استخدام المدعو "أبو زينب الموريتاني" من طرف تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في التفجير الإنتحاري الذي استهدف حافلة عمال بالبويرة، الأربعاء الماضي، أعاد فتح ملف "المجندين الأجانب" في صفوف التنظيمات الإرهابية بالجزائر، وكذا ما يعرف ب "المقاتلين الجزائريين" بالخارج. وقد اعترف مؤخرا المدعو "درودكال" في حواره مع جريدة "نيويورك تايمز"، بتواجد العنصر الأجنبي ضمن تنظيمه. * تجنيد "كاميكاز أجنبي" ضمن الإرهابيين في الجزائر، كانت بدايات اكتشافه مع الفرنسي المدعو ديديي غيان، الذي اعتبر العنصر الأجنبي الأول الذي ضبط متلبسا بتهمة دعم الجماعات الإرهابية، والذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن يتم الإفراج عنه من سجن البرواڤية في إطار تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنة. * وأفادت تقارير ومعطيات أمنية سابقة، بشأن ملف ما يسمى ب"العنصر الأجنبي" داخل الجماعات الإرهابية، بأن فكرة التحاق مسلحين أجانب بالعمل الإرهابي في الجزائر، طرحت مع بدايات ميلاد التنظيمات الإرهابية، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تولي المدعو "جمال زيتوني"، إمرة الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، أواخر 1994، خلفا للمدعو "الشريف قوسمي"، وأشارت أرقام سابقة إلى أن 9 ليبيين على الأقل، شاركوا في حرب أفغانستان، التحقوا بتنظيم "الجيا" العام1995. * * من الفرنسي "ديدي غيان" إلى الموريتاني "أبو زينب" * وعرفت خطة تجنيد الجماعات الإرهابية بالعنصر الأجنبي، بعد مرحلة تأسيس تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، التي أسسها المدعو "حسان حطاب" (الذي دعا بعد تفجير يسر مؤخرا في بيان له العناصر المسلحة إلى التوبة)، قبل أن يتولى قيادها إلى اليوم المدعو "عبد المالك درودكال"، وقد أكدت شهادات واعترافات تائبين بأن "الإستنجاد" بالأجانب ما بعد سنة 1997 كان بسبب الجفاف والإفلاس الذي وجدت التنظيمات الإرهابية أمامه، خاصة بعد موجات التوبة والإستسلام، التي أعقبت صدور قانون الرحمة ثم قانون الوئام المدني، وأخيرا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي مازال ساري المفعول إلى غاية اليوم رغم انقضاء آجاله القانونية. * وسجلت تقارير أمنية، أن تجنيد المسلحين الأجانب، كان مركزا بالمنطقة الصحراوية، التي كان يشرف عليها "مختار بلمختار" المدعو "بلعور"، وذلك نتيجة الاحتكاك بين عناصره ومسلحين من الساحل الإفريقي، وتحديدا من موريتانيا والنيجر ومالي ونيجيريا، قبل أن يتم تسجيل إلتحاق تونسيين ومغاربة وموريتانيين، وقد كشف قبل أسابيع، المدعو "ولد السمان" الموقوف بموريتانيا، في اعترافات للمحققين، أنه شارك في الإعتداءات الإجرامية بالجزائر. * وسجل مراقبون في مرحلة سابقة، أن "الجماعة السلفية" عملت على نسج علاقات أخطبوطية مع المجموعات الإرهابية في عدد من البلدان، بينها المغرب ونيجيريا وموريتانيا وتونس ومالي وليبيا، إضافة إلى دول أوروبية، وكان الهجوم الذي تبنته "الجماعة السلفية" في يونيو من العام 2005 على مركز عسكري في موريتانيا، مؤشر على "استيراد وتصدير" التنظيم الإرهابي لاعتداءات ومجندين في سياق محاولات "تقوية" مخططاته وجرائمه. * * "استيراد وتصدير" المسلحين من وإلى الجزائر * من جهة أخرى، تكشف الأرقام المتعلقة بما يسمى "المقاتلون الجزائريون بالخارج"، أن التظيمات المسلحة عبر عدد من الدول التي تشهد أزمات أمنية أو نزاعات عسكرية أو حروب، تفضل المسلحين القادمين من الجزائر، في إطار إستيراد "مقاومين" و"جهاديين" و"فدائيين" وأحيانا "دروعا بشرية" وفي كثير من الأحيان "انتحاريين" توظف في المواجهات الدامية والعمليات العسكرية. * وتفيد التحريات بأن "شبكات التجنيد" تعتمد في فنون الإقناع والإغراء، على توظيف الخطاب الديني والنبرة الجهادية، وأيضا استغلال الأوضاع الإجتماعية المزرية وما توفره من أرضية خصبة للإرادة في الإنتقام، إضافة إلى التركيز على العناصر الهاربة والمبحوث عنها، سواء تلك المتورطة في عمليات إرهابية داخل الوطن، أو تلك التي شاركت في "حروب خارجية" (أفغانستان، البوسنة)، وذلك لأن فرص تجنيدها سهل. * وقد نشرت وسائل الإعلام، في وقت سابق، توقيف 3 جزائريين متهمين بالإنتماء إلى تنظيم "فتح الإسلام" بنهر البارد اللبناني، وفي ظل تنامي ظاهرة "الكاميكاز الجزائريين"، ذكرت أنباء إعلامية، الصائفة الماضية، أن الأمن السوري أوقف نحو 40 جزائريا لدى وصولهم التراب السوري، في سياق تحقيقات مخابراتية، تخص تحديدا شبكة لتجنيد جزائريين في "فتح الإسلام" عن طريق سوريا. * وذكرت أخبار أخرى أن جزائريين قتلوا أو أوقفوا بعدما كانوا مرشحين للتجنيد ضمن صفوف "القاعدة في لبنان"، وقالت أنباء تناقلتها وسائل الإعلام، في وقت سابق، إن عدد من عناصر "فتح الإسلام" الذين قتلوا أو اعتقلوا خلال المعارك الدامية مع الجيش اللبناني داخل منطقة نهر البارد، يحملون الجنسية الجزائرية، وهي الأخبار التي لم تنفها السلطات الجزائرية أنذاك. * أشارت بعض الأرقام غير الرسمية، إلى وجود مئات الجزائريين ممن شاركوا في حرب البوسنة ضد الصرب تطوعا، خاصة على مستوى كوسوفو والهرسك، أغلبهم قدم إليها من بعض الدول الأوروبية وأفغانستان حيث شاركوا في مواجهات عنيفة ضد قوات الإتحاد السوفياتي إلى جانب "المجاهدين الأفغان العرب"، ونقلت معلومات أخرى، أن جزائريين قاتلوا مع "المجاهدين الأفغان"، دخلوا إلى العراق في وقت سابق للقيام بعمليات عسكرية ضد قوات التحالف، ليجد بعضهم نفسه، فيما بعد، ضمن صفوف تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين". * * "تهريب" الإرهابيين وتخويف الجزائريين ب "الكاميكاز" * وفي نوفمبر 2006، أعلنت الشرطة الإسبانية عن توقيفها 3 جزائريين، بتهمة تزوير وثائق لصالح "المجاهدين الذين التحقوا بالمقاومة العراقية"، وقد توبعوا بتهمة "التعاون مع منظمة إرهابية"، وكشفت تحقيقات الشرطة وقتها أن نشاط المجموعة يرتكز على تزوير الوثائق الرسمية لتسهيل الدخول إلى إسبانيا. وكانت قيادة الجيش الأمريكي بالعراق، أعلنت العام 2005، بأن "20 بالمائة من المحاربين الأجانب" في العراق، والمقدر عددهم بحوالي 2200 مقاتل، "هم من أصل جزائري"(..)، أغلبهم متخصص في العمليات الإنتحارية. * وكمؤشر "للترابط" بين المجندين الأجانب بالجزائر والمسلحين الجزائريين بالخارج، كان رئيس الوزراء العراقي، نوري المالك، قد تحدث العام الماضي في تصريحات إعلامية، عن ما وصفه ب"زحف" مسلحين باتجاه المغرب العربي بعد مغادرتهم للعراق، وقال المالكي أنذاك إنه وجه "تحذيرات" مكتوبة للبلدان المعنية، بينها الجزائر يحذرها من احتمال وقوع إعتداءات إرهابية(..) !، لكنه بالمقابل لم يكشف أي تفاصيل ولفّ تصريحاته الغريبة بالغموض والإبهام والشبهة والإستفزاز، في وقت كان تحاول فيه "الجماعة السلفية" الالتصاق بما يسمى تنظيم "القاعدة" والذوبان فيه ب "مر وترخيص" قالت إنه من بن لادن، موازاة مع تأكيد المسؤولين أن لا وجود فيه "للقاعدة" في الجزائر، فيما أكدت فيه عديد المرجعيات أن "الجماعة السلفية" تحاول البحث عن "شرعية جديدة" تبرر لها جرائمها ! *