أصبحوا مشهدا معتادا على حواف الطرقات السريعة، وفِي مداخل بعض المدن الساحلية، وازداد عددهم في الآونة الأخيرة، بشكل يلفت الانتباه، ويجعل الأسئلة تطرح، عن مدى دور القوانين، والنصوص المقر بها، لحمايتهم من الاستغلال والعمل.. إنهم أطفال المطلوع، الذين عادوا بقوة هذه الصائفة في ظل أزمة كورونا. وعاد معهم أيضا، في مناطق داخلية وعلى أعتاب العاصمة ومدن كبرى جزائرية، أطفال رعي الأغنام والماعز في وقت يلهو أقرانهم ب"السمات فون"، وألعاب الفيديو، والألواح الإلكترونية. إنها الحقيقة التي رصدتها الشروق، نهاية الأسبوع الفارط، من خلال جولتها الميدانية، إلى مكان تواجد هؤلاء الذين حملتهم أزمة كورونا، وتأثيرها على المستوى المعيشي لعائلاتهم، ما لا تطيق أجسامهم الضعيفة، ولا تتحمل عقولهم الصغيرة، وقلوبهم البريئة. غير بعيد عن العاصمة، التقينا محمد أمين وأسماء، وإسلام، ومريم، تلاميذ يدرسون في السنة الخامسة ابتدائي، تنافسوا على بيع"المطلوع"، في مدخل مدينة القليعة، أين كانوا تحت أشعة الشمس اللاذعة والغبار يتطاير عليهم، والسيارات تمر قربهم، وتتوقف أحيانا ليشتري سائقوها منهم، متسببين في زحمة وعرقلة حركة المرور. يركضون إلى السائقين ليمدوهم بخبرة "المطلوع"، ويستلمون النقود، وهم غير مبالين بعدوى كورونا من الغرباء! وأغلب هؤلاء الأطفال الذين لا يتجاوز عمر بعضهم 8 سنوات، لا يرتدون الكمامة، حيث لفت انتباهنا وضع فتاة في 10 سنوات، طرف خمار على أنفها وفمها عندما تقترب من الأشخاص الذين يشترون منها "المطلوع". كانوا يتجاوزون ال20 طفلا تقريبا، في الطريق المؤدي إلى وسط القليعة، من ناحية العاصمة، وقربهم كانت أشغال حفر وشاحنات قادمة من ناحية منطقة مقطع خيرة تمر عليهم، مما شكل حولهم زوابع من الأتربة لطريق سيارات تتخللها الحفل والطين، وتنتظر التعبيد. في مدخل مدينة دواودة، وجدوا أيضا أطفال المطلوع بكثرة، وأعلنوا سوقا فوضوية لبيع العجائن و"المطلوع"، يقودها الأطفال، ولا مجال لأن ينافسهم الكبار، وأغلبهم تلاميذ في الابتدائي والمتوسط. في مدخل القليعة، قال أمين بكل عفوية، عندما سألناه عن سبب خروجه لبيع "المطلوع"، في مكان يملؤه الغبار، وتراوغ فيه السيارات في الاتجاهين الشاحنات، للهروب من الزحمة "إني مضطر.. من "يوكل" إخواتي بعد أن توقفت أمي عن التنظيف في إحدى العمارات بسبب كورونا". وابتسمت أسماء وهي تضغط على طرف خمارها البالي، على فمها، وتحاول أن تعوض به الكمامة التي يفوق سعرها خبزة "المطلوع" التي تبيعها ب50 دج، وقالت في هدوء الكبار الذين شربوا الهم حتى الثمالة "والدي لا يعمل.. والدخول المدرسي اقترب، من أين أشتري لوازم الدراسة". أطفال رعاة على أعتاب العاصمة وفِي الجهة الأخرى غير البعيدة عن هؤلاء، يتواجد أطفال دون ال15سنة، في ظروف صعبة، أحذيتهم ممزقة، والعرق يتصبب منهم، أقرب في صورتهم، إلى بؤساء فيكتور ريقو، هم رعاة غنم وماعز، اكتشفناهم في جولة بسيارتها، ناحية بوقرة وحمام ملوان، والأربعاء ومفتاح بالبليدة، وناحية بومرداس، وحتى في عين طاية والكاليتوس، وفِي براقي شرق العاصمة! ومنهم من انشغلوا بالحقول وخرجوا إلى حواف الطرق السريعة، لبيع الخضر والفواكه، والبيض والدجاج.. نعم عادوا بكثرة وأعلنوا نعم لعمالة الأطفال، عشية "معا لمكافحة عمالة الأطفال"! وتؤكد شبكة "ندى"، للدفاع عن حقوق الأطفال، على ضرورة الإسراع بمخطط الوقاية والتكفل بالأطفال، في وضعية التسول والاستغلال الاقتصادي في الأسواق الموازية، وإعادة إدماجهم أسريا وتربويا واجتماعيا حماية لهم. ودعت إلى استخلاص الدروس من الوضعية الحالية التي تسبب فيها، وباء "كوفيد19". والبحث عن آليات مواجهة وضعية هشة وضعيفة في منظومة الحماية الاجتماعية، والمتعلقة بشريحة الأطفال.