بقلم: خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com ماذا يريد هؤلاء الذين يرددون علينا في كل مناسبة أسطوانة مرض الرئيس؟ هل يريدون أن يمرضوه ويطرحوه على الفراش (بالسيف)؟ والغريب أن هؤلاء لا يتوقفون عن إخراج نفس الحكاية رغم أن فخامته أكد لهم في آخر مرة أنه في صحة جيدة وقادر على إدارة دفة السفينة وعندما يشعر أنه عاجز سيعود إلى بيته. ماذا يريد مروّجو الأسطوانة الجديدة القديمة أكثر من هذا الكلام الواضح؟ أم أنهم سمعوا أن فخامته قرر العودة إلى بيته؟ على كل علينا أن نحيي المنسق العام للحكومة الذي تولى هذه المرة أيضا صدّ الشائعات ورد ردًّا واضحا دقيقا على حكاية مرض الرئيس، ومع أن ردّه كان يشبه ردوده السابقة إلا أنني وجدت نفسي مضطرا للوقوف عنده والتنويه بما ورد فيه وفي باقي تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الثلاثاء الماضي بمناسبة عودة الشائعات عن صحة صاحب الفخامة وشائعات أخرى عن حال بلد العزة والكرامة. بلخادم كان واضحا جدًّا وهو يكرر ويؤكد للعالم أن (الرئيس بخير)، مضيفا أنه ليس لا في إجازة ولا في عطلة ولا في نقاهة، مع أن من حقه أن يأخذ إجازة فوقت الإجازة لم ينته بعد. وقبل أن يدعو الله أن لا يصيب فخامته أي مكروه أوضح بلخادم أن الرئيس (راهو خدام في بيتو)، والحق أنني وجدت هذه الجملة مكتوبة في الورقة التي وضعتها أمامي وأنا أتابع وقائع المؤتمر الصحفي ولا أدري إن كانت عبارة (في بيتو) خرجت هكذا من فم رئيس الحكومة أم أنها زلة من زلات قلمي أملاها عليه الخيال المغرض. أقول هذا لأنني أخشى إن كان بلخادم قد قال فعلا إن فخامته (راهو خدام في بيتو) أن تنهال ألسنة المغرضين مرة أخرى للسؤال إن كان صاحب الفخامة قرر العودة إلى بيته والعمل فيه أم أنه لم يجد في مكتبه بالقصر الجمهوري، المكان المفروض أن يكون فيه للخدمة، الجو الملائم لتأدية مهامه كما يريد، ولا أسترسل في الأسئلة المغرضة لأنني أشك أن تلك الجملة كانت مجرد زلة قلم أو ربما زلة لسان، وشخصيا لا أتمنى أن يتطلب هذا عقد مؤتمر صحفي آخر! عموما أكد بلخادم أن الحديث عن مرض الرئيس هو من بين الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة، تماما مثل شائعات الصيف الأخرى التي تتحدث عن دخول اجتماعي ساخن للجزائريين، وهي من بنات أفكار نافخي الكير كما وصفهم منسق رئاسة الحكومة. لكن قبل أن أكمل مع باقي شائعات الصيف، أود أن أشير للأمانة إلى أنني لم أتابع كل وقائع المؤتمر الصحفي، فربما جاء فيه ما هو أهم من شائعات مرض الرئيس والدخول الاجتماعي الساخن، لأنني غادرت مكاني بعد لحظات فقط من إعلانه عن وفاة الجنرال إسماعيل العماري، ورغم أن وكالة الأنباء الرسمية اكتفت بالإشارة إلى أن الفقيد (تدرج في العديد من الوظائف العسكرية إلى غاية ترقيته إلى رتبة لواء في 5 جويلية 1999)، إلا أن بلخادم أوضح بعد إلحاح الصحفيين على معرفة وظيفته أنه كان (مسؤولا في الأمن)، هذه هي وظيفته إذن، مسؤول في الأمن ولواء منذ 1999. هل هذا فقط ما يجدر قوله عن رجل قضى كل عمره أو جله في واحدة من أهم مؤسسات الجمهورية؟ إن المتوفى هو الجنرال إسماعيل العماري وليس موظفا بسيطا في هيئة حكومية بسيطة وقد سارع فخامته شخصيا إلى بيته لقراءة الفاتحة على روحه، فلا يُعقل أن نختصر حياته ونضاله في كلمة واحدة. أعود إلى شائعات الصيف التي دحضها رئيس حكومة العزة والكرامة وأتوقف كثيرا عند تأكيده أن استقالة الحكومة ليست واردة (باش نبطلو الحديث)، أي أنه يريد أن يقطع نهائيا دابر نافخي الكير الذين يريدون للجزائر حكومة جديدة. وليست الحكومة وحدها التي لن تستقيل، بل حتى الاستقالات الجزئية غير واردة هي الأخرى، فلا ينتظرنّ أحد منكم من أي وزير في حكومة العزة والكرامة أن يقدّم استقالته، لا وزير التجارة ولا وزير الفلاحة لأن ندرة البطاطا دامت وأسعارها لم تعرف انخفاضا منذ أشهر أو لأن المواطن الجزائري لم يعد يشتري حاجته وحاجة أولاده من حليب الغبرة المذابة في الماء المبستر. ومثلما قال بلخادم، أين الخلل أو أين ذنب الوزير إذا زاد سعر الحليب أو بذور البطاطا في البورصة العالمية؟ ولعل أسخف ما قرأته كان في صفحة كلام السوق بصحيفة الخبر يوم الثلاثاء عندما حاول المحرر إسقاط حالة استقالة وزير الصحة الكويتية الدكتورة معصومة المبارك بسبب حريق في أحد المستشفيات الكويتية على الحالة الجزائرية وجاء في العنوان أن استقالة الوزيرة هي (درس كويتي لعمار تو)! كلام غريب فعلا! وكأن الحكومة الجزائرية تنتظر من الكويت أن تعطيها درسا في الاستقالات. وعلى رأي بلخادم ما دخل وزير الصحة عمار تو في حالات الأمراض المسجلة في بلعباس والجلفة؟ وما شأن تو بهؤلاء إذا ماتوا بسبب أمراض أصابتهم؟ ولقد صدق رئيس الحكومة عندما قال إن التهاب الكلى (وهو المرض الذي تقول عنه الصحافة إنه مرض غريب يصيب سكان بلعباس منذ أسابيع) والتيفوئيد (الذي يضرب منطقة الجلفة) هما مرضان موجودان ويصيبان كثيرا من الناس في دول أخرى. قولوا لنا أيها النافخون في الكير ما دخل وزير الصحة في مرض التيفوئيد أو التهاب الكلى، هل هو الذي قال للسكان اتركوا الجرذان ترعى في منازلكم أو عيشوا وسط الأوساخ والمزابل؟ نعم، إن المسؤول عن كل هذه الأمراض ليس الوزير ولا الحكومة ولا حتى الجرذان والفئران والصراصير والأوساخ، بل هو المواطن الذي رضي لنفسه أن يعيش وسط الفئران والأوساخ. لماذا يختار مواطن بلعباس أو الجلفة العيش هناك ولا يعيش مثل باقي خلق الله في نادي الصنوبر أو موريتي أو غيرهما من إقامات الدولة؟ هل منعهم أحد من ذلك؟ إنهم اختاروا العيش وسط الجرذان والفئران وعليهم أن يتحملوا مسؤولية اختيارهم وحدهم. مثلهم مثل الحراقة الذين يركبون أمواج البحر المتوسط وينتهي بهم المطاف في بطون السمك أو في مراكز أو معتقلات الدول الأخرى أو في أسوأ الحالات في بواخر تعيدهم إلى بلدهم. هل يتحمل مسؤولية هؤلاء أيضا وزير من وزراء الحكومة أو الحكومة كلها؟ لا وألف لا، مئات المنتحرين سنويا في الجزائر، هل هناك وزير يتحمل مسؤولية أفعالهم، لا. وآلاف ضحايا أعمال النهب والسرقة والعنف والجريمة هل هناك وزير يتحمل مسؤولية ذلك؟ كلا. الحراق هو الذي اختار الموت في البحر والمنتحر هو الذي اشترى حبل أو سلك شنقه بيده وضحية السرقة هو الذي سمح للسارق أو المجرم بسرقته. لا ذنب ولا وزر لحكومة العزة والكرامة في كل هذا. هي وفّرت للمواطن العيش الكريم وخصصت لرفاهيته كل أنواع البرامج التنموية في التعليم والسكن والشغل وخصصت له سلالم من الأجور والرواتب لا يحلم بها أحد وسخرت له كل وسائل الدولة ومواردها الضخمة ومع ذلك نجد هذا المواطن يرضى بذل العيش وبحياة البؤس والهوان ويولي ظهره للعيش الرغيد الذي وفرته له حكومته الساهرة عليه. من يجرؤ أحد بعد ذلك أن يقول إن الدولة قصرت في حق أبنائها ويطالب الحكومة أو أحد وزرائها بالاستقالة؟ أعتقد أن هناك حالة واحدة تكون فيها الاستقالة أمرا حتميا، وهي عندما يحاول أحد الوزراء أن يتعامى عن الصورة الناصعة التي تسود البلد فيعترف ولو تلميحا أن هناك مشكلة فقر أو بؤس أو بطالة في البلد. في هذه الحالة لا بد أن يكون مصير هذا الوزير الطرد شر طردة من واجهة الحكم، لكن لحد الآن علينا أن نبقى مرتاحين لأن وزراءنا لم يبلغوا بعد هذه الدرجة من الغباء السياسي والانحطاط الوظيفي!