رئيس جمهورية التوغو يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    جمعية صحراوية تؤكد أن قرار محكمة العدل الأوروبية "تتويج عادل" لمعركة قانونية طويلة قادتها جبهة البوليساريو    رئيس وزراء بلجيكا يهنئ رئيس الجمهورية إثر انتخابه لعهدة ثانية    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    لن يغفر لنا أهل غزّة    على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في غزة    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    انطلاق الطبعة الثانية لحملة التنظيف الكبرى بالجزائر العاصمة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية    بلمهدي يشرف على إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية    لبنان تحت قصف العُدوان    3 لاعبين بقميص الخضر لأول مرّة    البنك الدولي يشيد بالتحسّن الكبير    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الإيطالي    مرسوم رئاسي يحدّد تشكيلة الهيئة    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    مجلس الأمن : الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الأمم المتحدة: نعمل "بشكل ثابت" لتهدئة الأوضاع الراهنة في لبنان وفلسطين    العدوان الصهيوني على لبنان: الاستجابة الإنسانية في لبنان تحتاج لجهود "جبارة"    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    طبّي يؤكّد أهمية التكوين    استئناف نشاط محطة الحامة    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    السيد بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    الحكومة تعمل على القضاء على التجارة الالكترونية الفوضوية    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    هل الشعر ديوان العرب..؟!    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    وزير السياحة وعلى مستوى ساحة البريد المركزي بالعاصمة    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاذبون الأسطوريون يصنعون نكتة المجتمع ويتلاعبون بفصول الحقيقة
قصة "ثعبان المحمديّة" كانت من نسج خيال أحدهم
نشر في الشروق اليومي يوم 19 - 08 - 2008


أسطورة الثعبان؟
تشكل فئة الكاذبين ظاهرة اجتماعية فريدة من نوعها، حيث يتبّنون مواقف خيالية والويل لمن يتّهمهم بالكذب، لأنهم يعتقدون فعلا بكل حرف ينطقونه ولو كان أبعد ما يكون عن الحقيقة، وهم ضحايا مرض "الكذب الأسطوري"، وأيا كانت أسبابه فهم فئة مسلية جدا في أحضان المجتمع الجزائري.
*
وتختبئ هذه الفئة في ثنايا المجتمع الجزائري والعربي، حيث يطير بهم الخيال الجامح في عالم الخيال فيسردون قصصا لا أساس لها من الصحة بمختلف المقاييس، ويردّدونها على أنها حقائق وقعت معهم ولا مجال لنفيها أو تفنيدها، والمحاول للتدقيق فيها وتمحيصها يكون مغضوبا عليه.
*
عمّي "موح" بولاية بجاية ادّعى أنه رأى البواخر القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية لقصف العراق وهي تخترق البحر الأبيض المتوسط، لأنه كان على شاطئ يما ڤوراية.
*
ولم تكن هذه كذبته الوحيدة لكنّها الشهيرة على الإطلاق، تليها كذبته الثانية والتي لا تبعده أيضا على البحر أين يستلهم فيه أغلب هذه الأكاذيب، فقد ذكر مرة أنه وجد دلفينا على ذات الشاطئ، وخطر ببال المستمعين إليه أنه استفاد منه ببيعه أو صيده على الأقل كأقصى حد للكذب، إلا أنه فاجأهم بقوله: نهرته بيدي وقلت له ارجع إلى بلدك، فعاد من فوره -كأنّه يفهم لغة البشر!-.
*
وواصل مغامراته في عرض البحر بأن اكتشف طريقا يؤدي إلى مرسيليا الفرنسية من خلال لوحة استدلالية، كأنه معبر سرّي بين الجزائر وفرنسا لم يعثر عليه أي غوّاص إلا "عمي موح"!
*
الكاذب "عثمان" ابن سيدي بلعباس كان بارعا في اختلاق القصص في عهد الفترة الاستعمارية لا تثبت أية أدلة ضده، وكان كذبه يفجّر المستمع إليه ضحكا، فكان أن أخذ "أشرف" حظه من الشّتم والتأديب من أبيه لأن العم "عثمان" شكاه إليه عندما علا صوته بالضحك حول هذه القصة: كنت مرة أسير في أحد الأرياف بسيدي بلعباس وإذا بقوّات المستعمر تلاحقني بسيارة "الجيب" فامتطيت فرسا كانت في طريقي وكانت حاملا، فضربها الجنود في رجلها الخلفية وواصلت الركض، ثم الثانية لم تتوقف عن الركض، وتتالت الرصاصات إلى أن بركت الفرس.
*
وهنا اعتقد مستمعه أنه تم القبض عليه، فنطق العم "عثمان" بما لا يصدقه إلا أخرق: "لقد شققت بطنها وأخرجت المُهر التي كانت به وواصلت رحلة الهروب"!
*
وجار له أحبّ الكذب منه فنشأ على شاكلته، لكن إبداعه كان أعظم من العم "عثمان"، فحدّث السكان أنه كان مرة على شاطئ البحر فالتقمه الحوت، ومن محاسن الصدف أنّ الذين اصطادوا السمك باعوه إلى مصنع قريب من بلدته لتصنيع السمك المعلّب، وتكررت الصدف في جمائلها إلى أن كان هو ضمن علبة سمك اشتراها صاحب محل في حيهّم، وأجمل صدفة أن العلبة التي كان بداخله ابتاعها أهله، فلما فتحوا العلبة قال لهم: "لا تأكلونني أنا أخاكم فلان"..!
*
أما أحد الشيوخ بتبسة فقد أنهك الصحّة المنطقية في عقول المحيطين به من شدة كذبه، وكانت أغلبها في ثورة التحرير ومن أشهر رواياته أنه مرة أسقط طائرة من طائرات العدو برصاصة كانت الوحيدة ببندقيته، وكذا قام بمهمة الصلح بين أمريكا وإيران من الجزائر، حين استعان به جورج بوش الأب وعاد إلى المنزل في نفس الليلة وعشاؤه ما يزال ساخنا ينتظره!
*
وغير بعيد عن هذه الولاية وباتجاه 60 كلومترا شمالا نجد "الزوبير" الذي ينطق الكذبة تزلزل ما بين الثقلين ولا يتحرك لها إدراكه أن الجميع يعرف كذبه من صدقه النادر جدا، وكان يعتقد أن الحديث عن الحقائق التي بداخل منزلهم هي السبيل الوحيد لإيقاف فضول الناس في تمحيصها والوقوف على أدلتها البيّنة وتكذيبها، حيث ذكر للأصدقاء بالحي أنه توجد بساحة منزلهم شجرة حلوى من نوع "كابريس" تبرم حبات الحلوى في أغلفتها وترميها أرضا ليتمكنوا من التقاطها بكل سهولة.
*
وأيضا من مغامراته في مجال إنقاذ المحتاجين للإعانة أن القطار الرابط بين تبسة وعنابة -أيام كان الخط مفعّلا- كاد أن يحيد على سكّته، ولأنه كان يقلّ إحدى الجميلات وكانت تعشق الفتى-على حدّ كذبه- انتفض من مكانه وأخرج إحدى رجليه ليوقف بها القطار ويجتنب الخروج عن السّكة وبالتالي ترضى عنه "الأميرة"!
*
وكذبت أخرى تعجز عنها كل دلائل المادة الحية بأن ببيتهم عنزة كلّما انتزعَ لها رجلا نمَت لها رجلا بدلا عنها دون أي عناء ولا ألم وهي عنزة أكيد لم يتفطن لها المتهافتون على كتاب "غنيس"!
*
وآخر إبداعاته -التي لا تنهي- أنه بنا سلّما بمنزلهم يقوده كل ليلة إلى القمر، والغريب أن السلم لا يصعده أحد بالبيت سواه..!
*
وإن كانت هذه الحالات كلّها أخذت على أنها كذبات فوق العادة ولا تصدّق إلا في مخيلة راويها الأول، فإن هناك كاذبين بارعين استطاعوا تجنيد الرأي العام والسلطات والجهات الأمنية وبعض الأطراف العالمية بعد أن أطلقوا كذبتهم، ولا نظن القرّاء يجهلونها، إنها قصة الثعبان الأسطورة الذي اقتحم أحد قنوات الصرف بعمارة بالمحمدية العام الفارط، بالنهاية لم تكن أكثر من كذبة، لأن الشخص الذي بلّغ عن الحادث مشهور بكذبه -حسب شهادة أحد المقربين منه- والدليل أنه لم يوجد هذا الثعبان إلى يومنا هذا ولم يستطع أعوان الحماية المدنية القبض عليه في مطاردة ماراطونية دامت 15 يوما متتالية لم تعطِ أية نتيجة، لأنها كانت مطاردة وراء كذبة وليس ثعبانا. بل إن براعة هذا الكاذب أحدثت العدوى لدى البعض من المسؤولين، حيث صرحوا بعثورهم على قطعة من جلد الثعبان البرئ براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
*
وعن أسباب هذه الظاهرة حسب المحللين النفسانيين، ردّت السيدة سامية والي أنها متعددة تدور حول محور عدم الثقة في النفس، الشعور بالنقص، الاضطهاد العائلي، عدم الرضا بالواقع، رفض المجتمع والتهميش العائلي. وقد تتعدى الأسباب إلى الأمراض العضوية أو الإعاقة، كما أن الفقر من أهم الدوافع وراء العيش خلف أسوار الحقيقة والهروب إلى الحصون الخيالية.
*
وتحدد الكذبة عادة نوع النقص الذي يعاني منه هذا المريض وبالتالي يمكن أن يعالج من خلال الجلسات النفسية، وأكدت الأستاذة والي أن "الكذب الأسطوري" ليس كذبا بقدر ما هو عرض من أعراض آفات أخرى ومعاناة داخلية للفرد ينبغي التمحّص فيها وإخضاع صاحبها للعلاج، كما يمكن أن تعود إلى خلل في نمو الجهاز النفسي للشخص يستحسن إعادة النظر فيه وتصحيح الخلل بالحصص النفسية المتكرّرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.