما بتوجيهاتك، نم قريرا في جنات الخلد، ستبقى في ذاكرتنا الجميلة انك كنت معلما ناصحا و داعما و مساندا، لله ما اعطى و لله ما أخذ، رحمك الله و جعلك من أهل الجنة. ب.بوجمعة آخر سلام! كانت الساعة تقرع منتصف النهار، من الثاني عشر من شهر أكتوبر الحالي، عندما بلغتني مكالمة هاتفية، لم يخطر على بالي بأنها ستكون الأخيرة، من شقيقي الأكبر، الذي ما ولدته أمي، ولكن ولدت بيننا صداقة من نوع لا يختلف عن الأخوة، وكما تعّود دائما على مناداتي بالبطل، راح يحدثني بسرعة عن الحالة الصحية الجيدة للشروق، وإصرارها على المواصلة بنفس الوهج، لتكون كما عهدناها في قمة التفوق. وانتقل الأخ علي فضيل ليطالبني بالإسراع في تحديد زمان ومكان عقد اجتماع لصحافيي الناحية الشرقية من جريدة وتلفزيون، يكون على نهج ووهج الاجتماعات الكثيرة السابقة التي جمعتنا بأخينا الأكبر في العديد من المدن من قسنطينة إلى العاصمة، ومن عنابة إلى وادي سوف ومرورا بمدينة سطيف، كان يسارع موعد اللقاء ليس لأسباب مهنية فقط، وإنما لما كانت تقدمه هذه الاجتماعات من سموّ في الأخلاق ورقي حضاري، نادرا ما تشاهده في اجتماعات أخرى. كان يتحدث عن اشتياقه لزملاء المهنة في شرق البلاد، وكأنه يريد أن يقول كلمة وداع، فقد التقينا عشرات وربما مئات المرات، وتحدثنا أضعافها هاتفيا، ولكني هذه المرة سجلت حنين الرجل للقاءات كانت معجونة بالجدية وبالتحدي وفي قلبها الحب والأخوة والوفاء، حتى أنه كان يقول بأن الشروق مدينة للشرق، والفارق بينهما حرف الواو، الذي يعني عطفا وإضافة لهذه الولاية الشرقية وتلك، وهذا المراسل وذاك. لا يمكنني نسيان ذاك النبع الذي نهلت منه وارتويت معارف وطيبة، لا يمكنني أن أنسى تلك السهرات والجلسات الإعلامية التي كانت كلما بدأت تمنينا أن لا تنتهي، وكلما انتهت اشتقنا لبدايتها، لا يمكنني أن أنس بأن الحياة أعطتني أخا بيد، ثم أخذته بيد أخرى. كنتَ كبيرا وعال جدا، مثل إسمك علي، وكنت فاضلا وراق جدا مثل لقبك فوضيل، غادرتنا جسدا كما تغادرنا الشمس في غروبها، وستعود وتبقى كما تعود الشمس مع كل شروق. وداعا… عفوا أنت معنا للأبد اسكندر بوقادوم