يتحدّث أحمد الزاوي القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في هذه الحلقة بعض تفاصيل اتّخاذ قرار دخول الفيس في تشريعيات 1991 وأسباب تأخّر ذلك، وعن بعض الحسابات الخاطئة للفيس وعدم قراءته للمعركة السياسية بشكل صحيح فضلا عن اتّكاله على "الشارع وفورته"، كما تطرّق إلى الضغوطات التي كانت تمارس من طرف دول أجنبية على الجزائر لمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة وكيف أصبح ذلك معول "استقواء " بيد من أوقفوا المسار الإنتخابي، كما استهجن اتّهام الجبهة بأنّها حاولت استغلال الجانب الديني بطريقة سيئة لكسب الأصوات مذكّرا بالمواد التي كان يقوم بها البعض لحصد أصواتهم، وتطرّق لبعض المبادرات التي طرحت من أجل وقف محاولات الانقلاب في ظل إرهاصات توقيف المسار الإنتخابي. تمّ انتخابك كعضو في المجلس الشوري للجبهة الإسلامية للإنقاذ، هل كانت لك مساهمة في قرار دخول الفيس إلى الانتخابات التشريعية في ظل تغييب شيوخ الفيس؟ أمّا بنسبة لقرار دخول الجبهة للانتخابات البرلمانية 91-92 فلقد كان القرار قد اتخذ على مستوى المجلس الشوري الوطني الذي كنت أحد أعضائه، وكان الرأي العام الدولي والداخلي يترقب موقف الجبهة التي فضلت أنذاك إعلانه بأيام قبل الموعد الرسمي الذي حددته وزارة الداخلية، وكان المقصود من ذلك هو توسيع الشورى من خلال المكاتب البلدية والولائية، ومحاولة خلق نوع من "السوسبنس" في الساحة السياسية، وفي آخر اجتماع لمجلس شورى الجبهة الإسلامية للإنقاذ اتخذنا موقف دخول الانتخابات بنسبة تأييد تزيد عن 80 % في تقديري، حيث لم يخالف الرأي إلا بضعة أعضاء كانوا يرون أنّه لا فائدة من الانتخابات في ظل بقاء الشيخين في سجن البليدة، وكان من بين هؤلاء الشيخ تاجوري الذي استشهد في سجن سركاجي.
لكن ألم تكن هناك تخوّفات من "انقلاب" وشيك في ظل الوضع المتأزّم حينها وحالة الاستقطاب الكبيرة التي سادت البلاد؟ ما كان قد يدفعكم التريّث في اتّخاذ هذا الموقف؟ لم تكن هناك لدينا أي شكوك في أن النظام وأصحاب القرار كانوا لا يريدون للجبهة الإسلامية للإنقاذ الفوز بالانتخابات التشريعية، لكن لا أذيع سرا إذا قلت أن اتكالية الجبهة الإسلامية للإنقاذ الزائدة على الشارع وفورته أنذاك في نصرته لمشروعها هي التي أسست لهذه الحالة من الوثوق، فحتى الذين خالفوا الرأي من أعضاء المجلس الشوري الوطني لم تكن تحليلاتهم مبنية على الخوف من تدخل العسكر في العملية السياسية، واعتقد أن هناك سوء تقدير وقعت فيه قيادات الجبهة، وهو عدم حسن قراءتها وفهمها لدوالييب السلطة ومفاصلها التي كانت تتحكم في القرار، فضلا عن عدم اعتبارها للعامل الدولي، والعامل الإقليمي الضاغط والمتمثل في تونس وبلدان الخليج التي كانت لا تريد أن ترى مشروعا إسلاميا يزاحمها في ريادة العالم الإسلامي ويوقظ إسلامييها من مضاجعهم لينافسوها في السلطة، فأي تجربة ديموقراطية يكون الاسلاميون طرفا فاعلا فيها تجهض.
هل كانت هناك ضغوطات على الجزائر من أجل منع الفيس من الوصول إلى الحكم؟ كل التحاليل والتصريحات لبعض مسؤولي الانقلاب مثل نزار تصب في هذا الإطار، وإلا كيف نفسر أنّ كمشة من الموتورين يحدثون انقلابا على إرادة شعب إذا لم يكونوا قد استقووا بإرادات خارجية.
هل كان هناك ارتباك في الدّخول للتشريعيات من عدمه.. أم أنّ قرار المشاركة كان موجودا لكن تأخّرتم في إعلانه؟ لم يكن هناك أي ارتباك في اتخاذ القرار أبدا، القرار اتخذ على المستوى الوطني، وكان كل عضو من أعضاء المجلس الشوري الوطني يمثل ولايته ويعكس قرار الولاية التي جاء منها.
يطرح كثيرا حينها أنّ الجبهة استغلّت الخطاب الديني لجلب التعاطف الشعبي معها، لن أتوقّف هنا، لكن ممّا يثار قضية تصوير كلمة الله في السماء أمام الحشود بأضواء الليزر؟ ما مصداقية هذا الكلام؟ أولا ينبغي أن نؤكد أنّ الدين ثابت من الثوابت التي يتفق عليها الجزائريون عبر مسيرتهم التاريخية في بناء الدولة الجزائرية، هذا شيء لا يكابر فيه أحد، إنّما قد يختلف الجزائريون على اختلاف ميولاتهم وألوانهم على تفسير الدين، فهناك من يفسره تفسيرا علمانيا ويريده أن يكون شموعا وقبابا ورسوما وتقليدا يتبرك بها ولا يزيد، ومنهم من يفعِّل الدين في حياة الناس باعتباره كان ولا يزال أحد أسباب وجود الدولة الجزائرية وثوابتها، فالاختلاف بين، لكن اعترف أن النقاش بين الجزائريين ساسة ومثقفين وشعبا حول دور الدين في الدولة والسياسة لم يأخذ قسطه الوافر، بل كانت دائما الاتهامات من الطرفين هي التي تصنع المواقف وتبني الأحكام. أمّا بالنسبة لقضية الليزر، فهذه قضية لا أعتد بها، وأعتقد أنّ من يجعلها محورا في برنامج انتخابي أو يبني عليها لجر الناس إلى حزب أو شراء صوت، فإنما هو يمارس شعوذة سياسية، ولم أسمع يوما أنّ أحد قياديي الجبهة تحدث عن هذا، فليس مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ نقل الكرامات أو تصديقها أو البناء عليها في معالجة قضايا الناس، شخصيا لم أشاهد يوما هذا في التجمعات التي حضرتها أي علامات مكتوبة في السماء، وهي وإن كانت قد تواترت بين الناس وشاهدوها، فإن الكرامات تسر ولا تغر، وتكتم ولا تذاع، لأنّها ربما كانت استدراجا، نسأل الله السلامة.
بالنّسبة لمشاورات الدخول للتشريعيات هل شملت أيضّا قادة الحزب المغيّبين في السجن، وهل حاولتم التقرّب من الأحزاب والشخصيات الأخرى لمعرفة رأيها أو البحث عن نصائح؟ بالنسبة للمشاورات مع القيادات التي كانت في السجن فقد تمت فعلا، والمعروف أنّ مؤتمر باتنة كان قد ثبَّت قيادة الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج وبقية الشيوخ كأعضاء في المجلس الشوري، لكن كنا نعتبر موقف كل واحد من الشيوخ محسوبا بصوت واحد، أما بالنسبة لبقية الأحزاب والشخصيات فكان هذا تقليدا جبهويا وهو التشاور مع الأحزاب والاتصال بالشخصيات الوطنية والإسلامية التي كنا نعدها شريكا لنا في معارضة النظام أنذاك ،و كان مكلفا بذلك المكتب الوطني برئاسة الأخ الشهيد عبد القادر حشاني رحمه الله.
هل وصلتكم تحذيرات من شخصيات وطنية من مغبّة "الاستحواذ على السلطة" وأنّ النّظام لن يقبل بالرحيل؟ لا أستطيع أن أؤكد أنه كانت هناك رسائل قد سربها إلينا النظام يهددنا فيها أو يحذرنا أو شيء من هذا، اللهم إلا إذا استثنينا مقابلة الشيخ عباسي مدني مع مهري التي كانت متلفزة وشاهدها الجزائريون، بل ربما بالعكس الذي سمعته أنّ هناك أطرافا ذات وزن كبير داخل النظام كانت تعطي ضمانات للجبهة الإسلامية للإنقاذ في حال وصولها إلى السلطة، وكانت هذه الأطراف همها هو إسقاط الرئيس الشاذلي بن جديد لإضعاف الدولة والسيطرة على القرار.
ضمان بأن لا يكون هناك انقلاب مثلا؟ ليس ذاك، وإنما بمواصلة المسيرة الانتخابية.
هل كنت من المرشّحين للانتخابات التشريعية؟ نعم وكنت مرشحا في دائرة الشراڤة.
هل كنتم تتوقّعون ذلك الفوز الساحق الذي حقّقته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأوّل ب188 مقعد، وهل صحيح الفيس حاول التزوير؟ كانت ثقتنا في الشعب الجزائري كاملة في أنه سيختار رجالاتنا، بل ربما إلى حد الإفراط في الوثوق به، لكن مع ذلك كنا نقول أنّ القاعدة الانتخابية قد تتغير، والذي يعطيك صوته لا يعطيك ولاؤه إلى الأبد، وكان الشعب يتفاعل مع خطاب الجبهة ويتفنن في هزم الحيتان الكبرى، وأعطيك مثالا لابن فليس مرشح الرئاسيات، حيث كان مرشحا في إحدى دوائر باتنة، وقد نصب عرسا ولائميا لشراء أصوات الناس، فكان الناس يذهبون إلى ذلك ويقولون العشاء عند بن فليس والفوت على الفيس، لقد أسقطت الجبهة التي كان الشعب وقودها أوزانا من حجم كبير. أما ما يذاع عن تزوير الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فيكفيني أنّ الجريدة الرسمية لا زال يحتفظ أرشيفها بأسماء الفائزين للدور الأول، ثم إن قنبلة السيد البشير فريك لتلفزيون الشروق يؤكد هذا وزيادة.
اتّصل مهري وشخصيات وطنية بعد الدّور الأوّل بالفيس وأخبروه بأنّ النتيجة لا تخدم البلاد، وتحدّث الكثير عن اتّفاق بين حشّاني والإبراهيمي لطبيعة الانتخابات في الدور الثاني بما يحقّق التوافق؟ لو تحدّثنا عن هذه المبادرات وإن كانت محل استشارتكم في المجلس الشوري للحزب؟ بعد فوزنا في الدور الأول للانتخابات التشريعية كانت اتصالات كثيفة مع كل الفعاليات والشخصيات الوطنية، وكانت هناك اقتراحات كثيرة من بينها بعض مما لم يذع لحد الساعة، مثل اقتراح السيد المجاهد بورڤعة إعلان الجبهة الإسلامية للإنقاذ اكتفاءها بالدور الأول ، اتصلنا بالسفارات والجمعيات وكل من كنا نحس منه انه سيساعد على استمرار المسيرة التعددية في الجزائر، وشخصيا التقيت بممثل االكنيسة الكاثوليكية القديس تيسيي، وحاولت أن انقل إليه تطمينات معينة، بحماية الحريات والأديان في إطار القانون الجزائري، وأنّا لا نكنّ للآخرين إلا الاحترام، لقد كانت هناك حركية متسارعة من أجل ربح الوقت وتفويت الفرصة على الذين كانوا يطالبون العسكر إلى التدخل مثل لجنة إنقاذ الجزائر ، لكن الشيء الذي أريد أن أقوله أنه ليس كل ما كان يحدث داخل الجبهة كان أعضاء المجلس الشوري على اطلاع به، فلقد وقعت لقاءات من رئيس المكتب الشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله برموز في الدولة، ولم نكن نعلم بتفاصيلها، بل قد طلبنا منه التوضيح في بعضها فانكر حصولها.
رموز مثل من؟ كانت المعلومة قد سربت أنّ حشاني رحمه الله التقى الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله.
بالنّسبة لمقترح اكتفاء الفيس بثلاث حقائب وزارية وانتخاب قاعدته النضالية على الآفلان في الدور الثاني وبقاء الرئيس الشاذلي في منصبه وآيت أحمد على رأس البرلمان ومهري على الحكومة أو شيء من هذا في الاتّفاقية التي تكلّم حشّاني فيها مع الإبراهيمي كما جاء في شهادة الأخير وشهادة مزراق، هل اشتشرتم فيها؟ لا لم نستشر فيها.
هل الظروف الاستثنائية للفيس فرضت هذه الأحادية في الرأي، أم أنّه تخوّف من خروج المبادرة أو رفضها من المجلس الشوري؟ وهل سمعتم بها من قبل؟ كانت دائرة الشيخ عبد القادر رحمه الله التي يتعامل معها ويستشيرها جد ضيقة في تلك المرحلة، زيادة على ضغط الواقع وضيق الوقت الذي يقتضي اتخاذ قرارات سريعة، لكن أقول أن الوقت كفيل بكشف حقائق اتصالات المكتب الوطني آنذاك، ولندع الأمر للتاريخ.
هل كانت مثل تلك المبادرة لتمرر ويوافق عليها في المجلس الشوري لو طرحت للنّقاش؟؟ ومن هم فرسان هذه المبادرة "الجريئة" بالنّسبة لتلك المرحلة؟ المجلس الشوري مهمته رسم السياسات والاستراتيجيات ومحاسبة المكتب التنفيذي على فعاله وممارساته ، والمكتب التنفيذي مهمته هي تنفيد سياسات الجبهة.
لكن مثل هكذا مبادرة كان إذا طبّقت "ستشكّ " تنازلا كبيرا من الجبهة، مما قد يؤدّي حتّى إلى تغييب مشروعها؟ أم أنّها حينها أصبحت تنظر إلى الأوضاع بعمق وإلى التغيير بتدرّج أكثر؟ أظن أنها عين الصواب، ومقتضى الحكمة لتجنيب البلاد الثورات والتارات التي افتعلتها أطراف في السلطة فيما بعد، لقد كان هذا القرار يهدف الى سحب البساط من تحت أرجل الاستئصاليين، وإبداء النوايا الحسنة بأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحترم شركاءها السياسيين معارضة وسلطة، وأنها كانت تهدف إلى التغيير الهادئ، ولو فوتنا الفرصة على الانقلابيين لما وصلنا إلى ما ألت إليه الجزائر، فاليوم نشاهد إرهاصات انتخابات 91 ،
كانت هناك مبادرات قدّمت لكم لطمأنة الجميع ووقف حالة الاستقطاب، لكن من الوجوه المدنية والحزبية المعارضة مساهمة في تأليب الرأي العام والدعوة إلى تدخّل الجيش ووقف المسار الانتخابي، وهل ساهم الخطاب الإقصائي لبعض منتسبي الفيس في كسب المزيد من العداوات خارج السلطة؟ اعفني من الجزء الأول، لست هنا في وارد الإشارة بسبابتي إلى من تحالف مع الشيطان لإخراج المشهد الذي عاشته الجزائر، فالفاعلون كثر، لكن ينبغي الاعتراف أن الخاسر الأكبر هي الجزائر وصورتها بين الأمم، فدولة لا تفي بوعدها لشعبها ولا تحمي مؤسساتها من الانهيار ولا تصون دستورها من الانقلاب عليه لا يبارك الله فيها ولن يثق المواطنون بها، وهذا ما حاول هؤلاء المتسلطون فعله، وهو ما دفع الشعب الى الاستقالة من السياسة إلى الأبد، بتفقيرهم وتجويعهم وتطويعهم وتبئيسهم، لقد نجح الانقلابيون في خلق هذا الشعور في مخيلة كثير من طبقات المجتمع، هل يعقل أن يصرح هؤلاء أن الشعب لا يفهم، فبدؤوا يعولون على المكيدة به وإخراجه من التاريخ. لا أنكر أن جزءا من المشكلة تتحمله الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولي الشجاعة في قول أن خطاب الجبهة لم يكن بالمسؤولية التي نراه عليه اليوم، فالجبهة استقطبت كل مناوئي ما أفسدته السلط المتعاقبة من بعد الاستقلال، وكانت شارعا مفتوحا يعبر فيه كل عن رأيه، فهي من جهة استقطبت هؤلاء في إطار قانوني يمارسون فيه حريتهم، وكنا نحاول كقيادات أن نؤطر هذا البركان الهادر ونستوعبه في بناء المجتمع والدولة وليس في زرع الأحقاد والإحن، مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان مشروعا توحيديا وإنقاذيا للأمة لو قدر الاستمرار له .
في هذا السياق كثيرا ما نسمع من خصوم الفيس بأنّ المصوّتين عليه فعلوا ذلك كخيار عقابي للسلطة و ليس كقناعة ببرنامجها ومشروعها الانتخابي؟ ما مصداقية هكذا كلام؟ هذه تهم رخيصة وغير مؤسسة، ويرددها الذين هزمهم الشعب، ألم يقولوا بعدها أخطأ الشعب، كان ينبغي لهم أن يغيروا الشعب آنذاك، وهم يحاولون اليوم، لماذا الذين انتخبوا الجبهة لم يختاروا أحزابا أخرى كانت تعارض النظام، لا أعتقد أن الشعب ملك لأحد من السياسيين أو السلط، الشعب يملك خياره بيده وهو الذي يقرر مصيره بيده، والشعب أعتقد أنه حكم عدل.