واصل القضاة لليوم الثاني على التوالي مقاطعة العمل القضائي عبر المحاكم والمجالس القضائية، رغم ثاني بيان لوزارة العدل يطلب فيه الوزير من القضاة العدول عن الإضراب ويذكرهم بعدم شرعيته وفقا للقانون الأساسي الذي يمنع القاضي من الإضراب أو التحريض عليه. بعيدا عن حرب البيانات المشتعلة بين النقابة الوطنية للقضاة ووزارة العدل، تنقلت “الشروق”، الإثنين، لعدد من محاكم العاصمة والتي عرفت شللا تاما منذ الصباح الباكر وكانت قاعات الجلسات خاوية على عروشها عدا بعض المواطنين والمحامين المستفسرين عن قضاياهم، ففي مجلس قضاء الجزائر العاصمة برويسو، القضاة تجمعوا منذ الصباح بالجبة السوداء في بهو المجلس الخارجي، ولسان حالهم يقول أنهم لن يستسلموا ولن يوقفوا إضرابهم رغم تهديدات الوزارة، كانوا متجمعين في انتظار أي جديد من النقابة الوطنية التي جاء في آخر بيان لها أن المقاطعة مستمرة لحين صدور قرار آخر. أما في الشبابيك الخاصة باستصدار وثائق الجنسية وشهادة السوابق العدلية والأحكام القضائية فكانت طوابير المواطنين على غير العادة تنتظر في الخارج بعد ما لاح بصيص الأمل لهم، وقرر القضاة التكفل بالوثائق الاستعجالية وإمضائها بعد رفضهم للأمر في أول يوم إضراب ما تسبب في حالة سخط وتذمر لدى المواطنين، خاصة أن هذه الوثائق مطلوبة في عدة ملفات على غرار التوظيف والسكن وغيرها من القضايا المصيرية للمواطنين. أما القضاة الذين تحدثت إليهم “الشروق”، فقد أكدوا عزمهم على مواصلة المقاطعة والتمسك بمطالبهم، وصرحت مستشارة بالمجلس قائلة “كيف تستفزنا الوزارة وتقول أننا من أذناب العصابة”، وتابعت “ّهذه مسألة مبدأ وليس فقط رفض للحركة السنوية، فنحن أبناء الشعب ومنه”، وتساءلت المتحدثة عن المعايير المعتمدة في الحركة لتقول “هل يعقل في شهر نوفمبر يتم تشتيت القضاة من الشرق إلى الغرب وإلى الجنوب”، وأردفت “لم تراع هذه الحركة لا المرأة الحامل ولا وضعية التمدرس لأولادنا ولا حتى لم الشمل العائلي للقضاة المتزوجين”، ووصف قاض آخر بيانات الوزارة المصاحبة للحركة بالمستفزة وهي ما دفعهم للإضراب”، متسائلا “كيف يتم ربط الحركة بالحرب على الفساد؟”، وأضاف “هل تحويل قاض من العاصمة للغرب أو أي ولاية أخرى هو الذي سيقضي على الفساد”، وشاطره وكيل جمهورية آخر الرأي، والذي أضاف “تم إرسال زوجتي وهي قاض بالمحكمة لولاية بالشرق وأنا للغرب كيف يعقل ذلك؟”. من جهتها، أفادت النقابة الوطنية للقضاة، في بيان لها الإثنين أن نسبة الاستجابة لمقاطعة العمل القضائي بلغت 98 بالمائة في يومها الثاني على التوالي، وأكدت أن قرار المقاطعة جاء رفضا لتبليغ مقررات الحركة السنوية للقضاة التي أجريت مؤخرا، ودعت في السياق مسؤولي الجهات القضائية إلى الكف فورا عن الضغط على القضاة المقاطعين واحترام قرارهم. المضربون بالمحاكم رفعوا شعار “أنا قاض.. لست فاسدا” قضايا المواطنين معلقة إلى أجل غير مسمى! شهد قطاع القضاء شللا تاما بمختلف ولايات الوطن، الإثنين، حيث توقفت المحاكمات والجلسات القضائية على مستوى أغلب المجالس والمحاكم سواء الابتدائية أو الاستئنافية.. في غرب البلاد عرف مجلس قضاء وهران وكافة المحاكم التابعة له، شللا تاما في العمل القضائي، وهذا بسبب الاحتجاج الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة، ولقي استجابة مطلقة بنسبة قاربت 100 بالمائة على مستوى قطاع العدالة بعاصمة غرب البلاد. وندد القضاة المحتجون بشدة حيال هذا الإجراء على مستوى مجلس قضاء وهران، واصفين إياه بأنه تعد صارخ على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، مثلما اعتبروا تهديدات الوصاية التي أعقبت إشعار النقابة الوطنية الممثلة للسلك بالاحتجاج، ليس لها أي تأثير على موقفهم الذي يؤكدون على تمسكهم فيه بالإضراب المفتوح إلى حين الاستجابة إلى مطالبهم المرفوعة لدى الوصاية. من جهته، عرف مجلس قضاء غليزان والمحاكم التابعة له شللا تاما، وكان من المقرر أن يفتح مجلس غليزان الدورة العادية الرابعة لمحكمتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية لسنة 2019 يومه الأحد، حيث برمجت 57 قضية بالنسبة لمحكمة الجنايات الابتدائية و64 قضية، خاصة بمحكمة الجنايات الاستئنافية، غير أن الإضراب المفتوح الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة أجل عملية انطلاق هذه الدورة، هذا ولقي الإضراب استجابة واسعة لدى المجلس والمحاكم الخمس التابعة له ويتعلق الأمر بمحاكم غليزان، زمورة، مازونة، عمي موسى، ووادي ارهيو التي بلغت بها نسبة الإضراب 100 بالمائة حسب ما رصدته “الشروق” صبيحة الإثنين، على مستوى هذه المحاكم، والأمر نفسه بالنسبة لولاية تلمسان، أين شلّت محاكم الولاية من باب العسة ومغنية والغزوات غربا، إلى محكمة سبدو جنوبا وأولاد ميمون شرقا، إضافة إلى مختلف محاكم الرّمشي وتلمسان. كما تجمع القضاة في مجلس قضاء تلمسان في وقفة احتجاجية، مساندة لمطالب النقابة. واقتصر العمل في محاكم تلمسان على قاضيين اثنين فقط، بينما دخل البقية في الحركة الاحتجاجية واستجابوا لنداء الإضراب. ولم يختلف الأمر بالنسبة للمجالس القضائية والمحاكم المتواجدة بوسط البلاد، ففي البويرة عرفت أغلبية المحاكم هي الأخرى شللا كبيرا فيما يتعلق بالمحاكمات والجلسات القضائية التي تم تأجيلها بسبب مشاركة القضاة في إضرابهم الوطني، حيث اقتصر العمل على إمضاء الوثائق الإدارية المتعلقة بارتباطات المواطنين على غرار وثيقتي الجنسية والسوابق العدلية بالأكشاك. وقد لاحظت “الشروق” خلال جولة قادتها إلى العديد من المحاكم كالبويرة والأخضرية، أنه تم تأجيل أغلبية الجلسات القضائية المبرمجة لنهار الإثنين، سواء جلسات الجنح أو شؤون الأسرة وغيرها، وفي ولاية تيبازة استجاب سلك القضاء لنداء تعليق العمل القضائي الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة إثر انعقاد الدورة الطارئة لمجلسه الوطني السبت، وهو ما وقع في ولاية عين الدفلى إذ تم شل المحاكم الأربع المتواجدة على مستوى كل من مدن خميس مليانة، العطاف، عين الدفلى ومليانة، ولم يتمكن المواطنون المتقاضون من مواصلة تقاضيهم، حيث أكدت مصادرنا دخول هؤلاء قاعات المداولات بمحكمة العطاف على سبيل المثال غير أنهم عادوا أدراجهم بعد طول انتظار رفقة بعض المحامين، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك في أعقاب استجابة القضاة لنقابتهم.. ولم يختلف الأمر بالنسبة لمجالس القضاء المتواجدة بشرق البلاد، ففي ولاية قالمة، شلّ صبيحة الإثنين، القضاة المضربون عمل المجلس القضائي والمحاكم التابعة له بكل من قالمة، بوشقوف، ووادي الزناتي، للتنديد بقرارات التحويل التي تضمنتها الحركة التي أقرتها وزارة العدل نهاية الأسبوع الماضي، وكذا للتعبير عن تمسكهم بجملة المطالب الأخرى التي رفعتها النقابة الوطنية للقضاة في بيانها الصادر أول أمس، عقب دورته الطارئة. القضاة الذين قاطعوا العمل القضائي، تجمعوا داخل مقر المجلس القضائي بقالمة، ورفعوا عدّة شعارات جاء فيها “أنا قاض.. لست فاسدا”، “كرامتنا وشرفنا أغلى من قوتنا”، وكذا شعار “من لا يرفع الظلم عن نفسه لا يرفعه عنه الآخرون” وغيرها من الشعارات التي تندد بما وصفوه بالطريقة السيئة التي أصبحوا يعاملون بها. كما بلغت نسبة الاستجابة للإضراب بمجلس قضاء سكيكدة والمحاكم الخمس التابعة له، بدوائر القل، تمالوس، الحروش، عزابة وسكيكدة، مائة بالمائة.