صلاح شكيرو "عندي صاحبي انتهازي وين ما مالت الريح يميل، مرّة مصمم ومرّة هازي ومرّة قبيح ومرّة جميل، ومرّة يبدو برجوازي ومرّة يبدو لك ڤليل، تلقاه مرّة مع الإقطاعي يقولو أنت سيّد لبلاد، أما مع الخمّاس والراعي يقولهم ليكم هذا البلاد، وبين المدّعي والدّاعي تلقاه واقف على الحياد، ومرّة ثائر ومرّة هادي، ومرّة يبانلك حزين، هاي هاي هاي«(1) انتهز، ينتهز ومنه الانتهازية أي بمعنى اقتنص الفرصة ولم يفوّتها على نفسه. والانتهازية في حالات نادرة جدا إيجابية ولها مقوّمات جادة، جدية ونبيلة، كتلك الحالة التي تكون متعلقة بوضع قلب هجوم فريق كرة القدم الذي يقتنص الفرص لتحويل الكرات الضائعة أو الطائشة في منطقة جزاء الفريق الخصم ويحوّلها إلى أهداف بضربة من رأسه أو ركلة من قدميه أو دفع من ردفيه، نقول عن هذا اللاعب بإعجاب وعزة نفس أنه لاعب انتهازي فهو بقدر ما أسعد نفسه من خلال تسجيله لهدف بقدر ما قدم خدمات جليلة لفريقه وأسعد أنصار فريقه.. في هذه الحالة تكون الانتهازية أدت وظائف نبيلة! بخلاف ما هي عليه الأوضاع، فالانتهازية في كل باقي الحالات منبوذة وسلوك رخيص وبخص ومؤذي عندما تكون ملفوفة بالأنانية وحب الذات ومصحوبة بالتألق في التزلّف وسط جو تميزه المحسوبية والرشوة وكل ما هو قذر في الإنسان، بحيث تصبح مضرة بمن هو محل التزلف وصاحب الباب الذي يهرول أمامه الانتهازيون والمتزلقون فهذا الذي نتزلف له ونتظاهر بالتودد والتزلف له حفاظا على مواقع في السلطة وامتيازات بعيدة كل البعد عن مطامح المواطن النزيه أو حتى المواطن البسيط، ناهيك عن من لا »أكتاف له« ولا معارف ولا سند ومسكل لأن الرئيس في نهاية المطاف لا أعتقد أنه في حاجة لمن يسانده في ممارسة حقه المشروع في إدارة شؤون البلاد، فالدستور في مادة 174 يجيز له الحق في تعديل الدستور واقتراح ما يراه مناسبا للبلاد وسيرورتها. والشرعية الشعبية (لأننا انتخبناه وهو رئيسنا) تجيز له إدراك وبعث كل ما يراه صالحا للبلاد وللشعب، حسب متطلبات كل مرحلة. وفي هذه الحالة لا يحق لأي مخلوق الدخول في منطقة 18 مترا، "غير كل واحد على هواه اللي يطبل واللي يزمر واللي يرقص على النغم الذي يهواه" ولكن لا يحق لأحد أن يرتكب الكبائر والموبقات تحت أي غطاء كان خاصة إذا كان ذلك يمس بركائز النظام الديمقراطي أو يسعى في تضليل الناس عبر مفاهيم واهية، كذلك الذي يعتبر التداول على السلطة واحد من المعالم التي أنتجها النظام الليبرالي والإمبريالية والاستعمار (لهذا الحد وينتهي الأمر) أو الآخر الذي يجزم أن الحد من عهد ممارسة السلطة مساس بالديمقراطية. لو نحكّم العقل لا أعتقد أنه يتسنى لنا إدراك أن مثل هذه الخرجات في مقدورها أن تضيف شيئا إيجابيا لما أنجزه الرجل خلال حكمه (وهو كبير) بقدر ما هي تخدم مقاصد أصحابها. الشاعر الفرنسي لافونطين الذي استلهم كتابه »حكايات لافونطين« عن كليلة ودمنة، يقول في حكاية الثعلب الماكر والغراب الماسك بقطعة الجبن »أن المداح المتملق يعيش على حساب من يتملقه ويمدحه«. وتحضرني في هذا الشأن قصة واقعية جرت أحداثها في إحدى دشور البلديات النائية من بلدنا. زار المير هذه الدشرة وله فيها أصدقاء وكان قد رحب به أعوان الدشرة وقدموا له هبات وهدايا، هذا قدم خروفا من أجل الحصول على رخصة بناء لاستكمال مبناه قبل تطبيق القانون، وذاك قدم جديا قربانا للحصول على قطعة أرض للبناء والآخر قدم عسلا ودجاجا حيا من أجل الحصول على رضى المير وهلم جرا، وكان ضمن الحاضرين المرحبين بالمير رجل ذو أثواب مجعدة قديمة مقطعة لكنها نظيفة يحملق بنظره في وجوه بني عمومته وشيخ البلدية ليس له دجاج ولا خرفان ولا عنزات ولا عسل يتودد بها لشيخ البلدية بالرغم من كونه في أمس الحاجة للحصول على مصدر قوت ذويه. ظل يتابع ما يدور من حديث ويتأمل في تملق الحاضرين لشيخ البلدية وفجأة ابتعد رئيس البلدية عن المجموعة واعتزل عند شجرة في معزل عن الأنظار لقضاء حاجة خفيفة، وهذا أمر عادي في منطقة نائية لا توجد فيها مراحيض عمومية، تفطّن صاحبنا لوضعه واعتبر أن الحظ قد ابتسم له فحمل "قوطي"(علبة طماطم فارغة) كانت ملقاة على الأرض ملأها بالماء من حنفية القرية وقدمها للمير الواقف أمام الشجرة التي اختارها لقضاء غرضه وهو يقول له في احتشام »أنا عارف يا سيد المير أن لا أحد باستطاعته أن يقدم لك هذه الخدمة غيري أنا، فإليّ بخديمة في البلدية«. ولحديثنا بقية! 1) هذه أغنية كتبها الشاعر الموهوب سليمان جوادي وغنّاها عنه صاحب الصوت الذهبي الفنان علي منصوري (الله يذكرهم على خير الاثنين)، هذان الصديقان العزيزان كانا قد تألّقا خلال أول مهرجان للأغنية السياسية الذي نظمته الجزائر وحضره عدد من الفنانين العرب، الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، مارسيل خليفة، خالد الهبر وغيره..