يتحدّث مدني مزراڤ في هذه الحلقة عن مشروع الوحدة بين جميع التيارات الإسلامية الذي طرحه الشيخ سحنون والدور الذي لعبه الشيخ محفوظ نحناح في إفشاله، وسبب انسحابه من حركة الشرق بقيادة جاب الله بعد عجزها عن اتّخاذ موقف واضح من أحداث أكتوبر، كما يتطرّق إلى خطوات إنشاء الفيس التي وصفها بالسريعة ونظرته إلى قياداته ومنها الشيخ عبّاسي مدني والشيخ علي بن حاج. أنت ربّما بدأت تصنع الحدث مع ميلاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فما الدور الذي لعبته في تأسيسها؟ الحدث الذي تتحدث عنه، أنا لم أصنعه لوحده، بل صنعت الحدث منذ صغري عندما كنت في الكشافة وصنعت الحدث في التعريب، وصنعت الحدث في الدعوة أيضا، ودخلت السجن في سنة 1985، وكانت أحداثا كبيرة، وصنعنا الحدث في أكتوبر سنة 1988، ثم جاءت الجبهة الإسلامية، وقبلها بعدما فشلت الحوارات واللقاءات التي كانت تجمع رموز الحركة الإسلامية بدأ كل طرف في هذه الأخيرة يفكر في حزبه أو يحاول الاستفادة من الوضع آنذاك، فالشيخ عباسي مدني - ذكره الله بخير - كان يدعو إلى شيء يسمى "اللاتكتل"
هل كان ضد تشكيل الأحزاب؟ لا، لم تكن في ذلك الوقت أحزاب، بل الوضع الذي تلا أحداث أكتوبر في نهاية الاجتماعات وما آلت إليه، بدأ مختلف رموز الحركة الإسلامية يتحركون، كل في اتجاهه، هو بصفته داعية وأستاذا محاضرا ومجاهدا كبيرا في ثورة التحرير الوطني لم يكن له تنظيم.
هل كان هو أول من أسس الجبهة؟ بدأ يتلقى دعوات من الإخوان، وكان يدعو إلى شيء، لا إلى تكتل، كان يحارب وجود أبناء الحركة الإسلامية في تكتلات متفرقة، اجتمعت به في قريتي بولاية جيجل في 1987 في منزل الشيخ سعيد الشاق، وكان معي عز الدين جرافة مع مجموعة من الرموز، جلسنا مع الشيخ عباسي، كان يشكر الشيخ جاب الله لأنه كلما أسأله عن الوحدة كان دوما يقول إن ما يتفق عليه الشيوخ فأنا أوافق عليه.
ربما كان يتودد إليكم لأنكم محسوبون على جاب الله!؟ كان يزكيه وفي نفس الوقت عندما يطرح الصيغة المثلى لعمل إسلامي للجميع يدعو إلى ترك العمل بالتكتلات أو العمل المنظم داخل تنظيمات، وهو من ناحية يشكر حركة الشرق والشيخ جاب الله، لكن من ناحية أخرى يدعو إلى شيء هو في رأسه، وحركة الشرق كانت ترى أن تنقل الشيخ عباسي في مختلف الولايات والأحياء الجامعية كان يسمح بتزكية الحركة.
جماعة الجزأرة برئاسة المرحوم محمد سعيد كان الناس يصفونها في منتصف الثمانينات أو في بدايتها بأنعت الأوصاف وكانوا يحاربون وجودها في الولايات والجامعات ويقولون إن عباسي مدني خطر على المشروع الإسلامي. في رأيك لماذا كانت هذه العداوة؟ كان الشيخ أحمد سحنون - رحمه الله - يثني على الشيخ عباسي.
رغم أن الشيخ سحنون قريب من حركة الجزأرة وتحت تأثيرهم كما يقول البعض!!؟ لا أنا أرى بكل بساطة أن تكوين الشيخ عباسي مدني بين متقدم سياسيا وتوعويا من حيث تغيير المجتمع على الحركة الاسلامية نظرا لمساره الحافل، فقد شارك في الحركة الوطنية، ثم شارك في جبهة التحرير الوطني ثم تشبع بالفكر التغييري داخل الحركة الإسلامية، لما جاء للواقع الجزائري أحدث إضافة معينة، وهو أنه أراد أن ينقل الحركة الإسلامية من العمل التنظيمي التربوي التكويني إلى عمل شعبوي يرفع شعارات سياسية واضحة تسمح بالتأثير الفوري في مسار الأحداث السياسية في الجزائر.
على ذكر مسار عباسي مدني، فقد اتهم كثيرا ومنع من دخول بعض الولايات!! أريد أن أقول إن الجزأرة لما ذهبت مذهبها في قضية الشيخ عباسي لم تكن تقول هذا الكلام من باب الكراهية أو الحقد أو شيء آخر، ولكن طبيعة التنظيم والأساسات التي اعتمد عليها في تربية وتكوين أبنائه كانت لا تتفق مع فكر الشيخ عباسي الذي يعتمد على أساليب العمل السياسي المحض والتعبئة الشعبية، هناك فرق بين شخص يؤمن بتكوين الأفراد ويمشي معهم حتى الجامعة، فأسلوبه بعيد كل البعد عن التنظيم، بل يرى إنه لا بد من النزول بالفكرة والحل إلى الجماهير الشعبية والضغط على الدولة من خلالها، وهذا الذي وقع، فالخلاف مع الشيخ عباسي لم يكن من ناحية المحبة والإيخاء وتصفية الحسابات بقدر ما كان في أسلوب العمل، هؤلاء يؤمنون بالعمل المرحلي الممنهج المبني على التربية والتكوين، وهو يرى برؤية الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني أن الحل عند الشعب.
على ذكر الشيخ عباسي قبل أن نغادره ونعود إلى مسارك ومساهمتك في تأسيس الجيش الاسلامي للإنقاذ، فقد اتهم الشيخ عباسي خلال رئاسته للجبهة طيلة المرحلة من التأسيس إلى غاية اعتقاله أنه كان يسيّر الجبهة ك"قطيع" وبانفرادية موغلة في الاستبداد لا يشاور المجلس الشوري الوطني، يأخذ برأيه فقط، حدثت محاولات داخل المجلس الشوري لسحب الثقة منه مرة أو مرتين واستطاع أن يفلت منها بأعجوبة، وكان يتهم مجموعة داخل المجلس الشوري الوطني أن لها ولاء للمخابرات، لكن يوما لم يكشف عن هؤلاء. هل صحيح أن عباسي مدني كان ديكتاتورا في تسيير الجبهة الاسلامية؟؟ أنا لا أتفق مع الشيخ عباسي، لقد ظلمني كثيرا، لكن الدين والمروءة يفرضان عليّ أن أنصف الرجل، الشيخ عباسي قلت لك كان متقدما عن غيره في فهم ملابسات النظام الجزائري والمجتمع الجزائري على السواء، فمجيء أحداث أكتوبر المفاجئ والتي لم تخطط لها الحركة الإسلامية التي أبت ورفضت أن تبقى على هامش الأحداث بعدما أخذت منحى خطيرا وقامت بتأطير الحركة الإسلامية يوم 5 أكتوبر، الشيخ عباسي بحكم تجربته في الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني والنظرة والتصور الذي يحمله في تغيير النظام لا يمكن أن يفكر كأبناء الحركة الإسلامية الآخرين، كان يرى أن استغلال هذا الظرف يعني أن الفرصة سانحة وذهبية لإثبات وجود الحركة الإسلامية في الساحة السياسية، سلفيو الجبهة كبن حاج وسحنوني لم تكن لهم علاقة بالعمل التنظيمي والحركي هذا الذي دفع الشيخ عباسي إلى الإسراع مع بعض الإخوان في تأسيس حزب دون الرجوع إلى مشاورة الآخرين ودون إعطاء الوقت الكافي لإنضاج الفكرة وتنظيم هذا الحزب، فالشيخ عباسي كان يسرع قدر الإمكان حتى لا تضيع الفرصة من الحركة الإسلامية لإثبات وجودها السياسي والحصول على الاعتماد والدخول مباشرة في المعترك السياسي الأخرى، هذه الفكرة وهذا التصور لم يستطع تطبيقه مباشرة، الذين كانوا معه، جماعة هجينة غير متجانسة، سبق وقلت لك أن الجبهة الاسلامية للإنقاذ تكونت من هجين غير متجانس فمنهم من الإخوان، ومن الجزأرة، ومن السلفية ومن الهجرة والتكفير، هذه الظروف فرضت على الشيخ عباسي أن يسرع ويسابق الزمن حتى يكون حاضرا بتيار إسلامي قوي مع الأحزاب اللائكية والعلمانية والوطنية التي كانت تستعد لدخول المعركة، فالمجلس الشوري الذي كان مع الشيخ عباسي مدني بغض النظر عن التكوين الديني الذي كان يطبع جميع أعضائه، فأغلبيتهم كانوا دعاة فلم يستطيعوا استيعاب طريقة الشيخ عباسي في العمل.
أنت تستصغر بأعضاء المجلس الشوري، 35 واحدا من كبار القيادات، فيهم الدعاة والدكاترة والمهندسون، لا يستطيعون أن يجاروا طريقة تفكير عباسي، هل تحاول بذلك تبرير انفرادية عباسي في التسيير وديكتاتوريته كما يقول البعض؟ أنا لا أستصغرهم وأحترمهم جميعا، فدكتور في الاقتصاد أو دكتور في الرياضيات لم يسبق له أن مارس العمل السياسي، لأول مرة يدخل في هذا المعترك، فهذا يعتبر مراهقا سياسيا، بينما رجل عاش الحركة الوطنية وجبهة التحرير له علاقات في النظام، له معلومات لا يدلي بها، أعرف أن هناك رجالا في أعلى هرم النظام ما زال بعضهم أحياء، اتصلوا بعباسي وجلسوا معه، وسمعت ذلك ليس من الشيخ عباسي، سمعتهم منهم، ودفعوا بعمل الجبهة بسرعة رهيبة.
كانوا إذن يقفون مع تأسيس الجبهة؟ نعم، لأن الشيخ عباسي كان يملك معلومات وحقائق، وعندما كان يجلس مع الناس يقول لهم أن النظام انتهى وكان يقول بعبارة دارجة "ما بقا حتا عرق يصلح في النظام، إذا ما خدمناش اليوم ماعادش نقدروا نخدمو" فكان محقا عندما دخل في عمل شعبوي، يجب أن يكون طرحك قويا للشعب، لو تحاول، تنظم، وتكون وتنتظر "سوف يفوتك القطار" كان هناك سباق مع الزمن، كان الشيخ عباسي يجري بالجميع نحو هدف، وهو إثبات الوجود السياسي والحركة الاسلامية والدخول في الانتخابات والانتصار فيها، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث، يأتي تنظيم الحزب ويأتي المؤتمر ويأتي التكوين.
يأتي إليك معارض ويقول لك أين وصلنا بطريقة الاندفاع هذه.. أرى أنك تبرر في الطريقة التي كان يسير بها الجبهة الاسلامية للإنقاذ، كل ديكتاتوريي العالم يبررون ممارساتهم التسلطية وقراراتهم غير الشروية، داخل دولهم وتنظيماتهم بأن "نحن نعلم مالا تعلمون"، هكذا يتهم عباسي مدني..!؟ الشيخ عباسي مدني كان على حق في طريقة تأسيس الحزب، والشيخ عباسي كان يشاور الأعضاء في المجلس ويتناقشون، وأتعجب كيف كانوا ينزلون إلى رأي الشيخ عباسي، وكانت الجبهة عندما تحقق انتصارات وانتشارا في الساحة السياسية وتسجل أحداثا قوية كل الناس يفرحون، والشيخ عباسي كان له هدف.
حسبك، الشيخ عباسي لا يخطئ إذن!!؟ لا، كل الناس يخطئون، أنا أخطئ أنت تخطئ، الشيخ عباسي يخطئ والقرضاوي يخطئ، ولكن هناك من يخطئ عن قصد ويتآمر ويكذب على الناس، وهناك من يخطئ لأنه يعمل كثيرا على أن هذا الخطأ مبرر.
البعض يقول إن بداية الأزمة، لما عباسي مدني سير الجبهة الاسلامية للإنقاذ بطريقة ديكتاتورية، لا يشاور المجلس الشوري الوطني، لا يأخذ برأيهم، حدثت محاولات لسحب لثقة، هل لك أن تتكلم عنها إن كانت لديك معلومات؟ وماهو سبب جعل مجموعات داخل المجلس تسحب الثقة من عباسي مدني؟ الحزب مقسوم إلى قسمين، هناك الفئة المتشبعة بالفكر الحركي والسياسي وكان فيها حركة الشرق، الشيخ بوخمخم، علي جدي، عبد القادر حشاني، بعدها جاء محمد السعيد ورجام وآخرون، لم تكن لديهم ارتباطات مع أي كان، كانت متحررة من أي تأثير خارج الحركة، لما جاءت الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يجدوا صعوبة في التأقلم مع أفكار عباسي مدني، كانوا يأخذون عليه أو يغضبون منه في بعض الشطحات والتسرع، لكنهم يتأقلمون بسرعة مع أفكاره وخياراته لما كان يحدث نقاش، والتيار الثاني هو مجموعة من الإخوة الذين تشبعوا بالفكر السلفي مثل الشيخ سحنوني الشيخ علي بن حاج، كرار، مراني وآخرون، هؤلاء كانوا متجهين إلى قسم علي، ومن الناحية الفكرية والتصورية والدعوية كان بعيدا عن الفكر التنظيمي والحركي كانوا لا يؤمنون بالعمل الحركي أو العمل التنظيمي.
لماذا إذن أسسوا حزبا ما دام أنهم أبعد الناس عن السياسة والتنظيمات؟ لكن فطنته وصدقه سمح له بعد أحداث 5 أكتوبر وتشبعه بالقيم الثورية أن ينسجم ويتأقلم بسرعة مع الفكر التنظيمي والحركي، حتى الشيخ سحنوني رد كثيرا على الفتاوى السلفية.
الشيخ سحنوني جمع توقيعات في المجلس الشوري لسحب الثقة من عباسي!؟ الشيخ علي والشيح سحنوني لعبا دورا كبيرا بعد 5 أكتوبر في نقل نصيب لا بأس به من التيار السلفي، من التقوقع الأول والنظرة الضيقة، وهو العمل السلفي التربوي المحدود، إلى العمل التنظيمي الحركي الحزبي بعد ذلك. حركة الشرق وحركة الاخوان وحركة الجزأرة لجؤوا إلى استيراد فتاوى المشرق لتحريم العمل السياسي هناك من يقول إنهم استفتوا الشيخ الألباني وعلماء الحجاز في جواز تأسيس حزب، وهل يجوز للمسلمين تأسيس حزب، والتجمهر والتظاهر، وأفتى لهم علماء الحجاز أن لا يجوز تأسيس حزب، ويبدو أن قيادات الفيس لم تكترث بهذه الفتاوى ماذا تقول في ذلك. أروي لك قصتي مع كمال نور، لقد كان متأكدا أن علي بن حاج يوم الجمعة 5 أكتوبر لن يصعد المنبر ويؤم بالمصلين على أساس أنهم أقنعوه عن طريق هؤلاء العلماء بأن المسيرة لا تجوز، الشيخ علي بن حاج في تلك الجمعة رد على الألباني وعلى كل العلماء الذين أفتوا بعدم جواز المسيرات والإضرابات بمئة دليل من الكتاب والسنة، ولأول مرة يستدل علي بن حاج بأقوال وخيارات الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وكان شجاعا في هذا، فصل في أول الأمر في قضية العمل التنظيمي والحركي، ثم فصل في قضية المسيرات والإضرابات، ثم فصل بعد ذلك في جواز العمل السياسي بل بوجوبه.
يعني علي بن حاج خالف جمهور العلماء الذي كان ينتمي إليهم!؟ هو على حق، والأدلة الشرعية معه كلها، خالف التيار السلفي، مع أنه ينتمي إليه في هذه المرحلة، وقعت حادثة آلمتني وآلمت كل شريف، حركات المنظمة يعني حركة الشرق وحركة الاخوان وحركة الجزأرة التي كانت تؤمن بالعمل الدعوي والحركي والسياسي مستقبلا والجهادي أيضا يعني في أدبيتها مؤسس عندها وتدعو له وتربي أبناءها عليه، وكانت بهذا تظهر كأنها ناضجة نضجا كبيرا، مع الأسف، ففوجئوا بهذا التغيير، وحان الوقت للدخول في المعتكر السياسي، لأنه كانت لهم خلفية تنظيمية قوية وفكر قوي في هذا الميدان، تقول كيف ذلك؟ رأوا أن هذا الانفتاح على العمل السياسي ثلاثتهم الشيخ جاب الله ومن معه وهم نحن والشيخ نحناح رحمه الله ومن معه والشيخ محمد السعيد ومن معه، كانوا يرون وهم محقون، أن النظام الجزائري لا يمكن أن يحدث المفاجأة ويبتعد عن مواقف الأنظمة العربية الأخرى، ويفتح المجال بصدق للإسلاميين، بل كانوا يرون أن ما يقومون به النظام هو فخ ينصب لأبناء الحركة الاسلامية، حتى تجر هذه الحركة إلى مساحة أو ميدان لا تفقه فيه شيئا ويقضى عليها وتقزم وتحجم. ماذا فعلوا؟ في الأول كانوا يقولون مستحيل أن يعطي النظام الجزائري الاعتماد للجبهة، ولكن تفاجؤوا بأن النظام ركب رأسه ومنحها الاعتماد ونترحم على الرئيس الشاذلي الذي قال مقولته الشهيرة "كيف لي أن أعطي للشيوعي أن يؤسس حزبا ولا أعطي للإسلامي الفرصة لتأسيس حزبه" وتركها مثلا يذكر، فلما تأكدوا أن السلطة جادة لفتح المجال السياسي ذهبوا مذهبا آخر قالوا صحيح هم أعطوا هذا الاعتماد، لكنهم يريدون بطرقهم الخبيثة، أن يسيطروا على كل شيء، أن يحجموا التيار الاسلامي في الانتخابات وكأنه أقلية قياسا بالتيار الوطني واللائكي، فماذا فعلوا؟ وهذه تحسب عليهم خاصة أتكلم عن الجماعة الموجودة في حركة الإخوان وفي حركة الشرق جاؤوا بمواقف وأقوال وفتاوى من المشرق مستدلين بفتوى الشيخ محمد قطب، بأن الدخول إلى البرلمانات الكفرية لا يجوز، لأنها أنظمة لائكية أو شبه لائكية، فهي لا تؤمن بتحكيم الشريعة لا تستمد قوانينها من الكتاب والسنة تعتمد على القانون الوضعي. بل ذهبوا بعيدا وعلقوا عليها في محاضرات كثيرة، بأن الدولة الإسلامية لا يمكن أن تقوم إلا بالجهاد. جاب الله ونحناح سافرا إلى الحج حتّى لا يهنّئا الجبهة بفوزها في اتنتخابات 1990 وأنا لا ألومهم، لأن الأوضاع في ذلك الوقت كانت تقول هذا مستحيل، كان سيترك الجبهة تذهب بعيدا، فكانوا يرون الاستمرار في التربية والتكوين والدعوى إلى الله هو الضمان الكبير الوحيد لاستمرار الحركة الاسلامية والوصول للأهداف المعلنة ،ويقصدون بذلك بعد 40 أو 50 سنة، ويرون أنه بالرصيد الدعوي رجالا وفكرا وإنجازات في حزب سياسي فتي هو مغامرة غير محسوبة العواقب، وكانوا على حق، لكن مع الأسف ما إن دخل الفيس للمعترك السياسي ونزل بالحل الاسلامي إلى الساحة السياسية وبدأ الشعب يلتف حول الحزب وبدأت الجرائد تنشر في أكبر صفحاتها صور الشيوخ وتصريحاتهم حتى بدأ الإخوة يراجعون حساباتهم، وأتذكر لما وصلنا إلى الانتخابات البلدية والولائية سنة 1990 وكانت المعركة حامية الوطيس بيننا وبين كافة الأحزاب الأخرى الشيخ محفوظ والشيخ جاب الله وبعض الجماعة ابتعدوا عن الساحة وسافروا لأداء مناسك الحج، وأرادوا أن يسمعوا النتائج من بعيد، لأن تواجدهم سوف يحرجهم، لأن عليهم أن يظهروا للجميع كحركات إسلامية مواقفهم اتجاه ما يحصل، ومحمد السعيد كان قد اقتنع ومن معه بضرورة نصرة الجبهة والدخول فيها، فنظم بما يسمى بالمؤتمر الأول للدعوى الإسلامية بالحراش، وحضرته أنا رفقة الشيخين عباسي وبن حاج وقدموا هنا تعليقات كبيرة وبعد هذا الحدث.