قادة بن عمار مرة أخرى، وبكثير من الحكمة وقليل من العصبية والعنتريات التي ما قتلت ذبابة، يسير حزب العدالة والتنمية في تركيا اليوم الاثنين بخطوات ثقيلة وبهدوء تام نحو منصب الرئاسة، رغم كل الضجّة التي سبقت إعلان عبد الله غول نيّته الترشح سواء من طرف الأحزاب العلمانية المتشدّدة أو العسكر وهما في كل الأحوال وجهان لعملة واحدة عنوانها الإرث الأتاتوركي الراسخ منذ عقود في الدولة التي ورثت كذلك التاريخ العثماني بكل انتصاراته وانكساراته. عبد الله غول بقراره خوض المعركة الانتخابية مجدّدا تحت قبة البرلمان هذا الاثنين يدرك جيدا الفوارق التي حصلت بين تاريخ إعلانه الأول في شهر ماي الفارط واليوم، فهو الآن يخوض حربه بعدما أخرست نتائج الانتخابات كل ألسنة العلمانية المزعومة، كما أنه يسير نحو القصر الرئاسي وبيده غالبية الشارع التركي ، وهو بذلك يمنحنا العديد من الدروس التي تعبت التجربة التركية الرائدة في تلقينها لنا، ونحن في العالم العربي لم نفهم أيّ درس منها حتى الآن، ف "غول" لا يرى رابطا مباشرا بين وصوله الرئاسة وانتصار أفكاره المنحازة للتيار الإسلامي، كما أنّه لا يرى محاولة قطع الطريق عليه فقط مرتبطا بكون زوجته محجبة وأنّ الأتراك عاهدوا كمال أتاتورك أن لا تدخل القصر امرأة محجبة، ولكن غول ومعه أردوغان نجحا في إلباس الصراع الإيديولوجي في عمقه ثوبا اقتصاديا وديمقراطيا، لذلك تعاملت أوربا حتى الآن، أو دول المحور فيها على الأقل مع الخيارات الاقتصادية والتجارية التي يمكن للإسلاميين أن يمنحوها للشريك الرافض انضمام أحفاد أتاتورك إليه رسميا حتى الآن. خلاصة الدرس التركي الجديد تتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه نجاح الثورة الصامتة وتمكن الإسلاميين من الخروج متفوقين من لعبة عض الأصابع مع العسكر والعلمانيين المتعصبين، وهو ما يناقض تماما ما يذهب إليه الإسلاميون العرب المتمسكون حتى الآن بنمط الشعاراتية وفقه النضال بالبيانات، وعبادتهم لمقولة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مثل القوميين تماما..ليتضح لنا بصريح العبارة أن الإسلاميين لا يزالون في طور الجعجعة، أما هنالك في تركيا فإنهم طحين بلا جعجعة !