استبق الروائي ميشال أوبيك حملة تشويه المسلمين وعمق أكثر من أي وقت مضى مسلسل التشنيع الفكري بالإسلام تحت غطاء محاربة تطرف زاد من حدته "الربيع العربي" الذي تحول إلى شتاء على حد زعم المثقفين التلفزيونيين الذين فضحهم باسكال بونيفاس المعزول في كتابه "المثقفون المزيفون"، وهو الكتاب الذي قبلت نشره دار هيغو المغمورة بعد أن رفضته 14 دار نشر. صانع الحلقة الجديدة روائي اشتهر أكثر بمقولته "الإسلام أحمق الأديان " وبسخريته من أهله في رواية "أرضية" التي أصدرها عام 2001 تجسيدا لحرية تعبير حرم منها الممثل الشهير الساخر ديودونيه الذي طرد من مسرحه وسيحاكم الشهر القادم بتهمة الإشادة بالإرهاب. ويجدر الذكر أن ميشال أولبيك الذي أصدر روايته السادسة يوم الأربعاء السابع جانفي تاريخ الاعتداء الإرهابي على صحيفة "شارلي إيبدو "عن دار فلاماريون قد راح ضحية الحدث المذكور بعد أن أصبح محط اهتمام العالم ولم يشكل حدث مطلع العام، كما استعدت إلى ذلك كل وسائل الإعلام الفرنسية والمثقفون المباركون لروايته الجديدة من أمثال فينكلكروت وزمور وإليزابيت ليفي وبروكنير وإيفان يوفول وألسكندر أدلير وأخرين كثر. يتناول أولبيك البالغ من العمر 58 عاما في روايته "خضوع" مسار محمد بن عباس الذي انتخب رئيسا بعد تحالف حزب الأخوة الإسلامية مع الأحزاب المناهضة لليمين المتطرف مصورا إياه مناورا مكيافليليا ترك المناصب السيادية لحلفائه غير الإسلاميين، وفسح المجال للحريات الفردية وانتهج خطابا معتدلا في مرحلة أولى قبل أن يجهز حزبه على وزارة التربية ويضع حدا للمساواة بين النساء والرجال ويفرض التعددية الزوجية وارتداء الحجاب ويعيد المرأة إلى البيت . وحتى يفسر تطرف وانتهازية واهتزاز نفسية بطله الرئيس، تصور أولبيك ماضيه في شكل طالب سابق ابعد من الجامعة وصاحب مغامرات عاطفية فاشلة ووظف الإسلام لاستعادة منصبه والزواج بأكثر من إمرأة طائعة وخاضعة. وبحسب لوران جوفران رئيس تحرير صحيفة "ليبراسيون"، فإن رواية أولبيك هدية لم تكن تحلم بها ماري لوبان زعيمة اليمين المتطرف، وتعد أخطر تطاول على المسلمين المسالمين الذين مازالوا يبحثون عن مكان تحت الشمس ويعانون من العنصرية. كما كان منتظرا، تجاوب بعض المثقفين المتخصصين في الفكر الإسلامي والنقاد والمسؤولين العرب مع الحدث الذي يعبر عن جهل مطبق وحقد دفين على حد قول المفكر الإسلامي غالب بن شيخ نجل الراحل الشيخ عباس أحد أبرز عمداء مسجد باريس ورئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام "للشروق". الرواية في نظره تتجاوز إسلاموفوبيا أمثال زمور وبروكنير الذين تخصصوا في التخويف من الإسلام بشكل مرضي يبعث على الشفقة خلافا لأولبيك الذي ابتكر مفردات غير مسبوقة تقطر بطابعها العدائي والسافر للإسلام والمرادف للإفتخار والوقاحة في الوقت ذاته . مفردات حقد أولبيك هي التي جعلت الباحث والناقد بلنوار بداح يؤكد "للشروق" أن حيال هكذا حالة لا يمكن التحدث عن أدب من منظور إبداعي واخلاقي. وأضاف بلنوار أن اللوم لا يجب أن يوجه للروائي الذي يخدم توجها متطرفا يعكس هروبا إلى الإمام من فشل فرنسي أضحى مصدر سخرية في العالم، وعلى مثقفي باريس العرب التحلي بالشجاعة المطلوبة وليس الوقاحة للرد على أمثال أولبيك، وهو الأمر الذي أيده المفكر بن شيخ والدكتور الهادي بن منصور الأستاذ السابق في جامعة السوربون لتاريخ العالم العربي الإسلامي المعاصر والدكتور حسين رايس صاحب كتاب "معرفة الإسلام ّ الذي ألفه مع المفكر الإيطالي روجيه كاراتينيه والفنانة التشكيلية سعاد بن سعيد المبدعة بلوحات لا يعرفها أولبيك والمهوس بحجابها فقط على حد تعبيرها "للشروق" بن منصور نبه إلى أن أعداء الإسلام وجدوا في هجمات الحادي عشر سبتمبر مبررا لتعميق الحقد المبدئي، وهو المبرر الذي يستغله أمثال أولبيك وخاصة بعد بروز داعش التي غطت في الإعلام الغربي على جرائم الأسد بحسب الباحث سلام كواكب . عبد الله زكري رئيس المرصد الفرنسي لمناهضة العنصرية لم يصدم برواية أولبيك وسبق أن تأكد من جهل أمثاله بالإسلام وهو مصدوم أكثر بمثقفي باريس من العرب الذين استقالوا من مهمتهم التاريخية قبل اليوم على حد قوله. زكري الذي تابع قضائيا سياسيين ومثقفين فرنسيين وصحيفة "شارلي أيبدو" قضائيا أكثر من مرة ورفض الاعتداء المشين على صحفيي شارلي ايبدو مازال يكرر لكل صحفيي العالم الذين يطاردونه يوميا أن العنصرية ضد المسلمين بلغت المستوى الذي لا يمكن السكوت عليه، وهذا ما يكون قد استوعبه وفهمه الرئيس الفرنسي الذي غازل المسلمين في خطابه الافتتاحي لندوة فكرية نظمت في معهد العالم العربي يومي الخميس والجمعة. بعض المراقبين ومنهم صحفي جزائري فضل عدم ذكر اسمه رأوا في خطاب الرئيس الفرنسي بصمة جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي وأشهر وزراء الثقافة بعد أندري مالرو وفي رسالة هولند ولانغ طمأنة لقادة العالم العربي الإسلامي من خلال الاعتراف الصريح بأن تطرف الشبان الفرنسيين من اصول عربية هو نتيجة لفشل ثقافي وتربوي فرنسي داخلي محض ولتقاعس الغرب في محاربة إرهاب الأنظمة العربية بوجه عام وإرهاب الاسد الذي أفرز إرهاب داعش ووظفه بالشكل الذي يتلاءم مع مفهوم الغرب للإرهاب ويتناغم مع مصالحه الدائمة.