طوت جنوب إفريقيا أول أمس، صفحة هامة من تاريخها الحديث برحيل رئيسها السابق، نيلسون مانديلا، الذي توفي عن 95 عاما، قضى معظمها في الكفاح ضد التمييز العنصري، وكان بين أوائل من تبنّوا المقاومة المسلحة لسياسة الأبارتيد في 1960، لكنه سارع إلى تبنّي المصالحة والعفو عندما بدأت الأقلية البيضاء في البلاد تخفف قبضتها على السلطة بعد ذلك بثلاثين عاما. ولد نيلسون مانديلا في 18 جويلية 1918 في ترانسكي بجنوب أفريقيا، وهو أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، وحاز على جائزة نوبل للسلام، كما أنه ناشط أعتقل ل27 عامًا بسبب نضاله ومقاومته لسياسة التمييز العنصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وقبل ذلك، تخرج مانديلا من جامعة جنوب أفريقيا بدرجة البكالوريوس في الحقوق عام 1942، وانضم في عام 1944 إلى المجلس الإفريقي القومي الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء، وأصبح رئيسًا له عام 1951. وبدأ مانديلا عام 1961 بتنظيم الكفاح المسلح ضد سياسات التمييز العنصري، وفي عام 1962 اعتُقل وحكم عليه بالسجن 5 سنوات، وفي عام 1964 حكم عليه بالسجن مدى الحياة حتى أفرج عنه في 20 فيفري 1990، حيث سيحوز على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع فريدريك دكلارك بعد ثلاث سنوات من ذلك. وفي 29 أبريل 1994 انتخب "مانديلا"رئيسًا لجنوب أفريقيا، لكنه أعلن في 1999 تقاعده بعد فترة رئاسية واحدة، ليؤسس في نفس العام "مؤسسة نيلسون مانديلا الخيرية"، إذ سلّم السلطة إلى زعماء أكثر شبابا وأكثر تأهيلا لإدارة اقتصاد حديث، في رحيل طوعي نادر عن السلطة ضُرب كمثل للزعماء الأفارقة. ومع تقاعده حول مانديلا جهوده إلى مكافحة مرض الأيدز في جنوب إفريقيا، خصوصا بعد أن توفي ابنه بالمرض ذاته في 2005. وكان مانديلا قد نقل إلى المستشفى في الثامن من شهر جويلية الفارط، لإصابته بالتهاب رئوي حاد، واعتبرت حالته حرجة، ومن حينها والرئاسة تعلن تسجيل تقدم منتظم لكنها ترفض الدخول في التفاصيل احتراما لسرية المعلومات الطبية، قبل أن يغادر في سبتمبر المستشفى في بريتوريا إلى منزله، حيث كان يتلقى العناية المكثفة حتى وفاته يوم الخميس الماضي. ويرجح أن تكون مشاكل مانديلا التنفسية ناجمة عن تداعيات إصابته بالسل خلال سجنه في معتقل روبن آيلاند قبالة مدينة الكاب، حيث قضى 18 سنة من أعوام السجن ال27 في زنزانات نظام الفصل العنصري. وكان آخر ظهور رئيسي لمانديلا على الساحة العالمية في 2010، عندما حضر مباراة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، حيث لقي استقبالا حافلا من 90 ألف مشاهد في ملعب سويتو الحي الذي شهد بزوغه كزعيم للمقاومة. هذا، وقد أثار رحيل نلسون مانديلا، موجة من ردود الفعل في أنحاء العالم لتوجيه تحية إلى هذه الشخصية الاستثنائية، ولم يحظ أي رئيس دولة أو مقاوم سياسي أو حائز على جائزة نوبل أو سجين رأي بمثل ذلك الكم من تحيات الاحترام، والتعبير عن الحزن من كل أنحاء المعمورة، حيث أجمع القادة السياسيون الذين سيشاركون قريباً في مراسيم جنازة الرئيس السابق، على التشديد على الصفات الإنسانية للمناضل الأسطوري نيلسون مانديلا.
تنكيس العلم الوطني لمدة ثمانية أيام ابتداء من الجمعة قصة مانديلا مع الجزائر .. رحلة تدريب وحب في مدرسة الثورة تفاعل العالم أجمع شعوبا وحكومات مع خبر وفاة البطل الرمز وأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، سفير الإنسانية بامتياز.. المكافح الذي قهر الأبارتايد وأخرج جنوب إفريقيا من مستنقع الخصومات والصراعات العنصرية إلى بلد الوحدة والمصالحة والتقدم. وصف الجزائر في مذكراته "حديث نيلسون مانديلا مع نفسه" بالوطن الثاني و"قبلة الحركات التحررية"، وتحدث عن علاقته بالجزائر سنوات الثورة التحريرية ولقائه آنذاك بالمناضل شوقي مصطفاي. طالب الإبراهيمي للشروق "للأسف لم ألتق به.. ألم كبير" قررت الجزائر تنكيس العلم الوطني لمدة ثمانية أيام اعتبارا من أمس، الجمعة، حدادا على وفاة الرئيس الأسبق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا. وبعث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ببرقية تعزية إلى رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما اثر وفاة الزعيم نيلسون مانديلا، أشاد فيها بمناقب الرجل ومسيرة نضاله الحافلة بالإنجازات "إن نيلسون مانديلا يتماهى مع تاريخ جنوب إفريقيا من حيث انه تجسد فيه نضالها الطويل من اجل الحرية والكرامة. إن ما أوليناه من مودة وتقدير إنما هو نتاج ذلكم التماهي مع مسعى الإنسان ومع عدالة قضية شعبه. تحلى خلال مساره النضالي بتمام التواضع والاستقامة في الوفاء بالتزامه فيما بذله من اجل خدمة شعبه.. لخضر بورڤعة للشروق: "أقام مع المجاهدين في المغرب وقتها" وإن أفضل ما يمكن أن نمجد به نيلسون مانديلا هو المضي قدما في هذا المسعى المتضامن على درب النهضة الإفريقية، سيخلد إلى الأبد في الذاكرة الإفريقية من حيث انه حقق المصالحة بين أبناء جنوب إفريقيا وترك بصمته في سجل حركة انعتاق إفريقيا الذهبي. وله المكانة الأثيرة كذلك في قلب كل إنسان محب لقيم الحرية والكرامة الإنسانية.. إلى كافة مواطني جنوب إفريقيا وإلى أسرة الفقيد الجليل ورئيس جنوب إفريقيا شخصيا فخامة الرئيس وأخي العزيز أتوجه باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسي بعميق عبارات التعازي وخالصها معربا لكم عن بالغ تعاطفي معكم". من جهته قال وزير الخارجية السابق الأخضر الإبراهيمي أن "الرجال والنساء في كل مكان يشعرون أنهم فقدوا شخصا قريبا جدا لهم حظي بمحبة واحترام وإعجاب عميق". قال مانديلا في كتابه "الثورة التي قامت بها الجزائر تستحق أن نعود إليها ونتذكرها". واستحق مانديلا اليوم أقدس التحيات عبارات التقدير، فردود الفعل على خبر وفاته تاريخية لم يحظ بها زعماء ورؤساء من قبل. واستحق أيضا أن تكرمه الجزائر هو على قيد الحياة سنة 2009 عندما تم إحياء اليوم العالمي لنيلسون مانديلا الذي صادف عيد ميلاده، وحضرته عدة شخصيات تاريخية وطنية وذلك بتنظيم من مكتب الإعلام التابع لمنظمة الأممالمتحدةبالجزائر العاصمة وجمعية مشعل الشهيد، احتفالا بإقرار يوم 18 جويلية يوما عالميا للزعيم مانديلا ابتداء من سنة 2010. نعي تاريخي لم يحظ به أي رئيس أو زعيم أو سياسي في العالم كان أول اتصال لنيلسون مانديلا بالثورة الجزائرية سنة 1961 في المغرب، حيث التقى ممثل الحكومة المؤقتة الدكتور شوقي مصطفاي الذي قدم له فكرة عن الكفاح الجزائري وجيش التحرير الوطني، الذي أدمج الكثير من مكافحي المؤتمر الوطني الإفريقي في مخيمات تدريب إلى جانب المجاهدين. وابتداء من 1965 قصد العديد من مناضلي المؤتمر الوطني الإفريقي الجزائر سرية لتلقي تدريبا عسكرية وكسب ما يلزم من خبرات قتالية لتنفيذ عمليات عسكرية في جنوب إفريقيا. تأسف وزير الخارجية الأسبق احمد طالب الإبراهيمي، لأنه لم تسنح له الفرصة وقتها للقاء نيلسون مانديلا شخصيا، وعلق في اتصال مع الشروق على رحيل الزعيم الإفريقي "ألم كبير نحس به ولكني لا يمكن أن أدلي بشهادة، لأنني لم التقه". من جهته، قال المجاهد لخضر بورڤعة للشروق أن نيلسون مانديلا التقى بالمجاهدين في المغرب وأقام بينهم، ومنهم من لازال حيا من ولاية سطيف، كان قريبا جدا منه خلال إقامته في الجزائر سنة".