جددت الجزائر تمسكها ب"عقلانية" التعامل مع ملف الاستفزازات المغربية التي تتعرض في كل مرة من طرف نظام المخزن ما وصفته ب"المساومات العقيمة" والتزمت بامتناعها عن القيام "بأي عمل أو إجراء من شأنه أن يغذي التصعيد في التصريحات ويزيد من حدة التوتر، الذي تعمل على التخفيف منه بشتى الوسائل الممكنة احتراما لقيم الأخوة وحسن الجوار". وتاه الهدوء مرة أخرى على طريق العلاقات الثنائية بين الجارتين المغرب والجزائر، فما أن تلوح في الأفق بوادر انفراج في العلاقات الثنائية بينهما، مبشرة بقرب ذوبان الجليد الذي يعكر صفوها منذ 1994، إلا وتظهر قضية جديدة تصب الزيت على النار، آخرها إطلاق حرس الحدود الجزائريين أعيرة نارية "تحذيرية" لمهربين مغاربة حاولوا التسلل إلى الجزائر. ويبدو موقف الجزائر أكثر اتزانا في التعاطي مع الجارة الغربية منذ طفو الخلافات إلى السطح بإغلاق الجزائر حدودها الغربية سنة 1994، احتجاجا على اتهامها من قبل المخزن بالضلوع في تفجيرات فندق أطلس إسني بمدينة مراكش، والتي أسفرت عن ضحايا أجانب، وتم على إثرها فرض التأشيرة على الجزائريين، وهو ما لم تقبله السلطات الجزائرية التي ردت بالمثل وقررت غلق حدودها مع المغرب بشكل نهائي، وكان نتيجة لفشل المخزن في اتخاذ قراراته والتعامل مع أزماته. ورغم أن العامل الخارجي المتمثل في أطماع الدول الكبرى للتدخل والهيمنة في المنطقة التي تعمل على منع أي تقارب بين أكبر دولتين مغاربيتين من حيث النفوذ يبدو مقبولا بشكل كبير إلا أن استمرار التوتر بين البلدين طيلة عقدين من الزمن يعود بشكل أساسي إلى تصرفات يقوم بها المغرب تجاه الجزائر تجعل من أي فرضية للتفاهم بعيدة المنال، تغذيه جذور نزاع تاريخي منذ الاستقلال مرورا إلى حرب الرمال واندلاع مشكلة الصحراء الغربية في العام 1975. كرونولوجيا العلاقات بين البلدين على مر العقود السابقة كان موضوعها الرئيس قضية الصحراء الغربية، حيث كانت هناك الكثير من الجهود لحل الأزمة، وبين اقتراح المغرب حكما ذاتيا موسعا تحت رعاية الملك محمد السادس، وإصرار الجزائر وجبهة "البوليساريو" على الانفصال، لا تزال قضية الصحراء الغربية واحدة من أكثر الملفات الساخنة على صعيد العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين ولم تنجح أربع جولات من المفاوضات الرسمية وتسع جولات من المحادثات غير الرسمية في كسر الجمود. وقد تجددت آمال تجاوز العلاقات المغربية الجزائرية لأزمتها مع مجيء بوتفليقة للحكم في ربيع 1999 وصدور إشارات إيجابية من طرف المغرب مهدت للتحضير للقاء بين البلدين في صيف 1999 إلا أن وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أدت إلى إرجاء اللقاء، ليقع بعده انهيار مفاجئ في هذا المسار بعد اتهام الجزائر للمغرب بإيواء الجماعات المسلحة الجزائرية في سبتمبر 1999، وتستأنف العلاقات مسارها الانحداري والذي اشتد بعد عزم الأممالمتحدة على طرح مشروع حل سياسي لقضية الصحراء يرتكز على منح حكم ذاتي موسع للصحراء في إطار السيادة المغربية. وانحصر النزاع بين البلدين في التصريحات والتصريحات المضادة من طرف مسؤولين كبار مرورا بوزراء ورؤساء أحزاب واستعمال وسائل الإعلام بأنواعها وبقيت العلاقات مرهونة لمنطق اللا حرب واللا سلم الذي ميّزها، وأصبح من الصعب الحديث عن فترات جيدة وأخرى سيئة في علاقات الجارين، غير أن خرجات نظام المخزن غير "المحسوبة العواقب" تجازف بترجمة النزاع إلى أفعال ميدانية غير أن اصطدامها ب"رزانة" الجزائر تحول دون مواجهات. وبتطور الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية للبلدين تحول الاستفزازات المغربية للجزائر إلى وقائع مادية مثل قضية احتجاز السلطات الأمنية المغربية اللاعب الجزائري القاصر، إسلام خوالد، 14 سنة، في فيفري 2013، بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصر مغربي على هامش دورة لرياضة الألواح الشراعية احتضنها المغرب والذي استحوذت قضيته على اهتمام الرأي العام الجزائري بشكل كبير إلى غاية إطلاق سراحه في جانفي 2014. ومن أبرز القضايا التي سمّمت العلاقات بين البلدين إقدام شاب مغربي على اقتحام مبنى قنصلية الجزائر في مدينة الدار البيضاء المغربية في نوفمبر 2013 وإنزال العلم الجزائري وتدنيسه بعد يومين فقط من استدعاء ملك المغرب محمد السادس لسفيره بالجزائر للمشاورة، احتجاجا على رسالة بوتفليقة إلى قمة أبوجا. ولم يكف ملك المغرب استدعاء سفيره في ذكرى ثورة نوفمبر، بل امتنع حتى عن توجيه رسالة تهنئة للرئيس بوتفليقة بمناسبة عيد الثورة، رغم أن بوتفليقة لم يكتف برسالة تهنئة واحدة للملك المغربي في عيد العرش بل أغدق عليه بتهنئتين. وتجدد الصراع مرة أخرى في جانفي 2014 والسبب هذه المرة مشكل اللاجئين السوريين العالقين على الحدود بين البلدين واتهمت الرباطالجزائر بترحيل اللاجئين السوريين إلى داخل الأراضي المغربية بينما اعتبرت الجزائر أن الأمر معكوس وأن اللاجئين متواجدون فوق الأراضي المغربية ويحاولون الدخول إلى الجزائر. وقرر المغرب بداية سبتمبر 2014 إقامة سياج حديدي عازل على الحدود مع الجزائر ليصل إلى 110 كيلومترات، بدلا من 70 كيلومترا، التي كانت مقررة خلال الفترة الأولى من إعداد المشروع، بحسب وهو القرار الذي تجاهلته الجزائر ولم يصدر عنها رد فعل رسمي باعتبار الإجراء يخص المغرب وحده. في جوان 2014 وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس دعوة مفتوحة للجزائر لفتح الحدود، غير أن هذه الدعوة لم تجد صدى لدى الجزائر، وقالت الجزائر إن فتح الحدود يأتي في سياق ترتيبات، تتعلق بوقف تدفق المخدرات من المغرب ووقف الحملات الإعلامية التي تشنها وسائل إعلام خاصة ورسمية مغربية بما فيها وكالة الأنباء المغربية وعدم إقحام مشكل الصحراء الغربية، الذي يبقى قضية دولية تعالج في إطار الأممالمتحدة.