تطبع قطاع النقل بولاية بومرداس فوضى عارمة نغصت على مواطني هذه الولاية حياتهم وحوّلتها إلى جحيم، نتيجة الخروقات والتجاوزات المرتكبة من قبل العاملين بهذا القطاع وبالأخص الناقلون الخواص، الذين حوّلوه إلى ملكية خاصة يحق لهم العمل فيه كيف ما يشاؤون..مشكلة هذا القطاع الحساس الذي لا يمكن لأحد تجاهل المكانة التي يلعبها كونه همزة وصل بباقي القطاعات، تتركز أساسا في قيام بعض سائقي وقابضي الحافلات على خرق القانون وسوء التعامل مع المسافرين. وحسب آراء عدد من المسافرين الذين يستعملون حافلات النقل العمومي بشكل يومي من وإلى شرق ولاية بومرداس الذين التقتهم "الشروق اليومي"، فإن أول عامل من عوامل تدهور القطاع، هو مشاحنات الناقلين الخواص فيما بينهم، حيث يعمدون إلى قيادة حافلاتهم بسرعة مفرطة دون احترام قانون المرور أو السرعة المسموح لهم بها، ناهيك عن الانحرافات والانزلاقات المسجلة في صفوف حافلات النقل الناتجة عن هذه السرعة، وكل هذا حتى يسابق السائق زميله ليبلغ قبله محطة نقل المسافرين، ويملؤها قبله بالمسافرين، الذين يعبثون بحياتهم لدرجة مساواتهم حياته بالقليل من النقود، ثم يكمل مسيره على هذا النحو إلى غاية بلوغ المحطة الرئيسية بعاصمة الولاية ثم يعود إلى نقطة الانطلاق بنفس الطريقة. وإلى جانب السرعة في القيادة فإن بعض الناقلين وخوفا أيضا من أن يسبقه زميله الذي وصل المحطة بعده أو حتى يسبق الذي قبله، فإنه لا يمنح الفرصة للركاب حتى ينزلوا "إلى بر الأمان"، وإنما يجبرهم على النزول قبل أن يوقفها تماما، فيما يعيد شحنها بسرعة لكي يغادر المكان قبل زملائه طمعا في بضعة دنانير يساويها بعض الناقلين بحياة المسافرين. ومن ممارسات بعض السائقين أيضا تغيير وجهتهم في حال وجود اكتظاظ وازدحام في حركة المرور بأحد الطرقات الولائية أو الوطنية، دون احترامهم لجميع المحطات المفروضة على مستوى الخط الذي يعمل عليه، مثلما تعوّد البعض على إنهاء الرحلة بمحطة الثنية على أساس أنها آخر محطة، متجنبا بذلك المحطات التي تليها كتيجلابين وبومرداس، وذلك في حال وجود حادث أو أشغال عطلت حركة المرور بمنطقة اللوز الواقعة بين الثنية وتيجلابين مثلا، ما يشكل أزمة بالنسبة للمسافرين الذين يقبعون بالساعات تحت أشعة الشمس أو الأمطار بمحطة يسر أو سي مصطفى، في انتظار من يقلهم إلى بومرداس في ظل عزوف الناقلين عن التنقل إلى هذه الأخيرة تجنبا للازدحام، كما يقوم هؤلاء أيضا بتجاوز بعض المحطات مع أنها مفروضة عليهم من طرف مديرية النقل وذلك في حال كانت حافلته ممتلئة، في الوقت الذي يركن حافلته في كثير من الأحيان لربع ساعة بكل محطة في حال عدم وجود عدد كبير من المتنقلين. . سائق يغازل خطيبته وهو يقود حافلة مملوءة بالركاب وما زاد الطين بلة هو إقدام بعض السائقين على الحديث عبر الهاتف لفترات متقطعة وأحيانا طيلة الرحلة، وهذا ما سجلته "الشروق" حيث ظل السائق العامل على خط برج منايل-بومرداس، يتحدث عبر هاتفه مع خطيبته، ضاربا عرض الحائط وجود ركاب بحاجة إلى مزيد من التركيز في القيادة باعتبارهم أمانة هو المسؤول الأول عن سلامتهم، وظل الجميع يستمع إلى حديثه الذي استرسل فيه طيلة الرحلة التي دامت قرابة الساعة من الزمن، وفيما يعتبر هذا السائق حالة شاذة لم يسبق تسجيل لها مثيل، فإن القابضين في مثل هذه الحالة لهم فرصة أكثر، حيث يمضي بعضهم معظم وقته في التحدث عبر هاتفه. ومن الممارسات المشهورة بين أغلب قابضي الحافلات على مستوى ولاية بومرداس أيضا، هو عدم تسليمهم باقي نقود المسافرين على الفور، خاصة إذا ما سلمه هذا الأخير ورقة من فئة 1000 أو 2000 دج، حيث ينسى القابض أو يتناسى إرجاع "الصرف" لأصحابه إلى أن يذّكروه بذلك بحجة أنه ليس لديه "فكة"، وفي حال نسي الراكب أنه يدين للقابض ونزل من الحافلة فيكون ما نسيه من نصيب القابض، مثلما هو الحال مع إحدى السيدات اللاتي تحدثنا إليها، والتي أكدت أنها سلمت القابض ورقة 2000 دج، فأخبرها بأنه سيسلمها الباقي لاحقا، لكن هذه الأخيرة نسيت ذلك ونزلت من الحافلة مع أن ثمن تذكرتها من سي مصطفى إلى بومرداس هو 25 دج لتدفع هي أضعاف مضاعفة خاصة وأنها لم تتذكر شكل القابض ولا الحافلة، نفس الأمر حدث مع أخرى والتي سلمته 1000 دج حين توجهت من بومرداس اتجاه بني عمران، فكان مصيرها النسيان أيضا، غير أن الثانية تعرفت على القابض واسترجعت الباقي. . مجانين وسكارى يصنعون الحدث داخل الحافلات ما يميز هذا القطاع أيضا، هو السماح لكل من هبّ ودبّ بركوب حافلاتهم، ما يسبب مشاكل جمة للركاب، فأتاح هؤلاء الفرصة للمجانين والسكارى بركوبها دون مراعاة رضا أو رفض البقية لذلك، حيث سبب مجنون حالة من الفوضى داخل الحافلة وقام بكسر أنبوب معدني تشد إليه الستائر أصيب على إثرها راكب، ناهيك عن الخوف والذعر الذي سببه وسط النسوة، وللسكارى بدورهم نصيب في صنع أحداث يوميات المواطن البسيط، حيث لا يمانع أصحاب الحافلات من ركوبهم معهم، خاصة خلال الفترة المسائية أين تشهد المحطة المركزية لبومرداس التي يجاورها أماكن لبيع واحتساء الكحول، عدد كبير من السكارى الذين يحين موعد عودتهم إلى منازلهم فيركبون الحافلات ويبدؤون بالتلفظ بالكلام الفاحش في ظل صمت أغلب المتواجدين، كما يقومون أحيانا بالتحرش بإحدى الراكبات، ومن جملة الحوادث التي يصنعها هؤلاء قيام"مزطول" عند ركوبه الحافلة بمحطة الثنية، بالادعاء أنه خرج من السجن حديثا وأشهر سلاحا أبيضا ثم أمر فتاة بالنهوض من مقعدها حتى يجلس هو مكانها، حينها بدأ الجميع بتهدئته وقام أحد الركاب من مكانه فاسحا المجال "للمزطول" بالجلوس. . حافلات مهترئة على مستوى سي مصطفى- زموري ومن مشاكل هذا القطاع كذلك، هو اهتراء بعض المركبات وعلى سبيل المثال حافلات النقل العاملة على مستوى بلديتي سي مصطفى- زموري المعروفة باسم "تيتانيك"، والتي يعود زمن صناعتها إلى ثمانينات القرن الماضي، حيث تشهد هذه المركبات حالة من الصدأ، فيما تفكك بعضها وأعيد جمعها بالأسلاك، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على سلامة الركاب، وشهد هؤلاء عدة حوادث نذكر منها حادث تعطل الفرامل الذي كاد يودي بحياة العشرات خلال شهر رمضان الماضي، حيث اصطدم السائق بعمود إسمنتي حتى يوقف الحافلة بزموري، إلى جانب سقوط الكثير في مشهد يذكرنا بفيلم "الطاكسي المخفي"، خاصة وأن هؤلاء يشحنون الركاب داخل هذه المركبات وكأنهم أعواد ثقاب داخل علبة فيلتصق كل واحد بالآخر، مما يتيح الفرصة للنشالين والمتحرشين وغيرهم. ورغم أن هناك فئة قليلة من السائقين والقابضين يحكمون ضمائرهم ويؤدون عملهم كما يجب، إلا أن مواطني ولاية بومرداس يطالبون بضرورة تنظيم هذا القطاع واتخاذ إجراءات ردعية في حق المستهترين.