بلغت أزمة مسار تظاهرة عاصمة الثقافة العربية التي تحتضنها قسنطينة، خلال سهرة يوم الثلاثاء الفارط بمرور فرقة "إنانا" السورية العالمية درجة الخطر الحقيقي، حتى إن البعض عدّ أعضاء الفرقة واستخلص بأنهم أكثر عددا من الحضور، الذي فضل بعض الغائبين منه التسكع في الشوارع أو البقاء في بيته، على أن يحضر ملحمة صلاح الدين الأيوبي وجهاده في تحريره القدس. ولولا عمال قاعة العروض الكبرى وبعض موظفي الديوان الوطني للثقافة والإعلام لجرى العرض في قاعة شبه شاغرة، لم يتعد الحضور الحقيقي فيها عدد أصابع اليدين، في الوقت الذي كانت ساحات غير بعيدة عن القاعة في الخلاء تعج بالمواطنين والعائلات الساهرة، أما الطامة الكبرى فتمثلت في الغياب الكامل للذين يزعمون بأنهم مثقفون في قسنطينة، والذين لا تتوقف طلباتهم لأجل طبع كتب أو إقامة ندوات هي في الغالب للتباهي ورغبات مادية، وحتى الممثلين والمسرحيين بقسنطينة كانت الفرصة سانحة لهم لمتابعة عرض راقي استقبلته كل بلاد العالم من كييف إلى القاهرة وتابعه عشرات الآلاف، لكنهم غابوا وفوّتوا فرصة الاحتكاك بعمالقة المسرح السوري، فكانت الخيبة كبيرة جدا لدرجة أن أصواتا تطالب بنقل التظاهرات إلى مدن أخرى، حتى لا تُطعن الجزائر بتهمة أن مواطنيها لا تهمهم الثقافة نهائيا حتى وإن كانت هذه الجملة قد ابتعدت عن معنى التهمة، لكونها حقيقة جلية.. فقد توفرت القاعة الجميلة التي قال عنها وائل جسار بأنها الأجمل التي غنى فيها، رغم غنائه في القارات الخمس، وهي قاعة مكيفة تقدم لزبائنها الجو العائلي بفريق عامل لا يختلف عن الفرق العاملة في كبريات قاعات العالم، وحتى خدمة الأنترنت متوفرة دون انقطاع، ناهيك عن كون الولاية وفرت أيضا النقل الجماعي، ومع ذلك غاب الجمهور وكذا من يسمّون أنفسهم نخبة الفن والثقافة في الجزائر. المواطنون الذين تحدثنا إليهم لم يقدموا ما يٌقنعون به أنفسهم، فقال أحدهم كان يحمل الشيشة في مساحة خضراء بأن الشعب يريد الخبز والثقافة آخر اهتماماته، بينما يلوم آخرون أهل الثقافة الذين لم يقدموا النموذج الذي يتبعه المواطن واشتكى آخرون من نقص الإعلانات والإشهار لمختلف النشاطات، وحاول البعض ربط العزوف بموسم الاصطياف في الوقت الذي لم يختلف العزوف الحالي عن فصل الربيع الذي لجأ فيه المنظمون إلى نقل الطلبة والطالبات عبر الحافلات، وحتى مثقفي باقي الولايات والمواطنين خصوصا الذين سافروا منذ نهاية رمضان إلى تونس متهمون بابتعادهم عن الثقافة.