قبل أن "تخنقها" صروف الدنيا ونوائبها، خنقها الحبل السري قبل أن ترسل صرختها الأولى. فنزلت من ظلمة الرحم دون أن تملك "المعدّات" التي تواجه بها حياة عسيرة حتى على الأصحاء، فما بالنا بالمرضى. إنها الطفلة رتيل ذات السنتين التي تعاني من الصرع والشلل منذ ولادتها وتخضع حاليا لعدة علاجات كيميائية وطبيعية أنهكت بدنها الصغير. "جواهر الشروق" تواصلت مع والدة الطفلة، السيدة نورة، التي كشفت عن رغبتها في التعريف بحالة ابنتها حتى تكون بمثابة الدرس الذي تتعلم منه النساء المقبلات على الولادة. ولدت رتيل في 5 جانفي 2019 على الساعة الحادية عشر ليلا. وكان من المفترض أن تخضع الأم لعملية قيصرية لأن الطفلة اتخذت وضعا مقلوبا، أو ما يصطلح عليه طبيا ب" الوضعية الفارسية". ولكن قبل لحظات من ولادتها، استعادت رتيل وضعها الطبيعي، ولكن القابلات لم ينتبهن إلى أن الحبل السري ملفوف على رقبتها، خاصة في غياب الطبيبة وعدم إخضاعها لأشعة الايكوغرافي. خرجت الطفلة بعد عملية التوليد وهي مزرقّة تماما والحبل السري ملفوف على رقبتها، ما استدعى وضعها في حاضنة الإنعاش لمدة 12 يوما. خلال هذه الأيام، كانت الرضيعة تعاني من نوبات الصرع وتلقت أدوية مضادة شديدة القوة على مخلوق صغير فتح عينه داخل هيكل زجاجي متصل بالدارات الكهربائية. بعد 12 يوما، استلمت الأم ابنتها مرفوقة بنصيحة مطمئنة: "تعاملي معها وكأنها طفل طبيعي". غير أن ما لاحظته نورة على ابنتها لا تنفع معه هذه النصيحة، حيث بدت الطفلة بحالة غير طبيعية، إذ أنها تبكي كثيرا، وتعاني من قلة النوم ولا ترغب في الرضاعة ولا تحرك يديها ولا رجليها مثل الأطفال في سنها. وبعد خضوعها لعدة تحاليل طبية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، اكتشف الأطباء أن الرضيعة تعاني من انكماش في القشرة الدماغية وبالتالي ستعاني من تأخر حركي بنسبة مائة بالمائة، أي أنها تعاني من الصرع والشلل معا. منذ تلك اللحظة، تلقت الطفلة عدة علاجات، لكن حالتها لم تتحسن، وصار أطباء الأعصاب يضاعفون الجرعة حتى تلقت رتيل في سن السنتين أدوية كثيرة، على رأسها urbanyl الذي يتم الحصول عليه من فرنسا لعدم توفره في الجزائر، وبدون هذا الدواء تعاني رتيل من نوبات صرع متتالية. وباتت الطفلة في حاجة إلى علاج مكثف ومكلف، وبعد بحث على مواقع التواصل الاجتماعي، عثرت الأسرة على مركزين لعلاج الشلل الدماغي للأطفال، مركز بسطيف، والآخر ببرج بوعرريج، في حين تقيم الطفلة بولاية قالمة. وكان لزاما على الأم أن تنتقل رفقة طفليها الصغيرين إلى ولاية برج بوعرريج حتى تحظى ابنتها بطفولة قريبة من الطبيعية فقط، خاصة وأن العلاج المبكر في مثل هذه الحالات يمكنه أن يحقق نتائج جيدة. استأجرت السيدة نورة بيتا بعدما باعت ذهبها ومفروشاتها، بينما ظل الزوج في ولاية قالمة، حيث يمارس عمله ولا يتسنى له زيارة أسرته إلا في أوقات متباعدة. بدأت الطفلة مرحلة العلاج المؤلم، حيث يتم ربط رجليها ويديها تارة، ورأسها تارة أخرى حسب ما يستدعيه العلاج الطبيعي. وفي كل مرة تشاهد الأم ابنتها في هذه الوضعية، تنهار معنوياتها وتنتابها حالة من الحزن الشديد، خاصة عندما تراها تنظر إليها وهي تذرف الدموع وكأنها تقول لها فكي قيودي… ارحميني. ولكن نورة تحاول أن تخفي حزنها وتصمد من أجل أن تتعافى رتيل ويصبح بإمكانها أن تعيش مثل جميع الأطفال، أو على الأقل تجلس وتمشي. ومن أجل أن ترى ابتسامة ابنتها، تقوم الأم بدور المهرج، هذه الابتسامة التي تقول نورة إنها تعطيها دفعة من الأمل للصمود أكثر أمام هذا المرض الذي يحتاج إلى تكاليف كثيرة تتراوح ما بين 5 إلى 7 ملايين سنتيم شهريا وهو جعلها تبيع نصف ما تملك. والمشكلة أن العلاج يحتاج إلى فترة طويلة لذلك وجهت نداء للمحسنين عبر العديد من وسائل التواصل ولكن لم تتلق أي رد أو تضامن. وتعاني والدة الطفلة رتيل من مشكلة أخرى وهي صعوبة الحصول على دواء urbanyl المفقود في الجزائر، وحتى عندما تعثر عليها أن تدفع ثمنا كبيرا لاستلامه عبر البريد. ومن خلال "جواهر الشروق" توجه السيدة نورة رسالتها إلى كل الذين يطلقون عبارة "معوق"على المصابين بالشلل الدماغي، أن هذه الكلمة جارحة ومسيئة لأهالي المرضى الذين لديهم ما يكفيهم من الهموم، فلا داعي ليضيفوا لهم هما آخر. وبدل ذلك، يمكنهم أن يساهموا في مساعدة هذه الطفلة التي تحتاج إلى التكافل المادي لتخرج من مرحلة الخطر. والنداء موجه بالدرجة الأولى لسكان برج بوعرريج أين تقيم والدة رتيل في بيت مستأجر وتعاني الأمرّين قبل أن تجمع مبلغ علاج ابنتها الصغيرة.