أثارت سحابة الرمال التي غطت مناطق في فرنسا، بداية فيفري الجاري، مخاوف لدى الفرنسيين بعد تأكيد وسائل الإعلام على أنها تحمل إشعاعات نووية. وأعادت الزوابع الرملية المحملة بالمواد المشعة حسب تأكيدات خبراء مختصين فرنسيين في الحماية من الإشعاعات، الحديث عن المعاناة اليومية التي يعشيها سكان المناطق التي أجريت فيها التجارب النووية الفرنسية في جنوب رقان في الصحراء الجزائرية قبل 60 سنة مضت. واستغرب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من الهلع الذي خلفته سحابة الرمال "المشعة" في فرنسا، في ظل تعنت هذه الأخيرة في الاعتراف بالآثار الخطيرة التي خلفتها الإشعاعات الناتجة عن تجاربها النووية على سكان المناطق التي أجريت فيها وكأن الجزائريين بشر من الدرجة الثانية يمكن إجراء عليهم مختلف التجارب. وقالت ناصرة عيادي في تعليق لها على فيسبوك: "المفروض هي نقطة قوة للجزائر فيما يخص مساعيها لتحمل فرنسا مسؤولياتها المادية والأخلاقية تجاه الجزائر….فإذا كان ذرات رمل وبعد عقود من السنوات يكتشف تشبعها بالمواد المشعة، فماذا عن الجزائريين المتعايشين معها منذ عقود من الزمن". بينما ذهبت كاميليا لجين إلى القول: "لهذا كل أنواع السرطان منتشرة بكثرة خاصة في السنوات الأخيرة ببلادنا….راه في أكلنا في لباسنا في مائنا في الهواء الذي نتنفسه …حسبي الله ونعم الوكيل فيهم". وعلق آخر بقوله: "لا يوجد شر إلا وتركه المستعمر الغاشم في الجزائر، إشعاع يتسبب في تشوهات وأمراض خطيرة… في الصحراء بسبب الإشعاعات مازال لحد الآن تشوهات خلقية في أطفال حديثي الولادة….". ويمثل ملف التجارب النووية الفرنسية أحد أبرز خلافات الذاكرة بين الجزائروفرنسا، وسط مطالبات من أوساط حقوقية وسياسية جزائرية باسترجاع الأرشيف المتعلق بالتجارب النووية لتقييم الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في جوانبها الصحية والبيئية. ففي 13 فيفري من العام 1960، أجرت فرنسا في رقان بالصحراء الجزائرية تجربتها النووية الأولى التي أطلقت عليها اسم "الجربوع الأزرق" بتفجير قنبلة بلوتونيوم بقوة 70 كيلو طن، أي أقوى بثلاث إلى أربع مرات من قنبلة هيروشيما، حيث طالت الآثار الإشعاعية للتفجير غربي إفريقيا بأسره وجنوبي أوروبا. ونفّذت فرنسا بين 1830 و1962، إجمالي 17 تجربة نووية في الصحراء، بين 1960 و1966 في منطقتي رقان وإن إيكر. وجرت 11 من تلك التجارب، وجميعها تحت الأرض، بعد توقيع اتفاقيات إيفيان، عام 1962، التي تضمنت بنودا تسمح لفرنسا باستعمال مواقع في الصحراء حتى عام 1967. وكشفت وثائق رُفعت عنها السرية في 2013 أن مستويات النشاط الإشعاعي كانت أعلى بكثير من تلك التي أقرت بها باريس في ذلك الوقت، وأن أضرارها طالت غربي أفريقيا بأسره وجنوبي أوروبا. وأشارت مجلة الجيش التابعة لوزارة الدفاع الوطني، في عدد سابق، إلى أنه "بعد مرور أكثر من ستين سنة على هذه التفجيرات، تصر فرنسا على إخفاء الخرائط التي من شأنها كشف أماكن مخلفاتها النووية، باعتبارها حقا من حقوق الدولة الجزائرية إلى جانب المماطلة في مناقشة قضية التعويضات التي تخص المتضررين الجزائريين".