تتهم الخرجة الجديدة لملك المخزن الجزائر ب "بلقنة" منطقة المغرب العربي، وادعائه هذا ينطلق من عرقلة التسوية بين البوليزاريو والمغرب، وعدم تحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب. وكأن محمد السادس يحدّث أناسا لا يعرفون الماضي ولا يفقهون شيئا من التاريخ ولا يعرفون أبجديات السياسية. فالصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار. وجد الملك الشاب نفسه في ورطة بعد فشل مفاوضات " منهاست " في جولتها الرابعة. وأمام الإصرار الأمريكي على مواصلة المفاوضات لجولات أخرى حتى إيجاد تسوية للقضية. ومما زاد في تعقيد أمور العاهل المغربي هو عدم رضوخ الأممالمتحدة لرغبات المخزن، فقد أجبر بان كي مون ممثله الشخصي في المنطقة على الاستقالة عندما أظهر ميولات مغربية . مقابل كل هذه المعطيات الجديدة لم يجد النظام المغربي سوى اللعب على ورقة الجزائر والرمي بكل ثقله اتجاه بلد يساند تقرير مصير شعب محتل. فقد أشار المخزن في الصيف الماضي إلى ضرورة دخول الجزائر في المفاوضات كطرف معني عوض أن تكون، مثلما هي عليه الآن، طرفا ملاحظا مثل موريتانيا. وبعد ذلك مباشرة جاء بيان وزارة الخارجية المغربية ليدعو الجزائر إلى فتح الحدود. وفي مرحلة ثالثة وصل المغرب الآن إلى القول إن الجزائر لا تريد أن تساهم في تسوية نزاع الصحراء... وبدفعه بمسألة فتح الحدود الجزائرية المغربية إلى الواجهة فإن المخزن يريد ترك الانطباع لمن لا يعرف خلفيات العلاقات الجزائرية المغربية، أنها مرتبطة بالقضية الصحراوية. في حين أن مسالة فتح الحدود متعلقة أساسا بالعلاقات الجزائرية المغربية وبالاقتصاد المغربي الذي تأثر إلى درجة كبيرة من غلقها، حيث تجمد نشاط سكان الحدود من الجانب المغربي وعمت البطالة عمال السياحة وأصحاب النشاطات التجارية، و كذا بالاقتصاد الجزائري الذي يتأثر كثيرا جراء التهريب الذي يمارس على امتداد الحدود. لذلك كان الطرف الجزائري يرد في كل مرة بأن " فتح الحدود مع المغرب لا يعد مسألة مستعجلة". الصحراء.. حصان طروادة لا يخفى على أحد أن المغرب هوالذي تسبب في غلق الحدود في العام 1994 بعد أن فرض التأشيرة على الجزائريين إثر الاعتداء على سياح في فندق بمدينة مراكش المغربية حيث اعتبر أن المعتدين قدموا من الجزائر، ولم يدرك سوى في الأيام الأخيرة أن الإرهاب ظاهرة عالمية بعدما تكررت العمليات على ترابه من تفجيرات الدارالبيضاء إلى إلقاء القبض على شبكة " بلعيرج ". ورغم هذا فإن الجزائر قامت بإلغاء التأشيرة على المغاربة في العام 2006 ردا على القرار المغربي بإلغائها على الجزائريين، رغم علمها أن القرار المغربي نابع من أسباب تجارية بحتة ولا علاقة له بأواصر الأخوة والصداقة وحسن الجوار مثلما يدعي المخزن، حيث تسجل أرقام رسمية أن المغرب يخسر سنويا ملايير الدولارات جراء انعدام حركة الجزائريين على حدوده وعبر مدنه . في واقع الأمر لم تكن العلاقات الجزائرية في أي يوم علاقات جيدة وهادئة، و ليست قضية الصحراء الغربية هي التي تسببت في سوء هذه العلاقات بدليل أن المغرب شن حربا على الجزائر في العام 1963 ولم تكن آنذاك قضية الصحراء الغربية مطروحة أصلا، بل إن المغرب يستعملها حصان طروادة . فبمجرد استقلال الجزائر أخرج معاهدة "لآلة مغنية" التي وقعها مع فرنسا في العام 1845 والتي تنص على الحدود بين المغرب وتركيا، وقال أنها هي الحدود الحالية بين المغرب والجزائر . في حين تغاضى عن الاتفاقيتين اللتين وقعهما المغرب بعدها مع فرنسا في العامين 1901 و1902 ولم يأخذ بهما رغم أنهما تنصان على الحدود بينه وبين الجزائر، وحسبه فإن الاتفاقتين تركت منطقة تندوف غامضة . وقد أدت مطالبة المغرب بمنطقة تندوف وفشل المفاوضات التي جرت بين الوفدين المغربي والجزائري ، الذي كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أحد أعضائه، إلى تأزم الوضع بين البلدين خاصة بعد اكتشاف الحديد في المنطقة مما أدى الى مواجهات مسلحة في شهري أوت وسبتمبر 1963 فيما اصطلح على تسميته ب " حرب الرمال " تلتها بعد ذلك صدامات عسكرية أخرى في العام1967 وعلى إثر ثلاث جولات من المفاوضات تم التوقيع في العام 1972 على معاهدة حول الحدود الجزائرية المغربية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية منطقة تندوف مقابل المشاركة في إنتاج وتسويق الحديد الموجود فيها، وحتى هذه الاتفاقية سجل المغرب عليها تحفظات بعد ذلك ... وأصبحت القضية الصحراوية هي القشة التي يتمسك بها المغرب ليبرر نظرته العدائية للجزائر ، فبعد اتفاقية مدريد والمسيرة الخضراء التي احتل بموجبها الصحراء الغربية في العام 1975 ومباشرة بعد الاعلان عن ميلاد الجمهورية الصحراوية شن المغرب هجوما على الجزائر عرف ب " امقالا 1 " توبع برد جزائري عرف ب "امقالا 2 " وقد قتل وأسر في الهجومين جنود من الطرفين، ولم ينته النزاع المسلح إلا بعد وساطات عربية وافريقية. و في مارس 1976 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى العام 1988 وطيلة 12 عاما كانت الحدود مغلقة، كما تم نزوح كثير من المواطنين الموجودين في البلدين سواء بسبب الخوف أو الطرد. عرفت فترة الشبه الانفراج التي تلت العام 1988تأسيس الاتحاد المغاربي في العام 1989 ولكن منذ العام 1993 بدأ الطرف المغربي يدعو إلى مراجعة مواقفه من الاتحاد، وفي العام 1995 أعلن وزير خارجيته تجميد نشاطات ومؤسسات الاتحاد بعد أحداث فندق " أطلس أسني " بمراكش في العام 1994 التي ادعى المغرب أن وراءها فرنسيان من أصل جزائري و اتهم صراحة الأمن العسكري الجزائري بالتخطيط لزعزعة استقرار المغرب، ثم قام بفرض التأشيرة على الجزائريين. فكان الرد الجزائري بفرض التأشيرة وبغلق الحدود. وفي العام 2002 عمل المغرب على إفشال القمة المغاربية التي كانت ستعقد في الجزائر بعد أن تحدث مسؤولون في حكومته عن عدم مشاركة الملك محمد السادس فيها ، فطلبت ليبيا تأجيل القمة ولم يتم عقدها الى حد الآن ... "منهاست " تسقط الأقنعة لقد كانت الآمال معقودة على انفراج في العلاقات بعد أن صعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم في 1999 وبدأت التحضيرات لعقد قمة بين الرئيس الجزائري والملك المغربي في صيف ذلك العام، ولكن وفاة العاهل المغربي الحسن الثاني جعلت تلك الآمال تتبخر. وموازاة مع مشكلة الحدود التي مازال المغرب يحاول طرحها الآن رغم أن المسألة متفق عليها دوليا ومدرجة في كل الهيئات في خانة الالتزام بالحدود المتوارث عليها من قبل الاستعمار ، يستعمل المغرب قضية الصحراء الغربية لتسميم أجواء، ليس فقط العلاقات الجزائرية المغربية، بل الأجواء المغاربية عامة، حيث أنه رهن مصير الاتحاد المغاربي بسيطرته على الصحراء الغربية. فكلما كان قرارا أمميا في غير صالح أطماعه التوسعية أو دعما دبلوماسيا للصحراويين فإنه يفتح بابا للنزاع مع الجزائر ويحاول جرها إلى التفاوض معه حول القضية واقتسام الصحراء، التي هي الآن أقدم قضية تصفية استعمار في القارة حسب مقررات الأممالمتحدة . الصحراء الغربية، كانت حتى العام 1975 مستعمرة إسبانية ثم تم تقاسمها بين المغرب وموريتانيا طبقا لاتفاقية مدريد بعد أن رفضت الجزائر المشاركة في تلك العملية حيث استلمت موريتانيا منطقة وادي الذهب التي عاد المغرب ليستولي عليها العام 1979 بعد الانقلاب الذي حدث في موريتانيا. ومنذ ذلك الوقت وهو يسيطر على أراضي الصحراء الغربية ويعمل على الاستثمار فيها دون حق خارقا لقرارات الشرعية الدولية. ويريد من الجزائر أن تسانده في هذا الاحتلال وإلا فان علاقاته معها ستتوتر ولن يكون الاتحاد المغاربي. ومهما يكن فإن مفاوضات " منهاست " أسقطت كثيرا من الأقنعة التي كان يختفي وراءها .