ينفرد المسجد في الجزائر بانضباط كبير في تطبيق إجراءات الوقاية من فيروس كورنا مع الحفاظ على وتيرة عالية ومتواصلة في التقيد بالبروتوكول الصحي وتفادي الاستهتار عكس ما هو موجود في العديد من المؤسسات الأخرى. منذ أن سمح لها بفتح أبوابها وبعد شهر من عودة صلاة الجمعة استحقت المساجد بالفعل هذه العودة بالنظر للانضباط الكبير الذي تسجله هذه المؤسسة الدينية التي تجندت منذ البداية لضمان خدمة الوقاية، والحرص على الالتزام بكل الإجراءات التي تقي من الوباء. ويظهر ذلك من خلال الحفاظ على نظافة المسجد والغلق التام لبيت الوضوء الذي لايفتح مهما كانت الظروف بالإضافة الى تجند المتطوعين عند مدخل كل مسجد فيحرصون على مراقبة الكمامة وإحضار السجاد وهي الأدوات التي تسلم في أغلب الأحيان للمصلين،كما يقدم المتطوعون خدمة قياس درجة الحرارة ويحرصون على ضرورة احترام التباعد وترك المسافة بين المصلين سواء في الصلوات الخمس أو في صلاة الجمعة، هذه الأخيرة التي تأقلم عليها الجزائريون وفق المقتضيات الجديدة فرغم العدد الكبيرة للمصلين إلا أن الانضباط طبع كل المساجد والى غاية اليوم لم يتم تسجيل أي خرق أو تمرد أو نوع من الاستهتار، فكل الأوضاع تبشر بالخير عبر مساجد الجمهورية والطمأنينة تزداد عند رؤية ذلك الشيخ الطاعن في السن والذي لا يفهم الكثير عن الوباء وقد لا يقتنع إطلاقا بوجود فيروس إسمه كورونا لكن عند مجيئه الى المسجد تجده يرتدي الكمامة ويتأبط سجادته في صورة المواطن الصالح الملتزم بإجراء الوقاية والحريص على أداء الصلاة في أمان، فهناك شيخ التقيناه بسطيف لا يؤمن إطلاقا بالفيروس ولا يبدي له أي اهتمام لكن عند ذهابه الى المسجد يلتزم بالكمامة والتباعد ولما سألناه عن الأمر يقول لأن مسجد أمر بذلك. وهي الصورة الذهنية التي امتثل لها كل الجزائريين الذين يعتقدون يقينا أن كل ما يأتي من المسجد فهو مقدس وينبغي الالتزام به، وحتى ذاك الشاب المتمرد الذي لا يلتزم بالوقاية في المؤسسات العمومية والمحلات التجارية تجده منضبطا كل الانضباط عند الذهاب الى المسجد في صورة تعكس تعلق الجزائري بدينه. الجزائريون أكثر الشعوب تمسكا بالدين وقد سبق أن بينت دراسة أمريكية أجراها المعهد الدولي للبحث "وين قلوب" أن الجزائريين في مقدمة الشعوب المتدينة والجزائر ضمن العشر الدول الأكثر تدينا في العالم، وبينت الدراسة التي صدرت سنة 2015 أن الأغلبية الساحقة من الجزائيين تمارس الشعائر الدينية إراديا. والظاهر أن هذه الميزة جعلت الجزائري يلتزم بالممارسات اليومية والأسبوعية التي شرعها الدين الإسلامي ويقدس كل ما يأتي من المؤسسة الدينية. فتجد التطوع يبلغ ذروته في المساجد ويظهر ذلك من خلال التوافد الطوعي والكبير للمتطوعين للتنظيف المسجد وتنظيم إجراءات الوقاية وتوزيع الكمامات والسجاد على المصلين، فهؤلاء يتطوعون بالجهد وآخرون يتبرعون بالمال سواء لتجهيز أو بناء المسجد وما أكثرهم في الجزائر خاصة أولائك الذين تبرعوا لبناء مسجد بمفردهم دون الحاجة إلى التكافل والتعاون، وهناك من تبرعوا بمختلف الأدوات والتجهيزات التي يحتاجها المسجد وكذا وسائل الوقاية التي تزداد كمًا كلما تعلق الأمر بالصلاة والمصلين داخل المسجد. خطب الجمعة: الأقوى تأثيرا للتمسك بإجراءات الوقاية وقد تدعم هذا الالتزام بخطب الأئمة الذين حرصوا منذ عودتهم إلى المنابر على تخصيص خطب الجمعة للحديث عن الوباء والوقاية مع إعطاء الصبغة الدينية لحملتهم وربطها بالآيات القرآنية والأحاديث الدينية، ولذلك كانت حملتهم هي الأنجح في تجسيد الوقاية. فعندما نتتبع التزام الجزائري بالكمامة عند ركوبه للسيارة تجده منضبطا خوفا من توقيفه من طرف الشرطي ومن عقوبة المليون سنتيم وبمجرد أن يبتعد عن الحاجز الأمني ينزع الكمامة ولا يعير أي اهتمام للوقاية. ونفس شيء نجده في المؤسسات الأخرى فلا تكاد ترى أي انضباط في البلديات ومراكز البريد سواء من طرف الزوار أو العاملين فيها والوضع يزداد سوءًا في المحلات التجارية التي تفاقمت فيها درجة الاستهتار سواء من طرف التجار أو الزبائن، بينما ذات التاجر أو الزبون أو المتردد على المؤسسات العمومية إذا توجه الى المسجد تجده يلتزم بالكمامة والتباعد ويرى أن ذلك من الواجبات وهذا ما يعني أن الأئمة قد نجحوا في حملتهم، ووصولهم إلى المبتغى كان أفضل من الجمعيات ومختلف الهيئات. والخلاصة أن كل من أراد أن يسوق الذهنية الجزائرية عليه أن يأتيها من الجانب الديني حتى وان كان لم يدرك التدين بُعده الحقيقي.