هكذا هي جنائز الكبار والزعماء والشرفاء والعظماء.. الملايين يسيرون خلف القائد، ولو لم يكن قائدا صالحا مثاليا ونموذجيا، لما حدث ما حدث أمس في جنازة الراحل المجاهد الفريق أحمد قايد صالح رحمة الله عليه.. هي قطعة من حراك شعبي سلمي كان يرفع يافطة “الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة”، ليعلم أمس الموافق للأربعاء 24 ديسمبر 2019، العالم أجمع، بأن الجيش هو الشعب، والشعب هو الجيش.. العبارة الخالدة التي رددها فقيد الجزائر في حياته. لا أحد يرتّب جنازته، أو يوصي قبل وفاته بطريقة تشييعه، أو حتى يأمر باستئجار المعزين والمتباكين، ولذلك كانت جنازة فقيد الجزائر تلقائية وعشوائية، من جزائريين مثلما رافقهم في الحراك المليوني، ووعد بأن لا تسيل قطرة دم واحدة، ردوا للراحل الجميل، عرفانا وتقديرا، وساروا وراءه في مليونية لا تختلف كثيرا عن تلك المليونيات التي كانت محمية من طرف جيش وطني شعبي، عكس الكثير من التجارب الدولية، التي تحول فيها الشعب والجيش إلى عدوّين لدودين! الذين تدافعوا وبكوا وساروا في الموكب الجنائزي من قصر الشعب إلى مقبرة العالية، على طول عدة كيلومترات، لم يُرغمهم أحد على ذلك، مثلما لم يُجبر أحد المئات والآلاف من المواطنين الخيّرين الذين أقاموا مجالس عزاء في أغلب الولايات، ولم يرغم أحد أن يتداول رواد الفايسبوك صورة الراحل نحو 387 مليون مرّة تخليدا لروح الفقيد. ما حدث في جنازة المجاهد قايد صالح، هو “استفتاء شعبي”، قال فيه الملايين كلمتهم: شكرا للراحل على وفائه بالعهد، مجاهدا وقائدا.. نعم للأمن والاستقرار.. نعم لاحترام الدستور وقوانين الجمهورية.. نعم لواجب احترام الأقلية للأغلبية.. نعم لخيار الصندوق.. لا بديل عن الانتخابات لحلّ الأزمات.. إلى الأبد “جيش.. شعب.. خاوة خاوة”.. إلى الأبد الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش.. إلى الأبد الجزائر واقفة برجالها وأبطالها. لقد قالها المرحوم ذات مرّة: “كشفت لنا الأزمة أن هناك أناسا أرادوا دفن الجزائر.. لكن الجزائر عمرها ما تندفن”، وبالفعل، فإن جنازة قايد صالح، كانت رسالة أيضا إلى أولئك الأجانب الذين تآمروا وخططوا وحلموا بضرب الوحدة الوطنية واستهداف العلاقة الأبدية والمقدسة بين الجيش والشعب.. وها هم الجزائريون يردون على هؤلاء بالصوت والصورة والدموع والتضامن والرثاء والحزن والزغاريد والتكريم.. فهيهات أن يفلح الخائبون! الانتماء والولاء للوطن، هو الذي جعل آلاف الجزائريين يغيبون عن مناصب عملهم لحضور جنازة قائد يجب تكريمه وتخليده وذكره بخير، وها هو هذا القائد العسكري، يصنع الاستثناء ويكون سببا سخّره الله لحقن دماء الجزائريين والذود عن سيادة البلد واستقلال قراره، فالتفّ حوله الناس، حيا وميّتا، وساروا وراء نعشه في جنازة مهيبة ذكّرت الأولين بجنازة الراحل الرئيس هواري بومدين، وأثبتت مجّددا لحمة لن تنقطع بين الشعب وجيشه، ولو كره الكارهون والمتآمرون والحاقدون والمتربّصون.