بعد أن كانت مأوى المتشردين ومحط المتسكعين ومصدرا للأوساخ ومياه الصرف الصحي، تحولت ساحة الألفية بباب الوادي هذا الموسم إلى قبلة أصبح العاصميون يفضلونها بعد أن زالت من حولها غيوم الهجران والإهمال وأشرقت فوقها أشعة الرعاية والاهتمام. يكمن سر جمال هذه الساحة في موازاتها لذلك الشاطئ الخلاب الذي كانت السباحة به ممنوعة في وقت مضى، إما اليوم فتتزاحم حوله العائلات التي تأتي من كل حدب وصوب لمداعبة رماله ومعانقة أمواجه. وفي هذا السياق، يقول محمد من بشار"هذه هي المرة الأولى التي أتي فيها رفقة عائلتي إلى العاصمة فعادة ما اقضي العطلة الصيفية في جيجل أو عنابة. ولأنني رأيت انه شاطئ محترم وعائلي قررت استئجار شقة صغيرة في باب الوادي لقضاء ما تبقى من شهر أوت هنا". أما ابنة الحي، زكية التي أتت إلى الشاطئ رفقة صديقاتها، فتؤكد "لقد أصبح اليوم كيتاني بيتش شاطئا نظيفا ومتميزا.كنت في الماضي اشبع ناظري به من النافذة أما اليوم فانا احتضن رماله ومياهه. الإطلالة من الساحة فريدة من نوعها، حيث تجد عشرات العائلات تحت الشمسيات تغطي رمال الشاطئ هنا وهناك أما البحر فمكتظ بالمصطلفين من كل الأعمار، ويخيل لك وأنت تحدق بهذا المنظر وكأنك في سيدي فرج أو زرالدة. ليل كيتاني أكثر بهاءا من نهاره أما إذا زرت الساحة في الليل، فانك ستنبهر بالجو العائلي الحميمي التي يخلقه الزوار من أبناء الحي والأحياء المجاورة.. أناس من مختلف الأعمار ..شبان و شابات، نساء وأطفال. "الهبطة لكيتاني ولاتلي سيروم كل ليلة.." هذا ما أفادتنا به ليلى وهي في قمة سعادتها رفقة أخواتها، قبل أن تضيف "إنها فرصة لنا نحن النساء للراحة بعد يوم شاق في المطبخ والأعمال المنزلية، خاصة وأننا لا نحتاج لرجل لمرافقتنا..إنها "حومتنا". ويجد أبناء باب الوادي راحتهم في هذه الساحة بين الصيد أو الاستمتاع بمنظر البحر أو لعب الدمينو مع احتساء الشاي الساخن الذي يبيعه الأفارقة أو أبناء الجنوب. وفي سياق متصل، يقول عمي رمضان "الصيد هوايتي، إذ أجد راحتي بين صنارتي الملقاة في البحر وبين هذا الجو العائلي الحميم". أما سيد احمد ورفاقه فلا يفوتون أي ليلية دون لعب الدمينو.."نلتقي هنا دائما بعض صلاة العشاء للعب أشواط متعددة في الدمينو تتخللها لحظات من الفكاهة والضحك حتى ننسى ما قضيناه طيلة اليوم الطويل والحار". في حين علق وليد الكيتاني، سفيان، "راكي تشوفي حتى النساء زاحمونا.." ساحة كيتاني تتحول إلى حديقة تسلية للأطفال وما زاد الساحة رونقا وإقبالا العاب التسلية المخصصة للأطفال التي أضفت أضواءها المنبعثة ليلا جوا متميزا وجمالا ساحرا يجذب كل عابر يمر بجوارها. من جهة أخرى، فقد ساعدت الأسعار المعقولة المعتمدة هناك في زيادة الإقبال، حيث يتراوح سعر تذكرة اللعبة الواحدة بين 20 و 40 دج، مما ادخل البهجة على قلوب الأطفال وأثلج صدور أولياءهم. "هذا واش ايوالم الزوالي"..أجابنا مصطفى، أب لأربعة أطفال، وهو يشتري التذاكر لأولاده الذين ينتظرون ركوب الألعاب بفارغ الصبر. طوابير طويلة مزدحمة متلهفة لامتطاء هذه اللعبة أو تلك من اجل الحصول على مقعد في القطار أو العجلة الدوارة، ضحكات منبعثة من أفواه أطفال بريئة تكاد قلوبها تقفز من الفرحة، صيحات آباء و أمهات مبتهجة.. هذا هو الجو الذي يسود هذه المساحة "الشريان النابض في ساحة الالفية''. يقول موسى بائع التذاكر"نشهد إقبالا معتبرا ليس فقط من أبناء المنطقة بل من كل جهات العاصمة،مغتربين و أجانب..إنه لشيء رائع بالفعل". كما ينتشر في الساحة عدة باعة ل"لحية بابا" و"كوب كونغ" و مختلف أنواع المرطبات والمثلجات. بالإضافة إلى لعب بلاستيكية متنوعة للأطفال حتى يغتنموا الفرصة لإدخال مصروف جديد إلى جيوبهم. حمزة، احد الباعة الشابة من أبناء المنطقة، يقول بهذا الخصوص "ادخل تقريبا في اليوم الواحد 3000دج وهذا جد مناسب لي و لا استطيع تضييع الفرصة فكل دينار زائد يدخل جيبي هو بمثابة ربح لي". الشعبي.. في الموعد كل خميس وبالقرب من مسبح الكيتاني، تذاع على المباشر حصة إذاعية أسبوعية "نوبة الجيل"، ينشطها مطربو الشعبي الأصيل بحضور شخصيات فنية مشهورة ورئيس بلدية باب الوادي السيد محمد بابو الذي يؤكد دعمه لمثل هذه التظاهرات"احضر هذه الحفلة منذ بداية موسم الاصطياف و تدوم لغاية شهر رمضان المعظم إن شاء الله". وحول أجواء الحفلة يقول"قعدة شعبية عربية مميزة والحضور الكثيف للعائلات يؤكد تعطشه وتفاعله مع مثل هذا التقليد الجزائري العريق ". و قد عمّ الساحة توافد العائلات بشكل معتبر مع رقصات الشبان التي أعطت للحفلة طابعا ترفيهيا تتخلله تصفيقات الحضور وزغاريد النساء. "والله غير رحمة ربي".. تقول خالتي رتيبة التي حضرت الحفل رفقة بناتها وحفيداتها وفتيات من بنات جيرانها. "أتمنى أن تقام هذه التظاهرات كل صيف بكيتاني"، تضيف سارة بنت الحي وإحدى المعجبات بالفن الشعبي. وفي ظل هذه المرافق والتظاهرات الثقافية، أضحت ساحة الألفية احد المناطق السياحية بالعاصمة التي أفرجت كربة أبناء باب الوادي خاصة والعاصمة عموما وأضفت على حيهم البهجة والانتعاش. نين مريم