تؤكد التحقيقات وعمليات السماع الجديدة، أن العدالة شرعت في فتح ملفات فساد جديدة، وأن محاربة المفسدين مستمرة، وأنها ليست مرتبطة بوقت معين، وإنما “أجندة” الجهازين الأمني والقضائي، يواصل تحرياته في القضايا التي صدمت الرأي العام، خاصة بعد المحاكمات الأخيرة التي شملت عددا من الوزراء وكبار المسؤولين السابقين، بعدما أسقطهم الحراك الشعبي، ولاحقتهم العدالة بمرافقة مؤسسة الجيش. ما حدث خلال السنوات الأخيرة، من تفش للفساد وتنامي للمفسدين، أفقيا وعموديا وشاقوليا، حوّل للأسف وزارات وإدارات وهيئات عمومية ومجالس منتخبة وشركات اقتصادية، إلى مطية لنهب المال العام، وإبرام الصفقات المشبوهة والتزوير والتدليس والغشّ، بطرق بدائية وأخرى مفضوحة ونوع آخر مستورد من عصابات ومافيا النصب والاحتيال! فتح الملفات واصطياد الحوت الكبير من القرش والبالين والدولفين، نقل الرعب إلى كلّ التماسيح والذئاب التي كانت “تلهف” في أموال الدولة والشعب بلا حسيب ولا رقيب، وجعلها تنتظر “الساعة” بين الفنية والأخرى، في مكاتبها وبيوتها وفي الشارع، وعلى مستوى “الاستثمارات” التي أنشأتها خارج القانون، ولو بأسماء مستعارة أو بأسماء الأبناء والأزواج! الأكيد، أن لا زمن يحدّد الحرب المفتوحة على الفساد، استجابة للمواطنين الذي رفعوا عند بداية حراك 22 فيفري شعار “اكليتو البلاد يا السرّاقين”(..)، ولذلك تستمرّ مهمة الملاحقة والمطاردة والتحقيق والتحرّي والجرد والتنقيب عن القضايا المخفية والمستترة والمسكوت عنها، إلى أن يتمّ إن آجلا أم عاجلا استرجاع الأموال المنهوب والمشاريع المكذوبة، ومحاسبة المتورطين والمتواطئين وإرعابهم بسؤال: “من أين لك هذا يا هذا؟” من الطبيعي أن يُصدم رجال القانون والمحققون والقضاة، والمواطنون، وكلّ المسؤولين، عن حجم الخسائر التي كبّدتها أعمال الفساد، بالاستثمارات المغشوشة والمشاريع المزيفة والقروض الوهمية والتحويلات الخيالية والرشاوى غير المعقولة والعمولات التي تحوّلت إلى قانون على المقاس، و”التشيبا” التي أريد لها من طرف العصابة أن تصبح مفتاح الاستفادة والولاء! لقد تأكد عامة الناس أن “حاميها” كان “حراميها”، ولذلك، عمّت حالة الفساد والإفساد، وتحوّلت إلى “مشروع” تحميه قوانين في خدمة الشلّة المستفيدة من الغنائم على ظهر الدولة و”ملك البايلك”، لكن، توالي التوقيفات والمحاكمات، ومواصلة فتح الملفات واستدعاء المتهمين والمشتبه فيهم، أطفأ ولو جزئيا “النار” في صدور الجزائريين الذين اكتووا لسنوات طويلة بفساد مبرمج أهلك الحرث والنسل وأحرق الأخضر واليابس! الاستمرار في محاربة الفساد، هو مسلك مشروع لاسترجاع الحقوق التي سلبتها العصابة وأذرعها من الخزينة العمومية ومن “بيت مال المسلمين”، وقد تكشف الأيام القادمة، حقائق صادمة أخرى، وأرقاما مرعبة جديدة، لكنها تبقى حتمية في إطار أن آخر العلاج الكيّ!