روى سعد توفيق، أحد علماء العراق قصته مع وكالة المخابرات الأمريكية "سي.أي.ايه" وكيف أنها حاولت توريط علماء بلاده في نسج الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل في العراق والتي أدت إلى احتلال هذا البلد عام 2003 وتدميره بالكامل. بعد مرور خمسة أعوام عاد هذا الرجل بذاكرته إلى الوراء وكشف لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية في عمان، حيث يقيم أنه "أجهش بالبكاء" اثر سماعه للخطاب المشهور الذي ألقاه وزير خارجية الولاياتالمتحدة في الخامس من فيفري 2003 أمام مجلس الأمن الدولي والذي أبرز فيه الأدلة المزعومة لامتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، وقتها استعان باول في تدعيم موقفه بخرائط وصور ووثائق توجه اتهامات قوية لنظام صدام حسين. ويقول سعد أنه أجهش بالبكاء، لأنه كان يعلم أنها مجرد أكاذيب دبرتها المخابرات الأمريكية وإدارة جورج بوش لتدمير العراق. وبمرارة يؤكد هذا العالم العراقي كيف شارك في عملية سرية لجهاز "سي أي ايه" أدت إلى الكشف عن الحقيقة أواخر عام 2002 عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق. ويقول سعد أن كل شيء بدأ في جوان وجويلية من عام 2002 عبر اتصالات هاتفية من شقيقته سوسن الطبيبة المقيمة منذ أكثر من 20 عاما قرب كليفلاند، وسط غرب الولاياتالمتحدة، حيث أخبرته سوسن في احد اتصالاتها به أي شقيقها أن "أبو محمود يمارس ضغوطا شديدة علي"، في إشارة إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية. ويؤكد سعد توفيق في حديثه مع الصحفي الفرنسي أنه كان يفهم رسائل شقيقته، باعتبار أن أحد المسؤولين الأمنيين العراقيين كان يناديه "أبو محمود" خلال مرافقته له الى الخارج بصفته كان مسؤولا عن الرقابة على برامج أسلحة الدمار الشامل في عهد النظام السابق. وكان احد عملاء "سي اي ايه" ويدعى "كريس" قد تقرب من سوسن التي تقيم مع زوجها علي في منزل جميل قرب كليفلاند وطلب مساعدتها للكشف عن حقيقة ما تبقى من جهود يبذلها الرئيس السابق لامتلاك السلاح النووي أو الكيميائي والبيولوجي. ويقول "سعد" أن شقيقته استجابت للطلب وقبلت المشاركة في عملية اختراق هي الأكثر جرأة في تاريخ "سي اي ايه" وضع خطوطها احد المخضرمين واسمه تشارلي آلن. وقد وضع هذا الذي يسمى "تشارلي آلن" لائحة للعلماء العراقيين العاملين في برامج التسلح العراقية، ويعرفهم مفتشو الأممالمتحدة الذين التقوهم منذ العام 1991. واختار آلن حوالي ثلاثين لديهم أقارب في الولاياتالمتحدة. وكانت الفكرة تتضمن إرسال هؤلاء الأقارب الى العراق في مهمة لحث هؤلاء العلماء على إخبار أقاربهم بما يعرفونه عن برامج أسلحة الدمار الشامل ونقل هذه المعلومات لاحقا الى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.. ويؤكد العالم العراقي في روايته للصحفي الفرنسي أن شقيقته سوسن التي كانت قد غادرت العراق عام 1991 غامرت بحياتها وبحياة شقيقها والعائلة جمعاء وقررت الذهاب حاملة معها سلسلة من الأسئلة التي تريد "سي اي ايه" إلقاء الضوء عليها، وبما أنها لم تكن واثقة من ذاكرتها قامت بإخفائها في رسومات وكلمات متقاطعة لا يستطيع احد فك لغزها سواها.. ويروي توفيق قائلا "توجهت الى المطار" لاستقبالها في التاسع من سبتمبر 2002. وأوضح انه تناقش في الموضوع مع شقيقته مرارا وخفية خارج المنزل العائلي، وأصيب توفيق بالذهول، فالأسئلة التي طرحتها شقيقته تكشف جهل الأجهزة الأمريكية بحقيقة الأمور. ويقول في هذا الصدد "كان لدى الأمريكيين 20 سؤالا أساسيا وأجبت على كل منها بالنفي. أجبتها بأنه لم يعد هناك اي شيء قوله". ويؤكد أن صدام شخصيا أعطى أوامره بتفكيك جميع برامج أسلحة الدمار الشامل منذ العام 1995 اثر فرار "حسين كامل" صهر الرئيس المسؤول عن برامج التسلح السرية واعترافاته للمفتشين في الأممالمتحدة. ويقول سعد أنه طلب من شقيقته سوسن أن تشرح للأمريكيين كل ذلك. وفعلا أبلغتهم ما سمعته منه بكل أمانة. وكانوا يصغون إليها في البدء بكل تهذيب، لكنهم عادوا وقالوا لها "أن شقيقيك يكذب". ومع ذلك، كان توفيق يقول الحقيقة والحرب التي قضت على صدام حسين وجلبت الفوضى والعنف للعراقيين برهنت انه كان محقا، وحكاية أسلحة الدمار الشامل لم تكن إلا أكاذيب بدليل أن التقارير الأمريكية نفسها أثبتت أن صدام لم يكن يملك تلك الأسلحة! ل/ل